في الجسم مجموعة من الغدد الصماء التي تعمل في ما بينها بصورة مترابطة ومتناغمة، وتتميز بكونها لا تملك قنوات خاصة تصب فيها مفرزاتها، بل تنساب الأخيرة مباشرة الى مجرى الدم، ومنه تصل الى الأنسجة والأعضاء المستهدفة لتمارس وظائفها الفيزيولوجية المنتظرة منها. وتحرص الغدد الصماء على ضمان استمرارية مفرزاتها في التوقيت المناسب وبالكمية المطلوبة من أجل ضبط مختلف نشاطات الجسم وتنظيمها. والغدة الكظرية عضو صغير مثلث الشكل يتربع على قمة الكلية العلوية، وهي تنتمي الى عائلة الغدد الصماء، ولدى كل شخص غدتان كظريتان: واحدة فوق الكلية اليمنى، والأخرى فوق الكلية اليسرى. وتتألف هذه الغدة من قسمين: الأول خارجي يعرف بإسم القشرة، والثاني يطلق عليه اللب. تقوم قشرة الغدة الكظرية بطرح مجموعة من الهرمونات الستيروئيدية التي تعمل على تنظيم كمية الماء والأملاح في الجسم، وتشارك في استقلاب البروتينات والسكريات والدهنيات، وتساهم في تنظيم عمل هرمون الأنسولين الذي يتولى عملية حرق السكر. ويعتبر هرمون الكورتزول من أهم هرمونات القشرة الكظرية نظراً الى تأثيراته الواسعة، ويستعمل هذا الأخير في إصابات مرضية كثيرة. أما هرمون الألدوستيرون فيأتي في الدرجة الثانية من حيث الأهمية بعد الكورتيزول، ويعمل بالتعاون مع هرمونين آخرين هما الرينين والأنجيوتنسين في الحفاظ على حجم الدورة الدموية وعلى مستوى ضغط الدم ضمن الحدود الطبيعية، ويساعد في تأمين التوازن بين الماء والأملاح في الجسم بقنص معدن الصوديوم أو طرد معدن البوتاسيوم. والى جانب الكوتيزول والألدوستيرون تفرزالغدة الكظرية كمية شحيحة من الهورمونات الجنسية التي تتألف في شكل أساسي من هرمونات الذكورة المعروفة بالأندروجينات، وتلعب هذه الهورمونات دوراً في اطلاق عقال الخصائص الجنسية لدى الذكور والإناث خلال الفترة التي تسبق سن البلوغ. أما لب الغدة الكظرية فيفرز هرمونات الكاتيكولامينات الأدرينالين والنورأدرينالين والنورابينيفرين التي تشرف على وظائف عدة في الجسم خصوصاً العضلة القلبية. ويفرز هرمون الأدرينالين في الحالات الطارئة و في أوقات الشدة، ولدى التعرض للخوف الشديد، عندها يسبب الهورمون توسعاً في حدقتي العينين، وتسارعاً في ضربات القلب، وارتفاعاً في ضغط الدم، كما يزيد من قدرة الشخص على بذل المزيد من الجهد. ويصدر عن الغدة الكظرية هرمون الغدة الكظرية الأساسي الذي يملك وظائف عدة من بينها تقوية جهاز المناعة، والحد من الارتكاسات التحسسية ومن بعض الأمراض المرتبطة بالشيخوخة، وأفادت بعض التحريات البحثية ان الهرمون المذكور يسيّل الدم في شكل طبيعي ما يجعله مفيداً في منع الجلطات الدموية وبالتالي منع وقوع الأزمات القلبية الوعائية. وتتعرض الغدة الكظرية الى جملة من الأمراض أهمها أثنان: مرض اديسون ومتلازمة كوشينغ. ويحدث مرض أديسون بسبب نقص انتاج هرمونات الغدة الكظرية، وهذا النقص قد يكون أولياً أو ثانوياً، ويحصل النقص الأولي بسبب التخريب التدريجي الذي تتعرض له قشرة الغدة الكظرية نتيجة خلل يطاول جهاز المناعة الذي يحرض على تكوين أجسام مضادة تهاجم خلايا الجسم، خصوصاً خلايا تلك القشرة فتجعلها عاجزة عن انتاج هرمونات الغدة جزئياً أو كلياً. أيضاً قد يحصل النقص الأولي في انتاج هرمونات الغدة الكظرية لأسباب أخرى، من بينها مرض السل والالتهابات المزمنة والانتشارات السرطانية التي تدهم الغدة، والاستئصال الجراحي. أما النقص الثانوي لإفرازات الغدة الكظرية فهو الأكثر شيوعاً وينتج عن استئصال الغدة النخامية أو استئصال ورم فيها أو عن رشق الغدة بالأشعة باعتبار ان الغدة النخامية تشرف على عمل الغدة الكظرية، ولكن السبب الأكثر شيوعاً لنقص إفرازات الغدة الكظرية يتمثل في تناول علاج الكورتيزون لفترات طويلة أثناء علاج بعض الأمراض المزمنة مثل داء الربو، والتهاب المفاصل الروماتيزمي، ومرض القولون التقرحي. رب سائل قد يسأل: كيف يتظاهر مرض أديسون؟ ان مظاهر مرض أديسون لا تلوح في الأفق فجأة، بل في شكل تدريجي لا يعيرها المصاب الكثير من الاهتمام ويعزوها غالباً الى أمور اخرى. ومن بين العوارض التي يعاني منها المصاب بداء اديسون نذكر: - نقص الوزن وفقدان الشهية على الأكل. - الميل الى المأكولات المالحة. - التعب المزمن التدريجي غير المفسر والذي يتفاقم مع مرور الوقت. - الغثيان والتقيؤ والإسهال. - ضعف العضلات. - الدوخة وفقدان التوازن وهبوط أرقام الضغط الشرياني أثناء الوقوف. - هبوط السكر في الدم. - تبدلات جلدية مثل ظهور البقع السوداء. - اضطرابات عاطفية. ان وقوع المصاب بمرض أديسون تحت وطأة ضغوط حادة قد يعرضه للصدمة التي قد تكون قاتلة اذا لم يتم اسعافه في الوقت المناسب، ويعاني المصاب من نقص الشهية والتقيؤ وآلام في البطن والضعف العام وتشوش الفكر والغيبوبة، وقد ترتفع حرارة الجسم ويهبط ضغط الدم. وتتم السيطرة على صدمة مرض أديسون بحقن المريض وريدياً بالمحاليل السكرية والملحية الى جانب جرعات من الكورتيزون. اما في شأن الخلل الآخر للغدة الكظرية فهو متلازمة كوشينغ التي تحصل نتيجة فرط افرازات الغدة وتحديداً فرط افراز هرمون الكورتيزول لأسباب أولية تقع في الغدة نفسها مثل الورم أو لأسباب ثانوية مصدرها من الغدة النخامية أو منطقة ما تحت السرير البصري الهيبوتالاموس. ان العوارض والعلامات الآتية نراها في متلازمة كوشينغ: - البدانة المركزية، أي التي تتمحور في الجذع من دون الأطراف. - الوجه المدور كالقمر. - الضعف والاعتلال العضلي. - الخطوط الإرجوانية على جلد الظهر والبطن. - ترقق العظام الذي يتظاهر في شكل آلام وكسور انضغاطية في الأضلاع والفقرات. - ارتفاع ضغط الدم. - ملامح الداء السكري. - زيادة نمو الشعر وعلامات الاسترجال وخلل في الدورة الشهرية عند النساء. - اضطرابات نفسية مثل القلق والهياج. وطبعاً هناك اضطرابات أخرى منشؤها الغدة الكظرية غير مرض أديسون وداء كوشينغ، مثل مرض الفيوكروموساتوما الذي يتصف بوجود ورم في لب الغدة الكظرية، يؤدي الى زيادة افراز هرمونات الكاتيكولامينات الأدرينالين والنورادرينالين التي تطلق العنان لجملة من العوارض المزعجة مثل زيادة ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم المقلق للغاية والذي لا يستجيب للعلاج التقليدي، والتعرق، ونقص الوزن، واوجاع في الصدر والبطن، وزيادة السكر في الدم، ونوبات القلق والتشنج. في المختصر، ان الغدة الكظرية هي غدة داخل غدة، والاثنتان تلعبان دوراً مهماً على صعيد استقرار العمليات الفيزيولوجية في الجسم، صحيح ان دور كل منهما مختلف شكلاً ومضموناً لكنهما متكاملان. نشر في العدد: 17009 ت.م: 29-10-2009 ص: 30 ط: الرياض