فصل الصيف الحالي هو فصل"التعافي الاقتصادي"، على ما تزعم إدارة الرئيس باراك أوباما. والإدارة اعلنت انتهاء الركود العالمي، وانبعاث حركة انتاج المصانع في أرجاء أميركا، ومراكمة موازنات الشركات الكبيرة فوائض في الأرباح. ولكن اذا صحت المزاعم هذه، فلماذا تشبه الأجواء اليوم أجواء"شتاء السخط"حوادث اضطرابات نقابية وعمالية في بريطانيا بين 1978و1979؟ وآخر البيانات تظهر أن عجلة النمو الاقتصادي في الولاياتالمتحدة كانت أبطأ، في الربع الثاني من العام الحالي، منها في الربع الأول، وأن تراجع المؤشرات الاقتصادية، في 2009، كان أسوأ مما توقعنا. والحق أن الاقتصاد نما نمواً طفيفاً، على خلاف ما أمل الاقتصاديون. وعلى رغم جني عدد كبير من الشركات أرباحاً قياسية، لم تتقلص معدلات البطالة، وهي توازي نظيرها في أوروبا القديمة المتخشبة. ولكن الأوروبيين سيتسنى لهم تمضية الشهر الحالي على الشاطئ، في وقت يضطر العمال الأميركيون، الخائفون من صرفهم من العمل، الى الشغل ساعات اضافية. والأجور على حالها. وتبرز الاوضاع هذه أهم الاتجاهات الاقتصادية في عصرنا، أي تعاظم الانفصال بين ثروات الشركات متعددة الجنسية وبين دولها الأصلية. وقد ينسب التعافي الضئيل الذي تشهده أميركا إلى زيادة أرباح مبيعات كبرى الشركات الأميركية، المتربعة على"جبال من السيولة". وليس مرد ذلك الى انفاق الأميركيين. فبحسب المعطيات الاخيرة، بلغ معدل الادخار 6.4 في المئة من مداخيل الاميركيين، عوض 4 في المئة، وتلك نسبة لم تُسجل منذ 1993. فالمستهلكون لا يشعرون بالأمان. وأرباح الشركات المنتفخة مصدرها المبيعات في الخارج. وتعاظمت نسبة نمو الصادرات الاميركية. وبلغت، الى وقت قريب، نحو 7 أو 8 في المئة سنوياً، وسجلت زيادة من رقمين جراء ارتفاع حركة الطلب على السلع الاميركية في الصين والبرازيل والهند. ولا عجب في أن يشعر المستهلكون، في الأسواق العملاقة الناشئة، بالوفرة، إثر تخطي بلادهم عثرات الركود العالمي. وأما الطبقة الوسطى الاميركية، فتعاني الضيق. وغذى الركود وتدهور قيمة المساكن، دورة من البطالة المرتفعة وركود الرواتب. وفي استثناء 10 في المئة من أصحاب المداخيل العالية في الولاياتالمتحدة، بقيت الرواتب على حالها منذ السبعينات، بل ان المرحلة الأخيرة من التوسع الاقتصادي الاميركي، بين 2002 و2007، شهدت تراجع دخل الأسرة المتوسطة نحو ألفي دولار جراء التغيرات في النظام الضريبي، وموت النقابات، والعولمة وبروز تكنولوجيا تقوض الاعتماد على اليد العاملة. ويكاد الانفاق يقتصر على قطاع الاعمال، وحصة المستهلكين لا تُذكر. ومعظم مشتريات الشركات هي تكنولوجيا ? البرمجيات، وخدمات شركات التقنيات المتقدمة التي ستساعد، في المدى القريب على الأقل، على رفع الانتاجية من دون توظيف مزيد من العمال. وهذه أخبار طيبة لشركة"انتل"، وعدد قليل من الشركات في وادي سيليكون. ولكن صناعة التقنية المتقدمة لا توظف عدداً كبيراً من العمال. والشركات الأميركية لا تشعر بالأمان الكافي للبدء في التوظيف. ولا عجب في ذلك. فبرنانكيه لا ينفك يبلغنا اننا نعاني مناخأً اقتصادياً"متقلباً تقلباً غير معهود". ويقابل كل نبأ اقتصادي إيجابي احصاء سلبي. وتفاقم مثل هذه الظروف التباس الامور. فتتعاظم الصعوبة التي تعترض السياسات الحوافز الجديدة وصون التعافي الاقتصادي الهزيل والضعيف، من جهة، وتقويمهم مخاطر زيادة عجز موازنة الحكومة وحجم ديونها، من جهة أخرى. * صحافية، عن"نيوزويك"الاميركية، 16/8/2010، اعداد حسام عيتاني