هل فوجئتم حقاً عندما سمعتم الأنباء الرهيبة من أريزونا؟ أو هل توقعتم أن يحدث شيء من هذا؟ كنت من الفئة الثانية. وتملكني شعور سيئ وانقباض في المعدة منذ المراحل الأخيرة لحملة الانتخابات الرئاسية عام 2008. وتذكرت ارتفاع درجة الكراهية السياسية بعد انتخاب بيل كلينتون عام 1992: ارتفاع بلغ ذروته في انفجار أوكلاهوما سيتي عام 1995. وكان في الوسع رؤية ان ذلك سيحصل مجدداً لمجرد مشاهدة تجمعات أنصار المرشحين ماكين وبالين. وتوصلت وزارة الأمن الداخلي الى الاستنتاج ذاته: في نيسان ابريل 2009، حذّر تقرير داخلي من صعود التطرف اليميني، مع تزايد إمكان لجوئه إلى العنف. دان المحافظون التقرير. لكن مع الوقت، صعدت موجة التهديدات وأعمال التخريب الموجهة ضد المسؤولين المنتخبين، بمن فيهم القاضي جون رول، الذي قتل في الهجوم الذي وقع في بلدة توكسون في اريزونا السبت والنائبة غابرييل جيفوردز. في أحد الايام، عزم أحدهم على رفع مستوى التهديد، وقد فعل. صحيح أن مطلق النار في أريزونا يبدو مضطرباً عقلياً، بيد أن ذلك لا يعني صحة التعامل مع فِعله كحادث معزول لا يمتّ بصلة الى المناخ الوطني. وكان موقع"بوليتكو دوت كوم"قد نشر في الربيع الماضي تقريراً عن تزايد التهديدات ضد أعضاء الكونغرس، التي كانت ارتفعت بدورها 300 في المئة. ولعدد من الأشخاص الذين يطلقون التهديدات هذه، تاريخ من الامراض العقلية، لكن ثمة أمراً في الوضع الحالي في أميركا يجعل من عدد أكبر من السابق من المضطربين يوجهون تهديداتهم، أو ينخرطون فعلاً في العنف السياسي. ولا تبرز أسئلة عما تغير. وبحسب ما قال المسؤول عن التعامل مع إطلاق النار في أريزونا، الشريف كلارنس دوبنيك، فإن السبب هو"الرطانة العنيفة التي نسمعها يومياً من الإذاعات وبعض التلفزيونات". الأكثرية الساحقة من المستمعين إلى تلك الخطابة السامة تمتنع عن ممارسة العنف الحقيقي، لكن البعض يتجاوز الحد تجاوزاً لا مفر منه. من المهم التوضيح هنا طبيعة علتنا. إنها ليست نقصاً عاماً في"التمدن"، أي العبارة المفضلة للمعلقين الذين يريدون ان ينأوا بأنفسهم عن الانقسامات السياسية الجذرية. قد يكون التهذيب فضيلة، لكن ثمة فارقاً شاسعاً بين سوء السلوك والدعوات الصريحة أو الضمنية الى ممارسة العنف. الشتائم شيء مختلف عن التحريض. المقصود انه يمكن العثور على مكان في نظام ديموقراطي لأناس يعملون على تسخيف وإدانة أولئك الذين لا يتفقون معهم. لكن لا مكان البتة لرطانة إلغائية ترى أن الطرف المقابل من أي جدال ينبغي أن يزاح من مكانه بأي وسيلة كانت. وتشبع خطابنا السياسي ? وخصوصاً في موجاتنا الإذاعية - بالرطانة الإقصائية، هو ما يقف وراء صعود موجة العنف. من أين تأتي الرطانة السامة تلك؟ دعونا لا ندّعي ادعاء كاذباً بالتوازن: أنها تأتي بأكثريتها الساحقة من اليمين. ويصعب تصور عضو في الكونغرس عن الحزب الديموقراطي يحث ناخبيه على أن يكونوا"مسلّحين وخطرين"من دون أن يتعرض للإقصاء. لكن النائبة ميشيل بكمان، التي قالت الكلام هذا، تُعتبر نجماً صاعداً في الحزب الجمهوري. ربما تُدهش مواطني الديموقراطيات الأخرى العقليةُ الاميركية التي تجعل الجهود البسيطة التي يبذلها الرؤساء ذوي النزعة الليبرالية الطفيفة لتوسيع الرعاية الصحية، تقابَل بصرخات تندد بالطغيان والحديث عن المقاومة المسلحة. غير أن هذا ما يحدث كلما وصل ديموقراطي إلى البيت الأبيض. وهناك سوق مفتوح لكل راغب باستغلال هذا الغضب. فهل ستجعل مجرزة اريزونا من خطابنا أقل سمية؟ يعود الأمر حقاً إلى قادة الحزب الجمهوري. هل سيقبلون واقع ما يجري لأميركا ويتخذوا موقفاً ضد الرطانية الإلغائية؟ او سيحاولون صرف النظر عن المجزرة واعتبارها مجرد عمل فرد مضطرب عقلياً ويتابعون التصرف كما في السابق؟ * معلق واقتصادي حائز على جائزة نوبل، "نيويورك تايمز" الاميركية، 2011/1/9، إعداد حسام عيتاني