تحولت المسلسلات التلفزيونية إدماناً عاماً، فهي تحمل المشاهدين على إطالة السهر واحمرار العيون. ولم يبق الهواة هواة وحسب، فانقلبوا متعصبين مخلصين يزدادون عدداً، وينتظرون بث المسلسلات الكثيرة على الشاشات، أو يطلبون نسخاً عنها على أقراص مدمجة، لإرواء عطشهم. ولم يحظ صنف من البرامج التلفزيونية بترحيب عظيم مثل الذي نشهد، ولا باهتمام ومناقشات بين المتخصصين، وتأويلات في المجلات المتخصصة. ولم يسلم شيء من التأويل، لا المقدمات الموسيقية ولا مشاعر الشخصيات وبواطنها، ولا نوعية الترجمة، ولا أطوار الحوادث القادمة المحتملة وخواتيم المسلسلات. ولا يعف الاهتمام عن المراهقين ولا عن المسنين. وغلاة معاداة التلفزيون اكتشفوا في انفسهم شهية الى هذا الصنف من البرامج. ويعد هذا الباب من الناس روائيين مثل ميشال لوبري وإيمانويل كارير وفيليب دجيان وسيرج براملي، بحسب ما ذكرت مجلة"تيليراما"في الملف الذي أعدته بعنوان"لماذا تمتص المسلسلات دم الكتّاب"، أو بحسب كتّاب"مسلسلات كتاب دليل المسلسلات التلفزيونية"الذي شارك في صوغه 71 مؤلفاً جهروا، كل واحد على طريقته، مأثوراتهم من الأعمال هذه. وتناولت مناقشات مهرجان"المسافرون المدهشون"الأخير في سان مالو، تأثير المسلسلات في الأدب المعاصر، على نحو ما عالجت تأثير المسلسلات في السينما، فدُرست أفلام"جايسون بورن"السينمائية التي يقوم بدور البطولة فيها مات ديمون وما تدين به الى مسلسل"24"الذي يروي في كل موسم قصة يوم من حياة العميل السري جاك باور ومكتب مكافحة الإرهاب الذي ينتمي إليه. والداعي الأول الى تعلق المشاهدين بالمسلسلات هو الصلة الحميمة بزمن المشاهدين، وديمومة الأعمال التي تنظم على وجه مختلف بنية الروايات المتخيلة الدرامية. فتنسج من التفاصيل الكثيرة، والمتعرجة، والمنعطفات مسارات حياة، وعوالم موازية، وأعمالاً أخطبوطية. وأما مصدر قوتها فهو عزوفها عن تناول المشكلات الاجتماعية على شاكلة الأمثولة أو التبسيط والإيجاز، وإقدامها على تهجين الأنواع الفنية، وسعيها في التشويق، وحفاظها على قدر من الغموض، وعلى نبرات فريدة. وهذا ما ظهر جلياً في مسلسلات مثل"سوبرانو"و"دريم أون"و"أوز"و"ستة اقدام تحت الأرض"و"البيت الأبيض"أو"الجناح الغربي". وعليه، ليس ثمة تدوين أو وصف يومي لوقائع اميركية متوسطة اصابها داء بالمخدرات، يتفوق على مسلسل"واير"الذي يقص حوادث مدينة بالتيمور، وصراع فريق مكافحة المخدرات فيها مع المجرمين والمهربين. وليس ثمة عمل يتقدم على تفحص مسلسل"مادمان"، وشركة إعلاناته، الطبقة المتوسطة في الستينات. وبعد العصر الذهبي لمسلسلات الجاسوسية في الولاياتالمتحدة وبريطانيا مثل"السجين"و"الهارب"و"مهمة مستحيلة"، بدأت حقبة جديدة، منذ عقد، في الولاياتالمتحدة، دشنتها مسلسلات عرضتها شبكة"اتش بي او"، وأعقبتها شبكة"شوتايم"و"إيه ام سي"و"أف اكس"الكبرى. وتسعى المسلسلات التلفزيونية في إنشاء علاقة حميمة بالشخصيات الرئيسية. فتتوسل بدقة الملاحظات النفسية، وبتقصي تفاصيل الأوضاع الاجتماعية، الى رسم عوالمها الداخلية، موسماً بعد موسم، على النحو البارز في ثلاثية أفلام"العراب"لفرنسيس فورد كوبولا، القدوة المتبعة، والمثال المنشود إنتاجاً وإخراجاً. والصنف الخاص بالتلفزيون يعتبر، اليوم، موضوعاً سينمائياً تقريباً. ويشهد على ذلك في مقابلة طويلة مع مجلة"كاييه دو سينما"دايفد تشيز، مبتكر مسلسل"سوبرانو"الذي يتناول المافيا في نيوجرسي، وعرض بين 1999 و2007 ولا يزال يحتفظ بسحره كاملاً. ومنذ مسلسل"توين بيكس"، من إخراج ديفيد لينش في مطلع التسعينات، ارتفعت الحدود بوجه مشاركة نجوم هوليوود في المسلسلات التلفزيونية، فظهر، في اعمال متفرقة، لورنس فيشبورن وغلين كلوز ودنيس هوبر وتوم هانكس ودونالد ساثرلند. وجذب هذا النوع من السرد الطويل بعض أشهر المخرجين، مثل ستيفن سبيلبرغ ووليام فريدكن. فجمع التلفزيون الجمهور على خير ما أنتج. * محررة، عن""الفرنسية، 7 /6/ 2009، إعداد حسام عيتاني نشر في العدد: 16875 ت.م: 17-06-2009 ص: 29 ط: الرياض