الحديث عن قضية عادية، مسألة ليست مثيرة، فأي شخص يستطيع الإدلاء برأيه فيها، فيدخل مع الجميع ساحة النقاش، فيصرخون أو يتهامسون، وفي النهاية يخرجون بأحد الخيارين: إما متفقون على حل، وإما متفقون على استمرار الاختلاف. أما حينما يتعلق الأمر بالوعودِ الكاذبة التي أذابت مرارةُ الواقع، فالأمر يستدعي الانتباه، لأن تكرار التجربة معناه إقامة دائمة في مقابر الأموات، إذ أصبح الانتظار الصديق الوحيد الذي يواسي أهل العزاء، لا سيما أن أصحاب ديبلوماسية الوعود تفننوا في حشد كم هائل من الكلمات الرائعة، ونثروها في وجوه المعذبين، وزرعوا في قلوبهم نسائم الأمل الكاذب، وبنوا لهم قصوراً جميلة، فيها كل ما لذّ وطاب من الأحلام التي تدفقت، وسارعت الخطوات إلى قلوب المحرومين الذين أعجبوا بجمالها وبالغوا في وصفها، وحين تذوقوها لم يكن مذاقها بمستوى الشكل، فأصيبوا بخيبة أمل جعلت آمال المساكين تقول، سحقاً للكلمات التي أخرجت أصحابها من المواقف المحرجة، وأدخلتنا إلى عالم الأوهام، لنكتشف بعد ذهاب البريق أن الواعد كان يختبر قدراته البلاغية وأننا مختبر للكلمات. وعود التحرير والاستقلال، والبناء والتنمية، والعودة والعيش الكريم، والديموقراطية والشفافية التي ساقها الزعماء العرب للأمة منذ ستين سنة، وألبسوها عباءة البطولة، اتضح أنها عقيمة وعاجزة عن إنهاء معاناتها، بل إن المعاناة تتجدد كلما تجددت الوعود، لأن البنادق استراحت، والرجولة في سبات عميق، والآلام هي الوحيدة التي تتكاثر في دماء الأمة، وتنام ملء جفونها في عيونِها، وأصبح الإحباطُ ضيفاً مقيماً في أحلام الشعوب على الزعماء العرب إدراك أن الصدق ينافي الكذب، وأن ما لا يجوز في الدين لن يجوز في غرف الديبلوماسية المحمّلة بالخيانة، وأن الإخلال بالوعد طعنة كبرى للوطن، وأن الوعود التي نثروها في وجوه الحيارى قد أجهضوها وألقوا بالجنين على قارعة الطريق، وأن فلسطين على رغم المصائب ما أدرات ظهرها لدهرِها، على رغم أن العرب تركوا أهلها يعتاشون على نار الوعود. فلسطين - بريد إلكتروني