أثار خبر مقتل لاعب المنتخب الإماراتي لكرة القدم ذياب عوانة رحمه الله، الذي يبلغ من العمر 21 عاماً في حادث سيارة، الذعر والأسى في نفوس الناس في الإمارات وخارجها، وقد امتدت فاجعة الخبر بفعل تقنيات التواصل التقني إلى أوساط الشباب كافة. رغم أن حوادث المرور في الإمارات بلغت 387 قتيلاً العام الماضي، بحسب صحيفة «الإمارات اليوم»، سببها السرعة والتهور، وبزيادة بلغت 70 في المئة خلال العشر سنوات الماضية، إلا أن الأثر الذي يحدثه موت لاعب كرة في وجدان الشباب والناس، أكبر من الأرقام المتزايدة التي لا يشعر بها أحد. فاجعة فقدان الشباب في عمر مبكر بسبب حوادث الطرق هي مختصر خسارة كبيرة تعاني منها مجتمعات الخليج العربي، ففي السعودية بلغ عدد قتلى حوادث الطرق 19 قتيلاً يومياً أغلبهم من الشباب. التحقيقات أسفرت بأن اللاعب الشاب ذياب عوانة رحمه الله كان منشغلاً في جهاز البلاك بيري ويقود سيارته بسرعة أثناء اصطدامه بشاحنة، ونشرت صحيفة «الإمارات اليوم» صورة عن آخر محادثة بينه وبين زميله مدافع نادي الوحدة والمنتخب حمدان الكمالي، الذي لم يصدق الخبر، لأن ذياب قد بعث له عبر البلاك بيري رسالة يقول فيها «إنه الآن على مقربة دقيقتين من منزله، وطلب أن يخبر شقيقه بالخروج إليه»، لكن الدقيقتين لم تنتهِ، وعوانة لم يصل. اليوم اتلفت، وأنا أسير في الشارع، وفي المجمعات التجارية، وفي المقهي والمطاعم، الشباب والشابات معظمهم يدفنون رؤوسهم في البلاك بيري، والآي فون. سيدة تتحسس بقدمها عتبة السلم الكهربائي وعقلها ورأسها مدفوناً في الجهاز الذي تحمله، زلة واحدة من قدمها تكلفها الكثير. الشباب الذين يقودون سيارتهم في الشوارع يكتبون أو يردون على رسالة وصلتهم، يقطعون طعامهم ليردوا على رسالة. أكثر حوارات الشباب لا تتجاوز سؤال «وينك يابو الشباب»؟! يفتشون عن بعضهم البعض ليعيشوا فراغهم سوياً، أو مجتمعين على الهواء مباشرة. وأنا أسير في شوارع دبي ألاحظ أن المقيمين هم الأكثر التزاماً بالأنظمة، لأنهم يدركون فداحة الثمن ويخافون من الغرامات والسجن، بينما من يقود بتهور واستهتار هم «عيال البلد»، لأنهم يعرفون أن الواسطات ونفوذ العائلة يحميهم، ومحفظة نقود الوالد تسدد الغرامات الباهظة، وبالتالي فإن خسارتنا الأليمة في الأخير هي في «عيال البلد». بعد حادث موت عوانة نظمت «الإمارات اليوم» حملة شعبية كبيرة من أجل حشد التأييد لمقاطعة كتابة الرسائل والمحادثات التراسلية عبر الهواتف المتحركة، ودعمتها في هذه الحملة وزارة الداخلية والاتصالات ومحطات تلفزيونية وإذاعية، ومن الجيد أن لا تذهب أرواح الشباب سدى، وأن يشعر الناس بفداحة، ما حدث إلا أن هذا ليس كافياً إن لم يرافقه قانون مروري يغرم ويجرم من يستخدم الهاتف أثناء قيادة السيارة. رغم الحوادث المتزايدة نجد بيننا من يعاند حقيقة أن النظام المروي كلما كان قاسياً كلما كان ناجعاً، وبعضنا حتى اليوم لا يزال يعارض نظام ساهر الذي يراقب السرعة والتهور متعللاً بأخطاء قد يرتكبها ساهر، دون أن نفرق بين خطأ في النظام ونظام خاطئ. أو بدلاً من أن نشير لمكمن الخطأ ونطالب بإصلاحه نطلب نسف تنظيم هام مثل ساهر يحمي حياتنا وحياة الآخرين. لو نام أحد من أبنائك في السجن، أو دفعت معاش شهرك كله فهذه الخسارة قد توقظ وعيك ووعيه، وتضبط تهوره وتمنعه مما هو أسوأ، لهذا علينا أن نطالب بتحسين مراكز التوقيف، وتطوير الطرق ونظام مراقبتها، بدلاً من أن نبحث عن واسطة لتخرج شاباً متهوراً يحتاج إلى درس في الانضباط. [email protected] twitter | @badryahalbeshr