ارتبطت شجرة اللبان بتاريخ عُمان القديم، خصوصاً المنطقة الجنوبية التي تنتج اللبان العماني من أشجار تنمو وتزدهر فيها وذلك لملاءمة الظروف المناخية والبيئية هناك، ولذا تنتج هذه المنطقة أجود أنواع اللبان في العالم. والبخور واللبان كانا على رأس بضائع العالم الثمينة المطلوبة في العهود القديمة، وكان سعر اللبان يساوي الذهب والبترول في هذه الأيام، ولم يكن يشتريه لغلاء سعره إلا رجال الدين لاستعماله في الشعائر الدينية التي كانت تستنزف الجزء الأكبر منه ويستعمله الملوك والأثرياء وذلك لحرقه في المناسبات الدينية والاجتماعية. ولا يكاد يخلو أي بيت عماني من مكبة قارورة اللبان والبخرة اللتين تستخدمان يومياً للتزيين وإشاعة رائحة زكية تعطر برحيقها أرجاء البيت وفي المناسبات والأعياد الدينية والاجتماعية. وتنسج حول شجرة اللبان الحكايات والأساطير الكثيرة، منها أن الملكة حتشبسوت المصرية حاولت بعد تهيئة الظروف المناسبة أن تزرع شجرة اللبان في مصر ولكن لم تنجح المحاولة. وكانت الملكة تستورد اللبان لاستعماله في الشعائر الدينية من ظفار ومما يدل على ذلك نقوشات ورسومات السفن التي وجدت في المعبد لتجار من الجزيرة العربية وهو ما يدل على أن ظفار كانت لها علاقات تجارية مع الفراعنة. ومن الأساطير أنه توجد حول شجرة اللبان ثعابين صغيرة ذات أجنحة لها ألوان متعددة وزاهية وهي تطير من الشجرة بعيونها المضيئة مرسلة الشرر والنار من أفواهها تجاه كل شخص يمس الشجرة بسوء، وقد يكون ذلك كنوع من التخويف والتحذير لحماية الشجرة. يستخرج اللبان الخام كمادة صمغية من على الأشجار وذلك بعمل شقوق في جذعها فتخرج هذه المادة التي تكون في بادئ الأمر بيضاء اللون تميل إلى الأصفر الخفيف مطاطة القوام، وعند تركها تجف وتصبح شديدة الصلابة ويتغير لونها إلى الأصفر الغامق. ويحتوي اللبان على مواد راتنجية بنسبة 60-70 في المئة ومواد صمغية 27-35 في المئة بالاضافة الى الزيوت الطيارة بنسبة 7.5 في المئة وهي صفراء اللون وذات رائحة بلسمية عطرية. أما الرماد الناتج من حرق اللبان فيحتوي على كربونات وكبريتات البوتاسيوم وكربونات الكالسيوم وأملاح الفسفور. وعند حرقها في مباخر خاصة تتولد عنها رائحة طيبة معطرة للجو والمكان. وتحوي المادة الصمغية في اللبان العالي النقاوة على 60 في المئة من نوع خاص من الزيت النقي الذي يعتبر مصدراً مهماً لصناعة العطور الغالية والأدوية. أما المادة الصمغية البنية اللون فتقل نسبة الزيت بها إلى 45 في المئة ولذا تستعمل فقط في صناعة العطور أو تحرق كبخور. ويعرف اللبان أيضاً بالكندر. واللبان كلمة معربة أصلها البانو، وهي يونانية الأصل أما الكندر فهي كلمة فارسية. وجاء في قانون ابن سينا الكندر: شجرة قد تكون بمدينة الكندر وببلاد الهند وهو حابس للدم وصلح القروح وينفع الذهن ويقويه ويدمل قروح العين. ويقول داوود الأنطاكي:"الكندر هو اللبان الذكر صمغ شجرة تنمو في جبال اليمن والذكر منه المستدير الصلب الضارب إلى الحمرة والأنثى الأبيض الهشة وهو يحبس الدم ويصفي الصوت وينقي البلغم". وأوضح المؤرخ بريستد في كتبه عن تاريخ مصر أن المر والبخور استخدما وبكميات وفيرة منذ السلالة الأولى اربعة آلاف سنة قبل الميلاد وعند الفراعنة الذين تبعوهم. كما وجدت كرات من البخور في مقبرة توت عنخ آمون. وظهر استخدام البخور واللبان في الأغراض الدينية في مخطوطات المصريين القدماء في أيام الأسرتين الخامسة والسادسة. ولشجرة اللبان أهمية كبرى لدى المواطنين في المنطقة الجنوبية حيث يعتبر اللبان مصدراً من مصادر الدخل القومي للبلاد ولذلك تلقى هذه الشجرة الاهتمام والعناية من قبل الحكومة العمانية. وعلى ضوء ذلك الاهتمام الرفيع تم تشييد متحف أرض اللبان بعمان ليعكس عبق التاريخ وصفاء التراث العماني. تم تدشين المتحف بهدف إحياء الأمجاد البحرية العمانية القديمة والحفاظ على التراث الغني للبلاد. وعند إلقاء نظرة على المعروضات النفيسة التي وضعت بعناية وسلطت عليها الأضواء بطريقة جميلة ومبهرة، فإن المتحف يضم معروضات لا تقدر بثمن ومصنوعات يدوية عمانية وصوراً للكائنات البحرية ووثائق تاريخية ونماذج للسفن البحرية. ومن خلال واجهة أنيقة يضم المتحف محلات لبيع التذكارات والمصنوعات الحرفية وكافتيريا وقاعة محاضرات وقاعة أخرى للوثائق. ينقسم المتحف إلى قاعتين رئيسيتين واحدة للتاريخ العام والأخرى للتاريخ البحري. عند دخولك إلى القاعة البحرية تطالعك لافتة مدون عليها"الموقع الجغرافي العماني يلعب دوراً أساسياً في نشوء علاقة حميمة بين الناس والبحر". وبالنظر إلى طول الشواطئ العمانية التي كانت تصل إلى 3165 كيلومتراً فإن موقع عمان الاستراتيجي كان له تأثير بالغ على الحياة العمانية. تشتمل القاعة البحرية على قائمة تفصيلية بكل أنواع السفن المستخدمة في مناطق مختلفة من البلاد. يوجد نموذج لسفينة"البقارة"التي كان يستخدمها الصيادون في ساحل الباطنة لصيد السمك بالشباك، ويقوم بتشغيلها طاقم يتكون من 28 بحاراً. وأيضاً نموذج للسفينة"مجان"وهو نوع من السفن التجارية التي كانت سائدة في منتصف القرن الثالث قبل الميلاد والتي وجدت آثارها في منطقة"رأس الجنيز". وهناك نموذج لزورق جميل الشكل"الهوري"مصنوع من خشب أشجار المانغو الذي تم استيراده من الهند وهو يستخدم على نطاق واسع لتفريغ سفن الصيد الكبيرة والمراكب التجارية. وكذلك نموذج"للزاروقة"وهو قارب صيد يستخدم في منطقة مسندم، وكذلك"الشاشة"وهو قارب تقليدي من صحار و"الكمباري"من صلالة. أما"سلطانة"فهي نموذج لأول سفينة عمانية تبحر الى الولاياتالمتحدة في عام 1833. وفي القاعة كثير من المعدات البحرية مثل الأشرعة والبوصلات وأجهزة قياس أخرى وكذلك الحبال المصنوعة من ألياف جوز الهند وأشجار النخيل وشعر الماعز.. الخ المستخدمة في صناعة السفن. قاعة التاريخ مسلية مثل القاعة البحرية حيث تأخذك أقسامها الستة في جولة لتطوف بك عبر الأيام الخوالي. القسم الأول عن جغرافية عمان وتضاريسها وتوجد به خريطة ضخمة للسلطنة. والثاني يعبر عن تاريخ عمان القديم ويتضمن عدداً من المقتنيات الأثرية في سمهرم ومواقع أخرى وتشمل المباخر البرونزية والنماذج المقلدة من التماثيل في الفترة من 2144-2124 قبل الميلاد، وكذلك العديد من الأواني المنزلية وأدوات الصيد. يوجد اللبان في القسم الثالث حيث تعرض أربع عينات لأربعة أنواع من اللبان وهي الحوجري والشزري والنجدي والشعبي. أما القسم الرابع فيسرد كيف دخل العمانيون في الاسلام والرسالة التي أرسلها النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وفيه أيضاً عدد من المخطوطات القديمة ونسخ من القرآن الكريم مدوَّنة بأنواع مختلفة من الخطوط. يضم القسم الخامس العديد من الآثار التي تعكس المراحل المختلفة للتاريخ العماني، وفيه عدد من الوثائق والرسائل المتبادلة مع البلدان الأخرى. أما السادس فهو يصور مراحل التنمية التي شهدتها عمان منذ فجر النهضة الحديثة.