تتخوف الشخوص من حالتها المجازية الجديدة، تألف ذاتها بعد دقائق من مكوثها على بياض القماش، طبقة الزيت الأخيرة عليها تسمح للمشاهد لمس لزوجة العالم اللاواقعي لألوان الإكريليك، إلى جانب ال"كولاجات". بناء الأشياء ومن ثم هدمها، يجعل اللون منتمياً إلى عالم مشاعر حالم في لوحة التشكيلية السورية المعاصرة أسماء فيومي 57 سنة، عبر تكوين ممتلئ، درجة ظهور المتخيل والفائض من الأحاسيس، والانفعالات بغنائية لونية. 34 سنة في تصميم ديكور المسلسلات وعلى الأخص التاريخية منها"طرفة بن العبد"و"النابغة الذبياني"و"إرث الدم"و"انتقام الزباء". بدأت فيومي منذ عام 1969 تشييد العالم الدرامي بالأبيض والأسود بعدما تخرجت من كلية الفنون في دمشق، وفي رأسها تأثيرات من مدرسة للفن التجريدي قادها الرسام الإيطالي Guido La Regina في ستينات القرن الماضي. أقامت فيومي حتى اليوم حوالى 15 معرضاً، ومرت منذ معرضها الفردي الأول عام 1966 في صالة"الفن الحديث"العالمي، بتجارب التشكيل الواقعية ثم التجريدية إلى أن عجنت التعبيرية لوحاتها بقوالب حداثية، وقريباً من المعاصرة رسمت وجوه نساء"أمهات، عاشقات، جدات مباركات"ممسكة بالتقنية واستلهام وجود الآخر- الإنسان على حد سواء. تضع فيومي المرأة في كل الوضعيات"الحالمة، الحامل، أو على أنها تحمل طفلها، أو باقة وردها". بألوان غنية أنتجت على مدى سنة ونصف السنة معارضها الأخيرة في صالة"أيام"التي وقعت عقداً للعمل معها، ولا يمكن نسيان خط الغرافيك القوي في معرضها شباط 2008 - مع الكولاج"خيوط قطنية قاسية وملساء، ورق، ضمادات". وتصف فيومي المواد الدخيلة:"بأنها مواد لا تخلو من نبل الطبيعة". النزعة الأنثوية لشخوص فيومي تنتمي إلى الأرض - الأم، بفطرية، وروح شفافة كما اختلاط الوجه بالأحمر الناري في إحدى اللوحات، أو في انسيابية جسد تحركه الريشة. هكذا تتجول اللوحة عندها بين الصور الميتولوجية والصراع البشري المحتدم حولها، وفي لوحة غزة من معرضها لعام 2010 يظهر طفل محمول على أذرع، منقولاً في طهرانية البياض إلى عالم هادئ"حاملاً بيده ما يشبه غصن الزيتون"كما تضيف فيومي، تهمس اللوحة بتعبيرية وتجريد مبتكرين للألم دون تبعية سياسية. يمرر اللون خطاً أو خيطاً من الملصقات، فيحدث كسراً للتكوينات بحدة في معظم اللوحات، هو الأسر، والفصام بين داخل الإنسان وخارجه كما ترى فيومي"فرق بين ما نحب تقديمه وما تقدمه الحياة"، تتابع:"لا وجود للإنسان الحقيقي، هناك دائماً ما يشبه ذلك"، الوجوه ليست كما هي في اللوحة فحاجز متأرجح السماكة يفصلها عن ملامحها الأصلية ويغطيها بضبابية تشبه حلم اليقظة. وعلى رغم زخم الألوان، فإن العنصر التشكيلي الدرامي ما بين التشويق والسرد، يطبع أعمال فيومي بمأسوية وحرقة بسبب تدخل الخط الأسود الفاحم في تنظيم عشوائية اللون. فانوس مشع تحمله الفنانة في الطريق الحالم إلى لوحتها، يخز عتمتنا ويتركنا في سؤال مأزوم :"هل نستيقظ لنكون نحن؟".