71.3% نسبة التحقق من مستهدفات الإسكان    تدشين السوق الحرة في مطار المؤسس بمساحة 8 آلاف م2    2.09 مليار قيمة الحملة الوطنية للتدريب    دوري الأبطال: البطل يضرب بقوة افتتاحا وفوز مثير لليفربول    أبطال آسيا 2.. النصر يقسو على الاستقلال الطاجيكي بخماسية    اختتام أعمال المنتدى والمعرض العالمي للبنية التحتية بالرياض    السعودية تستضيف كأس السوبر الإيطالي في ديسمبر المقبل    باول: لم يكن هناك دعم لخفض الفائدة بأكثر من ربع نقطة    إيران تواجه خطر إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة    غزة بين الركام والمجاعة: حرب مدمرة تفتك بالأرواح وتشرد السكان    ما أهداف اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان؟    الصمعاني يستعرض احتياجات محاكم الشمالية    انطلاق فعاليات منتدى "حوار الأمن والتاريخ" بالرياض    دوناروما: الانتقال إلى مانشستر سيتي كان خياري الأول والأخير    دول مجلس التعاون: جرائم إسرائيل المتكررة في غزة جرائم حرب لا يمكن السكوت عنها    ضبط شخصين في الشرقية لترويجهما الحشيش وأقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    الأميرة سما بنت فيصل تُقيم مأدبة عشاء ثقافية لضيوف تدشين مشروعات رسل السلام    نائب أمير تبوك يكرم تجمع تبوك الصحي لحصوله على جائزة أداء الصحة في نسختها السابعة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يرعى حفل افتتاح ملتقى جامعة جازان ل"أبحاث السرطان 2025″    أمير جازان يرأس اجتماع اللجنة الإشرافية العليا للاحتفاء باليوم الوطني ال95 بالمنطقة    أمير الرياض يستقبل السفير فوق العادة لجمهورية فيتنام    سلمان بن سلطان يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    مستشفى صبيا العام ينقذ حياة ثلاثيني من كيس مائي كبير الحجم في البطن    المرور: استخدام الهاتف أثناء القيادة من أبرز مسببات الحوادث المرورية    بيئة جازان تعالج 25 بئرًا مهجوراً ومكشوفًا    "إثراء" يتصدّر المشهد الثقافي بحصوله على جائزة الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري    لا تخاطر..بادر بالتحول الاستباقي إلى أجهزة Windows 11 Pro الجديدة مع اقتراب نهاية دعم Windows 10    الموافقة على آلية التعامل مع حالات العنف والإيذاء والإهمال في المنشآت الصحية    الأمين العام لمجلس التعاون يرحب بإعلان سوريا الوصول إلى خارطة الطريق لحل الأزمة في محافظة السويداء    وزير الشؤون الإسلامية يبدأ زيارة تفقدية لقطاعات الوزارة وتدشين مشروعات جديدة بالمدينة المنورة    أمانة تبوك تضبط منزلًا لتخزين لحوم مجهولة المصدر    ضبط مواطنًا مخالفًا للائحة الأمن والسلامة في ضباء    "الخارجية اليمنية" ترحب بقرار الأمم المتحدة نقل المقر الرسمي لوظيفة المنسق المقيم إلى عدن    الإنجازات الأمنية على طاولة نائب أمير الرياض    المياه الوطنية وصندوق الشهداء يوقعان اتفاقية تعاون    أدان بأشد العبارات اعتداءات سلطة الاحتلال بالمنطقة.. مجلس الوزراء: نتضامن مع قطر وندعمها لحماية أمنها وسيادتها    نزاع على تصميم ينتهي ب«التعويض والسحب»    «أليانتس أرينا» يعيد التاريخ بين بايرن والبلوز    الصناعة تتوج بجائزة التميز    قمة الدوحة.. رسالة إستراتيجية حاسمة    «فبراير الأسود» يعيد القصبي للدراما    هل ستستمر مواقع التواصل الاجتماعي؟    قطر: نتنياهو لن يفلت من تبعات خرق القانون    موجز    وجهة نظر في فلاتر التواصل    خطبة الجمعة المقبلة.. وحدة الصف ونعمة الأمن والرخاء ورغد العيش    في ختام الجولة الأولى بنخبة آسيا.. الهلال يقلب الطاولة على الدحيل القطري    دوري أبطال أوروبا| ريال مدريد يعبر مارسيليا بثنائية مبابي    قطرات عين ثورية بديلة عن النظارات    انتظر في حسرتي لين الغياب    ماكل هرج نسمعه نستمع له ولا كل من وصِي على الطيب طابي    يوم النخيل العربي    اللصقات الهرمونية أنسب لمرضى السكري    وجبة دهون واحدة تضعف الذاكرة    خطى ثابتة لمستقبل واعد    محافظ الأحساء يكرّم مواطنًا تبرع بكليته لأخيه    الإسراف وإنفاق ما لا نملك    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجدد المدن ومواكبتها روح العصر ينتشلانها من الذواء والأفول
نشر في الحياة يوم 30 - 11 - 2011

مدينة لا تتغير من طور إلى آخر هي مدينة تحتضر احتضاراً بطيئاً. وكلما احتضنت إرثاً تاريخياً واسعاً وغنياً ومتنوعاً، صار بقاؤها، نابضة بالحياة، عسيراً نتيجة الحسبان الشائع بأن تشييد مبنى جديد بارز يقوض تناسق جمال مشهدها. والساكنون في جوار الموقع المخصص للمبنى الجديد يوحدون صفوفهم في جمعيات، ويصوغون عرائض الاحتجاج، ويلجأون إلى المحاكم، وهم على بيّنة من إجراءات تأخير مشروع البناء تأخيراً يثني المتعهد، ويثبط مساعيه. وفي مرحلة ما بعد أيار مايو 1968، عملتُ بصفتي مهندساً"مشاركاً"مع جمعيات بيئية ومحلية أهلية أرادت أن تنتهج نهجاً جديداً في السكن والعيش. وعلى خلاف تلك المرحلة، تسعى اليوم الجمعيات إلى الدفاع عن حقوق الأفراد والأوضاع الراسخة. ويسود تيار ضيق الآفاق ومحافظ، ويعوق التجديد في اجتماعات إدارة الملكية المشتركة. وفي باريس، تبرز الحاجة إلى شجاعة سياسية مقدامة لدفع عجلة التغيير الهندسي. وهي مدينة تجتمع فيها كل ذرائع الشلل الهندسي التجديدي.
وتدمير مبانٍ عابقة بهوية العاصمة الفرنسية أيسر من تشييد مبنى جديد في باريس. فالأمكنة التي استقرت فيها روح العقود الماضية تُدمر من غير أن يحتج أحد ويُمحى أثرها ويُزال. فمشاريع هدم الحانات الصغيرة وصالات سينما القرن العشرين تنال رخص الهدم، فيأخذها النسيان وتغيب في غياهبه. وتهمل الأروقة والسطوح الباريسية إهمال الأرض البور. وروح المدينة تقبع كذلك في قلب مبانيها وداخلها. وهيمنة سياسة إبقاء واجهة المبنى وتدمير داخله وتغيير وجهه خلفت أضراراً كبيرة في نهاية القرن الماضي.
ويفترض أن ترمي استراتيجية مدينية ديناميكية إلى تسريع وتيرة التغيير تغييراً لا يجافي الذاكرة ولا يلغيها. وعلى سبيل المثل، انتهت أحوال جزيرة سيغان إلى مآل مأسوي. وهي كانت مكاناً بارز الطابع وماثل الحضور تزينه مبانٍ رائعة موروثة من ثلاثينات القرن الماضي. وأزيلت هذه المباني ودرست أثارها، في وقت نجحت ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية مثل النمسا وبلجيكا في الحفاظ على المباني الصناعية المتداعية.
ويخشى الباريسيون وممثلوهم تضخم"كثافة المكان"وعلو ارتفاع المباني والاختلاط، أي الجمع في حيز مكاني واحد بين مرافق السكن والعمل والتجارة. ورفض الكثافة يعود إلى إنشاء المدن من غير الاحتذاء على نموذج المنزل العائلي الصغير. فلم يعرف الفرنسيون كيفية إنشاء حيز مديني يدعو النازلين فيه إلى حبك علاقات جوار تشبه تلك السائدة في قرى الأرياف. ويبعث على الأسف إنشاء مدن جديدة ينخرها الفراغ من غير روابط أو وصلات هي الجسر بين المكان والصبغة الإنسانية والعلاقات البشرية.
وفكرة الكثافة المكانية - السكانية لا تلقى قبولاً إلا إذا قرنت بهوية خاصة وبنية مركبة. وخير دليل على ذلك أن الكثافة هذه في باريس هي الأعلى في دوائرها العشر الأول الأغلى عقارياً - والطلب عليها كبير. وفي هذه الدوائر مظاهر الاختلاط الاجتماعي والمكاني متنوعة: تجاور المتاجر الصغيرة والشركات الصغيرة والمصانع الحرفية الصغيرة، والمكاتب والشقق السكنية. والقوانين المدينية الفرنسية تعوق مثل هذا الاختلاط. وردُ المسؤولين الأول هو اقتراح نقل التجارات مثلاً إلى خارج المدينة، خارج الحياة. والسياسة هذه مدمرة، وتلوث البيئة. وهي كارثة على مقياس النمو المديني المستدام. فهي تؤدي إلى تكثيف شبكات النقل، وتحوّل الوسط التجاري وسط المدينة. والخواء هو قلب مدينة تنبذ التجاور والإلفة والاختلاط.
وثمة صور سلبية كثيرة مرتبطة بالمباني المرتفعة في عقول الباريسيين. فالأبراج المرتفعة هي نقيض الحي الأليف والقرية الصغيرة المطمئنة. ويحسب عدد كبير من الفرنسيين أن الأبراج العالية تلوث الطبيعة. وهذا الحسبان في غير محله. وباريس فاتها قطار تشييد الأبراج وناطحات السحاب في مرحلة نزوح السكان من الأرياف إلى المدينة إثر الحرب العالمية الثانية. وغلبت كفة توسيع المدينة على"تكثيف"أو رفع كثافة حيزها المكاني. فارتفع عدد المجمعات السكانية الواسعة في الضواحي. وترتب على الارتفاع هذا مشكلات لا تخفى على أحد.
والأبراج ترتقي إلى صرح. ويفترض بها أن تحمل صبغة الهوية الفريدة، وأن تكون شامخة فخورة. ويفترض أن تتناسب مع إرث مديني ومع جذوره. فالجذور هي الملائمة بين إرث المدينة وبنيتها والتكيف مع مناخها وجوّها وثقافتها المحلية وحمل صبغة مرحلة زمنية ما، وتوسل التكنولوجيا الجديدة"البيئية"التوجه.
ويعود موقف الباريسيين السلبي من الأبراج إلى بعض النماذج التي أنشئت من غير مراعاة المكان وصفاته وصبغته وافتقرت إلى هدف. والنظرة السلبية إلى الأبراج ليست قصراً على باريس. ففي الدول النامية يتكاثر عدد المدن المحاصرة بالأبراج العالية المستنسخة. وهذا أمر مخيف.
وبناء الأبراج يتعثر بالأزمات المالية والاقتصادية. وعدد كبير من الأبراج يبقى مشاريع على ورق. وثمة مشاريع تعدل تعديلات كثيرة لتقليص النفقات. وقلص علو برج نيويورك الزجاجي من 380 متراً إلى 320 متراً. وناطحة سحاب"دانتسو"في طوكيو أنشئت في ذروة الأزمة الاقتصادية. فألغي قسمها الأعلى، واضطر المهندسون إلى تعديل واجهتها مرتين.
وأنظر بعين الرضى إلى عدد من الأبراج التي شيدتها: ومنها فندق في برشلونة غرست شجرات بلح في قلب برجه، وبرج آخر في المدينة نفسها يحاكي الثقافة الكاتلانية المحلية ويُبرز هويتها، وبرج في الدوحة تغطيه مشربيات لا تظهر من بعيد لكنها تبرز أمام الناظر من قرب كأنها دنتيلا متناسلة ومتداخلة مثل غصون الأشجار. فالأبراج يفترض أن تنتمي إلى تاريخ المكان وحضارته. وأشعر بالفرح حين أنجح في نقل روح ثقافة المكان إلى برج أشيّده.
ولا يسع المرء مزاولة الهندسة المعمارية من غير أن تربطه مشاعر حب بالأشخاص الذين سينزلون في المباني. ولا يسعه كذلك مزاولتها إذا كره المكان الذي يشيّده. والتاريخ شاهد على أن المدن التي تبنى من غير مثل هذه المشاغل تولّد العنف. فالأمكنة العامة التي لا تستقطب الناس هي الأقل أمناً. وأمن الناس هو نواة تحديات ابتكار المدينة وصوغ وجهها. والمدينة هي حيز حرية مشرع على الاحتمالات.
* معماري، عن"لوموند"الفرنسية، 29/10/2011، إعداد م.ن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.