بعد عام على تولّيه سدّة الرئاسة ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعيّة في 7حزيران يونيو أصبح من الواضح أنّ رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة العماد ميشال سليمان رجل صبر بامتياز. ولكننا لا نزال نجهل حتّى الساعة ما إذا كان سليمان سيضطلع بدور الرئيس القوي أو، على العكس، سيكون رجلاً يقف على هامش الساحة السياسيّة اللبنانيّة. فمنذ انتخابه في 25 أيار مايو 2008، وفي رغبة حذرةٍ للحفاظ على حياده السياسي، جاءت إطلالاته وتصريحاته العلنيّة والمتلفزة معدودة، ولم يُعبّر بوضوح إلاّ مرّات قليلة عن موقفه من النزاعات السياسيّة التي تعصف بالمشهد اللبناني. مضى عام وميشال سليمان ينتظر ما بعد 7 حزيران ليُبرهن عن قدراته السياسيّة - أو ربّما كي لا يُمارس فعلاً سلطته - فخلال العام المنصرم، يُشهد له أنّه نجح في تنظيم عقد الانتخابات في ظلّ جوّ محلّي مشحون. والأهمّ أنّه حقق إنجازاً عظيماً واستحق شرعيّةً دوليّةً وحافظ على مكسب رافقه منذ كان قائداً للجيش وهو مكسب الحياد السياسي النادر الوجود. وفي العام المنصرم قضت استراتيجيّته بكسب الشرعيّة الدولية بالفوز بدعمٍ عالمي. وحتّى الساعة يقتصر نجاح مساعيه على لقاء عددٍ من دول المحوريْن الإقليميين الأساسيين في المنطقة ومنها: الولاياتالمتحدة في شهر أيلول/سبتمبر 2008 وإيران في تشرين الثاني/نوفمبر 2008 وسورية في آب/أغسطس 2008 وفرنسا في آذار/مارس 2008 وقطر في أيلول 2008 والمملكة العربيّة السعوديّة في تشرين الأوّل/أكتوبر 2008 مروراً بطيفٍ من دولٍ أخرى كألمانيا وتركيا. وبالإضافة للانتخابات، ولما تبّقى من سنوات الرئيس الخمس، سيتعيّن عليه استثمار الدعم الدولي للمشاركة في الحكم مع القوى الأساسيّة وفرض رؤيته للإصلاح ولتدعيم مؤسسات الدولة الضعيفة. ففي غياب مشاركة كهذه، سيقتصر دوره على دور بروتوكولي غير مؤثّر في القضايا الشائكة التي ستحفل بها ولايته"لكنّه لن يكون بذلك قد استعدى أحداً. ثانياً، على المستوى الوطني، نجح الرئيس خلال سنة في المحافظة على دعم التيّارين اللبنانيين الأساسيين المتعارضين وهما قوى 14 آذار وقوى 8 آذار. وفي مرحلة ما بعد الانتخابات، يبدو مستعداً للعمل مع الفائز في الانتخابات أياً كانت هويّته. فيحافظ هكذا على تأييد الجميع وعلى صفة القوّة السياسيّة المحايدة. ومنذ أول أيام ولايته، كان يعمل عكس عقارب الساعة لتفادي اندلاع حربٍ أهليّةٍ لبنانيّةٍ جديدة. فإذا وجب عليه انتظار اللحظة المناسبة بعد الانتخابات ليُدخل الإصلاحات السياسيّة الضروريّة لاستقرار البلاد، فانّ هذا الانتظار يُمثّل في الواقع خطراً شديداً. وسيتضح قريباً ما إذا كان صبر الرئيس سليمان خلال السنة المنصرمة سيثبت جدواه أو يبدو غير مجدٍ: فإمّا أن ينجح في تطبيق الإصلاحات أو تلحق به عقارب الزمن لسعاً في حربٍ أهليّةٍ جديدة. ودعونا لا ننسى أنّ الرئيس سليمان لم يبلغ سدّة الولاية إلاّ بعد شبه حرب أهليّة تواجهت فيها ميليشات المعسكرين السياسيين المتخاصمين في 7 أيار 2008. أمّا رؤيا لبنان المؤيد للغرب والذي يُشكّل رأس حربة الرأسماليّة الليبراليّة فهي نقيض لبنان نموذج المقاومة العربيّة في وجه الاحتلال الإسرائيلي والمجتمع المتحرر من الفساد. وفي ظلّ التجاذبات السياسيّة الشديدة بين هاتين الرؤيتين المتناقضتين، ولد اتفاق الدوحة في يوم 21 أيار 2008 مكرّساً اختيار الرئيس. وحتّى بعد الانتخابات، سوف يظلّ اللبنانيّون منقسمين بين معسكرين لا يجمع بينهما جامع. ولا شكّ بأنّ الفارق في الأصوات سيكون قليلاً في حين قد يتفجّر الانشقاق السياسي عنفاً ميليشيويّاً على شاكلة ما حصل في شهر أيار 2008 ولكن يُمكن لأعمال العنف أن تدوم هذه المرّة. وعليه، يقضي دور الرئيس بعد هذه الانتخابات بتنفيس الاحتقان بين القطبين. وهذه مهمّة عظيمة يجب أن تتضمن العناصر التالية:في أفضل الأحوال دمج سلاح"حزب الله"ضمن المؤسسات الأمنيّة اللبنانيّة. وفي أسوأها المحافظة على الاستقرار مع تفادي أن يدخل"حزب الله"في حربٍ جديدةٍ مع إسرائيل تُدّعم شرعيّته الشيعيّة، لا بل في عرض عضلات جديد يُكلّف لبنان بنيته التحتيّة لا بل عودة الاحتلال الإسرائيلي. وفي أفضل الأحوال، موافقة غالبيّة كبيرة من الرأي العام أو أقله إذعانها للأحكام التي ستصدر خلال ولاية الرئيس لقرارات المحكمة الخاصة المعنيّة بالنظر في قضيّة اغتيال الحريري. وفي أقلّ الأحوال، تدعيم المؤسسات القائمة أو في أفضلها إصلاحها لا سيّما أجهزة الأمن. وعلى الأخيرة أن تدمج أجهزة استخباراتها ومكافحة الإرهاب والتجسس. وعلى هذه الهيئات أن توزّع بوضوح المهمات الأمنيّة المناطة بها تفادياً للازدواجيّة أو لسقوطها في يد هذه الجهة السياسية أو تلك خدمةً لأغراض طائفيّة. وتدعيم الجيش كونه المؤسسة الوحيدة التي تعتبر محايدةً وممثلة للجميع. وفي الوقت الراهن، يميل كلّ من المعسكرين إلى تغليب كفّة الاختلافات بما يدفع بهما إلى المواجهة ورفض الآخر. ويجب على هذه الأعمال أن تجري في جوّ يكون فيه الرئيس قد نجح في التوّصل إلى حكومة توافق وطني فاعلة لا"يتمترس فيها"المعسكر الفائز خلف مواقفه، وهو ما أشار إليه الرئيس في لقاء مع الصحف. وستضمّ هذه الحكومة وزراء من جميع الأطراف، وتتألف من الفائزين والخاسرين نظراً لضرورات نظام الشراكة اللبناني. وأخيراً، السير إلى برّ الأمان بعمليّة سلام افتراضيّة مبنيّة على مبادرة السلام العربيّة والتي تقضي بإيجاد حلّ دائم للوجود الفلسطيني في لبنان. وفي غياب حلّ كهذا، سيتعيّن على الرئيس أن يُحلّ السكينة في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والقائمة على فوهة بركان. وهذه الأخيرة هي مشرّعة لتجاذبات الساحة الفلسطينية ولتشدد مضطرد كما اتضح في مواجهات مخيّم نهر البارد في العام 2007. الاستمرار في توطيد العلاقات مع سورية وتصويبها على قاعدة احترام سيادة الدولتين ومعالجة القضايا الشائكة المتمثلة برسم الحدود ومصير المفقودين. وهذه عمليّة في غاية الحساسية لأنّ سورية تُدافع دائماً عن مصالحها. وأخيراً تنظيم عقد الانتخابات التشريعيّة عام 2013 في جوّ يسوده الاستقرار، اللهم إذا تمكّن الرئيس سليمان أن يقود لبنان إلى العام 2013 متفاديّاً شرّ حربٍ أهليّة. إنّ ولاية العماد ميشال سليمان قد تكون تاريخيّة وحافلة بالإصلاحات أو لحظة حياد سياسي لن يكون نصيبه منها سوى التهميش. * باحث لبناني في"مجموعة الازمات الدولية". نشر في العدد: 16860 ت.م: 02-06-2009 ص: 15 ط: الرياض