باستثناء الأميركي مونتي هيلمان والبولندي جيرزي سكولموفسكي المولودين عامي 2391 و 8391 على التوالي، فإن جميع المخرجين الذين اختار المدير الفني لمهرجان البندقية فينيسيا السينمائي الدولي أعمالهم للدورة ال76 من أعرق مهرجان سينمائي في العالم، لن تتجاوز أعمار أكبرهم السابعة والأربعين. مهرجان شاب إذاً على رغم سنيه التي تجاوزت الثامنة والسبعين كانت أول دورة عام 2391، غير أن هذا ليس المظهر الأكثر بروزاً الذي يسعى ماركو موللر الى تقديمه، هو الذي يريد لمهرجانه أن يكون"مرآة للحاضر المعاش ومتماشياً مع الأحداث التي تحيط بنا". 38 فيلماً روائياً طويلاً، 97 منها بعرض عالمي أول وأربعة بعرض دولي عُرضت في بلادها. اثنان وعشرون منها في المسابقة الرسمية، وسيعلن موللر، كعادته الفيلم الثالث والعشرين، أي"الفيلم المفاجأة"كما يحلو له تسميته، يوم السادس من الشهر المقبل، أي في منتصف أيام المهرجان بالتحديد والذي سينطلق في الأول من أيلول سبتمبر ليُختتم في الحادي عشر منه. رئيس البيينالة باولو باراتّا أعلن أن الموازنة التي يستند إليها المهرجان تصل إلى 21 مليون يورو قدمت الدولة سبعة منها فيما قدم الداعمون المبالغ الأخرى التي"لولاها لما كان في إمكاننا إنجاز المهرجان كما ينبغي"، كما أكد باراتّا. أسد ذهبي لليلة الافتتاح مهمة العرض السينمائي الصاخب ليلة الافتتاح أوكلت إلى حامل الأسد الذهبي لعام 8002 عن فيلمه"المصارع"من بطولة النجم الهوليوودي ميكي رورك، دارين آرونوفسكي، الذي سيعود إلى فينيسيا هذه السنة بفيلمه الجديد"البجعة السوداء"الذي تقوم بدور البطولة فيه النجمة ناتالي بورتمان، في دور"نينا"الراقصة التي تجد نفسها حبيسة شبكة من التعقيدات الناتجة من تنافسها مع القادمة الجديدة إلى فرقة الرقص والتي تؤدي دورها ميلا كوني. سيُعرض الفيلم في الصالة الكبرى في جزيرة الليدو ليلة الأول من أيلول، وقد أعلن المخرج أن عودته إلى الليدو"شرف كبير لي ولفريق العمل. إنه فخر كبير أن أعود إلى السير على البساط الأحمر في الليدو. نحن متحمّسون للغاية لتقديم الفيلم بعرضه العالمي الأول في المهرجان". وتقودنا قصة الفيلم المشاهد في رحلة مثيرة تُقارب القصة المرعبة والغامضة وتمس حياة راقصة شابة تؤدي دور القرين الأسود للبجعة البيضاء، وتكاد تتحول أحداث القصة المؤداة في الأوبرا الراقصة إلى واقع حقيقي. وإلى جانب ناتالي بورتمان وميلا كونيس ثمة حضور للنجمتين باربرا هيرشي وواينونا رايدر. ومعروف ان بطلة الفيلم، ناتالي بورتمان، بدأت حياتها الفنية صبية صغيرة بدور ماتيلدا في فيلم"ليون"من بطولة جان رينو وإخراج لوك بيسّون. المشرق العربي حاضر بالوثيقة دورة العام الماضي من المهرجان شهدت حضوراً عربياً مُكثّفاً سواء من خلال فيلم"المسافر"لأحمد ماهر الذي عُرض في المسابقة الرسمية وكان من بطولة النجم الكبير عمر الشريف، وكذلك عبر حضور فيلم الجزائري مرزاق علواش"حرّاقة"الذي عُرض ضمن برنامج"أيام المخرجين في فينيسيا". أما ما يُميّز دورة هذه السنة عن سابقتها في خصوص حضور المخرجين العرب، أو أفلامهم التي تتناول موضوعات عربية، فهو ان هذا الحضور أنيط هذه السنة بسينما الوثيقة. إذ سيتناول المخرج والفنان التشكيلي الأميركي جوليان شنابل المأساة الفلسطينية عبر ناظري بطلته الشابة"ميرال"، في فيلم بالاسم نفسه اقتبس عن رواية للكاتبة والصحافية الفلسطينية رولا جبريل. وبحسب ملخص الفيلم الذي نُشر، فإن قصة الفيلم"تروي ما عايشته المعلمة الفلسطينية هند منذ العام 8491، حيث تبدأ الحكاية في القدس عام 8491، هناك وبينما هند متوجهة إلى عملها تلتقي بمجموعة من الأطفال الفلسطينيين الذين تعرّضوا إلى الاعتداء على يد الإسرائيليين، لذا تُقرر توفير العناية اللازمة لهم. هكذا نشأت مؤسسة"دار الطفل"وولدت. بعد ذلك نلتقي بهند بعد مرور 03 عاماً من خلال آصرتها مع"ميرال"طفلة السابعة والتي يُوكل والدها شؤونها إلى"دار الطفل"بعد انتحار والدتها. تمر السنون، وها هي ميرال في السابعة عشرة من العمر وهي تواجه لحظة الخيار بين مسارين أساسيين:"هل تلتزم عملياً بالكفاح الفلسطيني دفاعاً عن شعبها، أم تواصل ما علّمتها إياه هند، أي البحث عن المخارج من خلال التعليم أولاً؟ الوثيقة بمعناها الحقيقي ستكون حاضرة، عربياً، من خلال شريط الثنائي ماريان خوري ومصطفى الحسناوي، اللذين يقدّمان عملهما الوثائقي"ظلال"09 دقيقة. ماريان خوري أعربت عن سعادة كبيرة لحضورها المهرجان ومشاركتها في برنامجه الرسمي، وبالتأكيد سيكون حضورها في جزيرة الليدو مناسبة مهمة لاستذكار"خالها"الراحل الكبير يوسف شاهين والذي رافقته قبل ثلاث سنوات إلى البندقية بحب كبير عندما عُرض شريطه الأخير"هي فوضى"ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان. وكان ذلك الحضور آخر احتفالية بعملاق السينما العربية قبل رحيله. وكان مهرجان البندقية عرض قبل بضعة أعوام شريط شاهين ما قبل الأخير"سكوت، حنصوّر". ويذكر أن شريط ماريان خوري ومصطفى الحسناوي من إنتاج مشترك بين مصر وفرنسا والمغرب والإمارات العربية المتحدة، وفاز بإحدى جوائز"ملتقى دبي السينمائي"الذي يقام ضمن مهرجان دبي السينمائي الدولي. إلى جانب ماريان خوري ومصطفى الحسناوي، ثمة من يفتح ملفاً آخر من مأساة عربية أخرى: اللبناني ماهر أبي سمرا الذي يعود إلى ملف الحرب الأهلية في لبنان باحثاً عن مفردة مهمة و"عظيمة"ميّزت السياسة حتى مطالع التسعينات من القرن الماضي:"مفردة الالتزام"، التي وإن انطلقت من عقائد وأيديولوجيات فكرية صارمة، في كثير من الأحيان، فقد كانت، أي مفردة الالتزام، رديفاً لما هو إيجابي يفترضُ البناء والوقوف إلى جانب قضايا المُعدمين، أي إلى جانب الشرائح الأوسع في المجتمع. بوثائقيّه"عندما كنّا شيوعيين"، يعرض ماهر أبي سمرا رحلة العودة للبناني كان عضواً في الحزب الشيوعي اللبناني ويمكن أن يكون من أي بلد عربي آخر. يعود إلى لبنان ليبحث عمّا كان خبره من الالتزام وليبحث عما آلت إليه هذه الفكرة. عشرون سيجارة في الناصرية وثيقة عربية أخرى، لكن هذه المرة عبر فيلم روائي يتناول مأساة الجنود الإيطاليين الذين تعرّضوا إلى العملية الإرهابية في 21 تشرين الثاني نوفمبر 3002 في مدينة الناصرية، جنوبالعراق، ومات خلال الاعتداء 91 إيطالياً 71 عسكرياً ومدنيان كان أحدهما المخرج التلفزيوني ستيفانو رولا الذي حضر إلى الناصرية لإنجاز فيلم عن المدينةالعراقية وعدد كبير من العراقيين. الفيلم شهادة حيّة للمخرج أوريليانو آميديي، الذي كان يُرافق المخرج رولا كمساعد في تلك المهمة. قشّيش"الفرنسي" بعد بضعة أعوام من نجاحه الكبير بفيلم"الكسكسي والسمكة"وبعد سنتين من ترؤسه لجنة تحكيم"أسد المستقبل"يعود المخرج التونسي الأصل عبداللطيف قشّيش إلى مهرجان البندقية بفيلمه الجديد"فينوس السوداء". وبحسب ما رشح عن الفيلم، تتناول قصته"حكاية الشابة الإفريقية السوداء سارة بارتمان التي عاشت في القرن التاسع عشر وجيء بها إلى أوروبا لتُعرض في سيرك باريس باعتبارها نموذجاً للدهشة والإثارة للخصوصية التي تمتّع بها جسدها". طول فيلم عبداللطيف قشّيش يربو على ساعتين وأربعين دقيقة ويُنتظر أن يكون مثار اهتمام النقاد ومثيراً للنقاش كما كانت حال بقية أفلام هذا المخرج اللافت. اهتمام آخر يمكن أن يُثيره العمل الجديد لصوفيا كوبولا، ابنة المخرج الكبير فرانسيس فورد كوبولا. والإشارة هنا إلى والد المخرجة فقط للتعريف بها، لأنها، أي صوفيا، تمكّنت من خلال أفلامها السابقة وأشهرها"ضاع في الترجمة"و"ماري انطوانيت"تأكيد شخصيتها وحضورها في المشهد السينمائي العالمي من دون الحاجة إلى وساطة اللقب الذي تحمله. ترقّّب آخر سيُخصّص لإنجاز الممثل والمخرج فينسينت غالّو حيث سيقدّم ضمن المسابقة الرسمية شريطه كمخرج وممثل"وعود كُتبت على سطح الماء". ويروي الفيلم حكاية شابة تكتشف إصابتها بمرض قاتل فتُقرر وهي على وشك النهاية عدم إخضاع نفسها إلى العلاج أو دخول المستشفى حتى اللحظة التي يُصبح فيها الألم لا يُطاق، عندها تُقدم على إنهاء حياتها... ما يشغلها فقط هو ما الذي سيحدث بعد موتها. عودة سكولموفسكي فينسينت غالّو سيكون حاضراً في المهرجان ممثلاً في فيلم آخر ضمن المسابقة الرسمية، فقد أعلنت الإدارة الفنية للمهرجان، إضافة فيلم جديد إلى قائمة الأفلام ال 38 التي أعلنت في المؤتمر الصحافي الحاشد في روما نهاية الشهر الماضي. الفيلم الجديد هو"قتل أساسي"للمخرج البولندي الشهير جيرزييه سكولموفسكي، الذي اشتُهر في أعوام السبعينات بكونه أحد المتمردين والمجددين في سينما أوروبا الشرقية، وكان حضر مهرجان البندقية لأكثر من مرّة في دوراته السابقة. يدور شريط سكولموفسكي حول يوميات أحد مقاتلي حركة طالبان، الذي يُعتقل في أفغانستان على يد القوات الأميركية في براري الشمال ويُنقل إلى عاصمة دولة أوروبية غير مُعلنة للتحقيق معه. يفر السجين ليجد مأوى في الغابة المتجلدة: عالم مختلف تماماً مقارنة بالصحارى في وطنه مع ظروف معيشية قاسية للغاية. وينتهي به الأمر إلى قتل كل من يجده في طريقه. ووصف بيان صحافي صدر عن إدارة المهرجان الفيلم بكونه"مثيراً للدهشة"وأنه"قليل الحوارات ويعتمد على الفعل". يؤدي دور البطولة في الفيلم فينسينت غالّو إلى جانب إيمانويل سينييه. وكتب السيناريو له جيرزي سكولموفسكي وإيفا بياسكوفسكا. ... وأخيراً وكما هي العادة في كل مهرجان كل المهرجانات!!، لم يكن في الإمكان أن يمر مهرجان البندقية لهذا العام أيضاً من دون أن تكون لعميد او شيخ المخرجين العالميين البرتغالي مانويل دي أوليفييرا إطلالة فيه، إذ سيعرض المهرجان فيلمه القصير الجديد"صورة شاعرية للقديس فيشنتي دي فورا"دلالة على الفرح بحضوره السينمائي الدائم وأمنية بعمر مديد له وللسينما رغم كل شيء...