افتتاح"دار الصناعة"الباريسية معرضاً لتاريخ ناطحات السحاب، قرينة على طي أوروبا صفحة رفض هذا النمط من المباني غير المألوفة في تاريخ العمارة. ويستوقف عنوان المعرض:"اختراع البرج في أوروبا". ويعرض مئات الوثائق والأفلام والصور والخرائط. ويؤرخ المعرض وقائع الجدل الفرنسي في المباني الشاهقة، من مرسيليا الى باريس الكبرى. وتاريخ البرج الأوروبي غير معروف. وهو يختلف عن ناطحات السحاب الأميركية التي تبقى الملهم. وتقول انغريد تايندر ان المدن التاريخية الأوروبية كلها عرفت الأبراج، وأن زوالها مرتبط بتطور المجال الحضري في القارة القديمة. ويظهر المعرض حجارة الأبراج الصخرية القديمة، نظير استفزاز الإسمنت والفولاذ اللذين حاول المعمار مانويل غوتراند"تدجينهما". فهو يوهمنا بأننا اعتلينا منصة برج متخيل، يعلو 30 طبقة، في قلب مشهد بانورامي لمدن الحواضر. والعمارة تصب التاريخ في شكل وقالب. وكان البيت الأبيض بروتردام هو البناء الرائد في 1898. وصمم بعلو 45 متراً، على شكل قلعة. ولم يكن ذلك متاحاً لولا اختراع المصعد. وسعى معماريو تيار الحداثة في تمدين ناطحات السحاب الأميركية، رمز الرأسمالية، من منظور حضري - اجتماعي. وشهدت عمارة ناطحات السحاب عصرها الذهبي في"الثلاثين"عاماً الأميركية المجيدة، 1955- 1970. وهي وفرت لسكانها مناظر للسماء وللمدينة لم تر من قبل. فأقبل الناس عليها. ولكن بناء ناطحات السحاب في فرنسا تراجع بعد 1970. وانتهى مع عهد جيسكار ديستان وكان نحو 120 ألف شخص يقطنون تلك"المرتفعات"التي تحولت رمزاً للكوارث الاجتماعية والمالية. واستعاد بناء الأبراج ألقه في بداية التسعينات. ومكن الكومبيوتر المهندسين من تقديم خرائط رقمية خلابة للمباني الجديدة. وأسهم تصنيع مواد بناء تتيح تشييد عمارة اكثر انسجاماً مع المشهد الطبيعي، ومبان تتصدرها واجهات ساحرة، في انبعاث ناطحات السحاب والأبراج". ومع تصدع برجي نيويورك في 11 ايلول، تحسن بناء ناطحات السحاب. وصارت رمزاً للقوة، وعلامة على نجاح نجوم الهندسة المعمارية المعاصرة. ولكن الأزمة الاقتصادية الأخيرة أوقفت عدداً من خطط بناء ناطحات السحاب وأبراج المستقبل اشبه بحدائق معلقة. وهي مجمعات مساكن، ومراكز تجارية، ومكاتب. ولن تكون قلاعاً معزولة، بل قرى تتخلل مسام المدن، وتطلب أجود وسائل الأمان. والناطحة العملاقة في دبي يبلغ ارتفاعها 800 متر. ولن تجد لها نظيراً بأوروبا في وقت قريب. وزها حديد تخطط لتشييد برج CMA CGM بمرسيليا يبلغ علوه 280 متراً... فقط. * صحافية، عن"ليبراسيون"الفرنسية، 2/8/2009، إعداد غيدا نصار. نشر في العدد: 16931 ت.م: 12-08-2009 ص: 23 ط: الرياض