يبدأ المشهد بمجموعة من فتيات احدى مدارس طهران يتقافزن وهن يصرخن فرحاً عندما يتم اعلامهن بأن"إيران تحتل المرتبة الأولى عالمياً في جراحة تجميل الأنف". كانت تلك بداية الفيلم الوثائقي"أنف على الطريقة الإيرانية"الذي رصد فيه المخرج مهرداد اسكويي ظاهرة انتشار عمليات تجميل الأنف في إيران في شكل لا تعرفه دولة أخرى. وعبر عشرات المقابلات مع شبان وشابات"أصلحوا انوفهم"، ومع أطباء ومتخصصين، يصل المشاهد إلى أن ما يحدث هو نتيجة تغيير عميق في ثقافة المجتمع الإيراني. "انوف صغيرة متشابهة"، جواب نكتة دارجة تسأل عن القاسم المشترك بين نساء طهران. ومن شارع لآخر تنتشر لافتات العيادات التجميلية في شكل لافت وكلها تعد بأنف جميل بأقل قدر من الألم. وكثيراً ما تقابل هنا كثيرات من الفتيات وهن خارجات للتو من تحت مبضع الجراح. و في احدى العيادات حضرت ناهيد 22 سنة برفقة والدتها لإجراء جراحة لأنفها وذلك بناء على طلب خطيبها الذي أصر على إجراء الجراحة قبل حفل الزواج. وتقول ناهيد:"في السابق لم أفكر بالإقدام على ذلك لكنني ومنذ أن نبهني خطيبي إلى أن أنفي كبير ويفسد جمال عيني الواسعتين تقبلت الفكرة". وتروي فتاة أخرى أتت لكشف دوري بعد إجراء العملية، ان انفها"لم يكن يحتمل، كان قبيحاً، وكان الشبان في الشارع يسمعونني كلاماً قاسياً". ويحذر الدكتور جواد اميري زاد الشباب من الإقدام على عمليات التجميل للأنف قبل سن السابعة عشرة للفتيات والثامنة عشرة للفتيان، ويشير إلى أن عمليات تجميل الأنف تحتل المرتبة الأولى في عيادته، وتصل نسبتها إلى 70 في المئة من العمليات التي تجرى سنوياً مع ملاحظة ازدياد إقبال الرجال على هذا النوع من العمليات. وتجري الشابات المقبلات على الزواج عمليات الأنف، وتشهد عمليات شفط الدهون رواجاً يوماً بعد يوم. ويكشف احصاء رسمي لرابطة الجراحين الإيرانيين ان"50 الف عملية تجميلية للأنف تجرى سنوياً في ايران، نصيب الرجال منها 15 الفاً. اما عمليات تجميل الثدي وشفط الدهون من البطن فهي أيضاً من العمليات الشائعة". ويصاب البعض بهوس تكرار إجراء عمليات تجميل الأنف مرتين وثلاثاً وهو ما يحذر منه جراح التجميل والأستاذ في جامعة طهران الدكتور محسن نراقي الذي يؤكد أن التعامل مع نسيج الأنف في هذه الحالات أمر في غاية الصعوبة،"ويؤدي إلى مضاعفات تنعكس سلباً على العملية التنفسية وهي الوظيفة الأساسية للأنف". أقتلني وأجعلني جميلا "اجعلني أجمل وأقتلني"، مقولة قديمة يرددها الإيرانيون كثيراً، ويبدو أنها تجد صداها اليوم على ارض الواقع، اذ تُبين نتائج دراسة اجراها الدكتور عبد الرضا كردي من جامعة طهران، ان ايران"تشهد يومياً وفاة امرأتين اثناء اجراء عملية تجميلية، علماً أن البلاد تحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث اجراء عمليات تجميل الأنف وفيها 100 عيادة مرخصة لإجراء هذا النوع من العمليات. ووفقاً لسجلات نقابة جراحي التجميل هناك 3000 طبيب يجرون هذه الجراحات على رغم ان 125 طبيباً فقط لديهم الإذن القانوني". ويشكو كثيرون ممن أجروا جراحات تجميل من مضاعفات تتركز غالبيتها على صعوبات التنفس. ويوضح الدكتور كمال فروتن رئيس جمعية جراحي التجميل الإيرانية أن"كثيرين يتعرضون لعمليات خداع خصوصاً ان اطباء غير متخصصين يجرون هذا العمليات". وتتراوح كلفة عملية التجميل للأنف في المتوسط بين ألف وألفي دولار وهي كلفة توصف بالمعقولة مقارنة بالدول الأخرى وهو ما يشجع عدداً غير قليل من مواطني دول الخليج الذين يزورون إيران على اجراء مثل هذه الجراحات في ايران. وتقول احصاءات أن عام 2006 شهد اجراء 35 الف عملية تجميل في العاصمة طهران وحدها، فيما اجريت في بريطانيا في الفترة نفسها ستة الآف عملية."لا يمكن ارجاع ذلك إلى التغريب والسعي للتقليد لأن آلآف الفتيات ممن يرتدين التشادور يجرين هذا النوع من الجراحة"، يقول الدكتور عامري الذي يرى أن تصغير الأنف وتجميله"رغبة إيرانية محضة". واقبال النساء في ايران على جراحات تجميل الوجه بات ظاهرة لافتة. وبحسب الباحثة باران شجاعي المتخصصة في علم الاجتماع، فإن لذلك اسبابه"ومن ابرزها فرض الحجاب، اذ ان الوجه هو مجال المرأة الوحيد لابراز مفاتنها، وهو ما يفسر الإفراط في استخدام مساحيق التجميل، حتى بين الطالبات والفتيات المراهقات". وتلفت الى ان ايران تحتل المرتبة السابعة عالمياً والثالثة في منطقة الشرق الاوسط في مجال استيراد مستحضرات التجميل. وفيما ترد شجاعي ذلك لأسباب حديثة، يشار الى ان الرحالة ويلز الذي زار ايران قبل عشرات السنين، يسجل في مذكراته اهتمام نساء البلاد بجمال وجوههن. وتضيف شجاعي ان"هذه المظاهر في بعض جوانبها اسلوب للاحتجاج على فقدان الفرص التي تمكن المرأة من اثبات ذاتها، وقد تعكس اعراضاً لتحولات عميقة في ثقافة المجتمع". نشر في العدد: 16782 ت.م: 16-03-2009 ص: 25 ط: الرياض