لم تمر السنة الأولى من انطلاق"بي بي سي العربية"مرور الكرام. فالقناة التي أطفأت هذا الشهر شمعتها الأولى، تفاوتت الآراء نحوها بين مؤيد ومعترض. فبينما انتقد أداءها أسامة بن لادن في الرسالة الصوتية التي وجهها أخيراً عبر قناة"الجزيرة"، اعتبر كثر انها تميزت في تغطيتها للمواضيع الشائكة، خصوصاً حرب غزة. "الحياة"التقت مدير"بي بي سي العربية"حسام السكري وسألته عن سياسة القناة خلال عام مضى، فأجاب:"انتهجت القناة سياسة جديدة قديمة تستند إلى الاحتفاظ بمسافة مهنية مع الحدث، فنحن ننقل الأخبار، لكننا لا نريد أن نقدمها من خلال منظور سياسي أو وجهة نظر موجهة. خصوصاً ان الصحافي في"بي بي سي"يعلم أنه لا ينبغي أن يطمس رأياً على حساب آخر، ويعلم أهمية طرح الأسئلة الصعبة على كل الضيوف، لأن حق الجمهور عليه هو أن يسلط الضوء على كل زوايا الصورة، ولا يوجد في سياستنا فكرة التهدئة مع حكومة أو استعداء حكومة. علماً ان أجندة الأخبار لدينا تبدأ من اهتمامات الناس، وتحاول أن تساعدهم على فهم الأحداث من مختلف الزوايا. باختصار، يمكن القول ان من عناصر سياستنا الرئيسة إفراد مساحة خاصة للجمهور، بدأنا هذا في موقعنا الالكتروني من خلال زاوية"شارك برأيك"، وطورنا التجربة إذاعياً من خلال برنامج"نقطة حوار"الذي أصبح اليوم طرحاً فريداً في عالم الإعلام". وعن أبرز النقاط السود التي تسجل لهيئة الإذاعة البريطانية، كما يرى بعضهم، أي امتناعها عن نشر إعلانات دعم غزة، قال:"موضوع الإعلانات كان يتعلق بالقنوات المحلية العاملة داخل بريطانيا وليس بالإذاعات والتلفزيونات العالمية، ومن بينها"بي بي سي"العربية". فهل عبارة"هنا لندن"والقبول العربي الذي كانت تحظى به سابقاً شكّلا دافعاً للقناة لنسخ التجربة تلفزيونياً؟ اجاب السكري:"ليس هذا هو الدافع الوحيد، بل ولم يكن دافعنا على الإطلاق! دخلنا عالم القنوات الإخبارية التلفزيونية لأسباب تبدأ كلها من الجمهور وتنتهي إليه، والدافع الأهم هو توسيع خدماتنا وإتاحتها لأكبر جمهور ممكن. خدمات"بي بي سي العربية"بدأت منذ سنوات طويلة، أما التلفزيون فبدأ من خلال تجربة التلفزيون العربي الأولى عام 1994، وبها كنا أول وسيلة إعلامية عالمية تنتبه الى أهمية البث الفضائي في العالم العربي، وبمرور الوقت أصبح البث الفضائي الوسيلة المفضلة عند جمهورنا للحصول على الأخبار والمعلومات، وكل أبحاث السوق التي قمنا بها أكدت أن جماهيرنا في العالم العربي تتوقع منا خدمة تلفزيونية إخبارية. لذا يبدو من المنطقي أن نوسّع خدماتنا الإعلامية عبر البث الفضائي، لأنه لا يتطلب موافقات رسمية من كل دولة نبث اليها، وبالتأكيد سيكون للصدقية التي عرفت بها"إذاعة لندن"دور في وضع تلفزيون"بي بي سي"في المكان الذي يستحقه، ولكن الهدف في النهاية هو تقديم خدمة للجمهور العربي". ورداً على سؤال عن كيفية إحياء قناة ماتت في السابق، قال:"القناة الأولى لم تمت بل استمرت في قناتي"الجزيرة"و"العربية"وسواهما من القنوات التي استفادت من الخبرات التي بنيت وتطورت بداية في"بي بي سي". فهذه المحطة انطلقت كشراكة تجارية مع مجموعة"أوربت"، وعندما وقع خلاف تحريري وقتها انفضت الشراكة، لكن الخبرات انتقلت من"بي بي سي"إلى عدد من المحطات، وكان ل"الجزيرة"و"تلفزيون أبو ظبي"في حينه نصيب الأسد من الخبرات المدربة في لندن. ولا شك في ان العالم العربي في عام 2009 يختلف تماماً عما كانت عليه الحال عام 1994. ففي ذلك الحين قدمنا مساهمة رئيسية وصفها كثر بأنها أهم المحطات الإخبارية العالمية، لأن إغلاقها كان له دور في انطلاق محطات أخرى ونجاحها. واليوم نقدم محطة جديدة لجمهور مختلف، أكثر خبرة ودراية، بحكم التنوع الذي يميز عالم اليوم وبحكم وسائل الإعلام والاتصال التي تطورت منذ ظهرت التجربة الأولى. تلفزيون"بي بي سي"العربي في صورته الجديدة يختلف فيشكل جذري عن الطرح الذي قدمناه في الماضي، فنحن نقدم تغطية إخبارية على مدى 24 ساعة، إضافة إلى مفهوم فريد للتفاعلية مع الجمهور، ولا أعتقد أن هناك محطة تطرحه بالشكل الموجود في"بي بي سي"، فجمهورنا جزء لا يتجزأ من برامجنا على التلفزيون والإذاعة والإنترنت". وعما إذا كان هناك خشية من نظرة بعضهم للقناة على أنها الوجه الآخر لقناة"الحرة"طالما ان التمويل اجنبي، قال:" لا توجد لدينا خشية على الإطلاق، فنحن لسنا ظاهرة حديثة، ولم نأت إلى الوجود برغبة سياسية آنية مرتبطة بحروب أو اضطرابات في الشرق الأوسط. بدأنا البث في النصف الأول من القرن العشرين ونياتنا التلفزيونية سبقت حرب العراق والجدل حول الديموقراطية أو مشاريع تغيير القلوب والعقول. بعبارة أخرى جذورنا في العالم العربي راسخة وقديمة، وسمعتنا صنعتها أجيال من الإعلاميين العرب قدموا على مدى عقود مساهمات أصيلة وليست مترجمة في الإعلام العربي. صحيح نموّل كخدمة عامة، لكننا لسنا محطة تجارية أو حكومية ولا تستطيع الحكومة البريطانية التدخل في خطنا التحريري". وعن سبب غياب الأسماء الشهيرة إعلامياً عن شاشة"بي بي سي"باستثناء حسن معوض، قال:"الموهبة وليس الشهرة هي العامل الأهم في تقديم إعلام جيد". وعما إذا كان ظهور مذيعة محجبة على"بي بي سي"يهدف لإعطاء انطباع بأنها قناة لجميع الفئات، قال:"محطتنا عربية وتخرج من قلب مؤسسة عالمية تعنى بجمهورها بالدرجة الأولى، ووجود مذيعة محجبة بين باقة مذيعينا سيكون له أكثر من تفسير، لكنه في النهاية موضوع أبسط بكثير مما يراه بعضهم. عدد من مذيعي راديو"بي بي سي"اهتم بالدخول إلى عالم التلفزيون، وكان من بينهم نوران التي اجتازت اختبارات التلفزيون بنجاح. وكونها ترتدي غطاء للرأس لا يعني حافزاً لاختيارها، فالدافع الأساسي كفاءتها من دون النظر إلى أي اعتبار آخر". ورداً على سؤال عن كيفية تعامل القناة مع إشكالية المصطلحات في تغطيتها الإخبارية، خصوصاً في قضية الصراع الفلسطيني ? الإسرائيلي، وهل دخلت حرب المصطلحات؟ اجاب: العالم لا تنقصه حرب أخرى حتى ولو كانت حرب مصطلحات. المسألة هي اختلافات مدارس ووجهات نظر احترافية، نحن نستخدم لغة إخبارية لا تهدف إلى استثارة العواطف أو شحن الجماهير وتوجيهها أو تحريكها بأي شكل من الأشكال، وهدفنا أن نستخدم لغة وصفية لا لغة عاطفية تُصدر الأحكام، نحن لا نستخدم تعبيرات مثل:"العملية الغادرة"أو"الحرب الدنيئة"... إلخ. لا نستخدم"لفظ إرهابي"إلا إذا كان في سياق نقل رأي أو تعليق وليس في سياق صياغتنا للخبر أو الموضوع، كذلك لا نقول"العملية الباسلة"أو"المجيدة"... هناك وسائل إعلامية أخرى ترى أن من الضروري استخدام مثل هذه الألفاظ والمصطلحات، اعتقاداً منهم بأن هذا يستميل الجمهور، حتى لو كان هذا صحيحاً فإننا نفضل أن نلتزم بقيمنا التحريرية في ما يتعلق بتغطية الأخبار، لأن في هذا احتراماً أكبر لجمهورنا". نشر في العدد: 16787 ت.م: 21-03-2009 ص: 38 ط: الرياض