في المغرب، يمكن وضع الأصبع على حساسية إشكالية حاملي الشهادات العليا من دون شغل بدءاً من التسمية نفسها. بين"عاطلين عن العمل"و"معطلين"عنه تدور رحى المواجهة بالاحتجاج مقابل التجاهل تارة، وبالتظاهر مقابل القمع تارة أخرى. يكمن الخلاف والاختلاف منذ البدء في كيفية النظر إلى وضعية هذه الفئة، ومن ثمة، في تحديد المسؤوليات إزاء تلك الوضعية. تسميهم الحكومة"عاطلون"، وهم يسمون أنفسهم، مدعومين من المجتمع المدني والمتعاطفين،"معطّلون". تبدأ عملية العد العكسي للوضع المستقبلي، منذ لحظة دخول الطالب الجامعة. تطوى السنوات الجامعية نفسها طيّاً، ويلتحق الجامعي بزملائه في"العطالة"، التي برز شبحها في الثمانينات. بيد أن"عطالة"الجامعيين في المغرب، تتميّز بالحركية والتحدي والمغامرة وعدم الاستسلام للأمر الواقع. بعدما تأكد مصير العطالة، الذي ينتظر أكثرية الجامعيين، وأملاً في تقليص فترة العطالة واليأس، بات خريجون كثيرون يلتحقون، مباشرة، بتنظيمات خاصة بحملة الشهادات العليا، من دون شغل والتي أصبح لها وضعها القانوني كجمعيات وأدبيات خاصة تراكمت بالنضال المتواصل من أجل انتزاع الحق في الشغل الملائم. ويقول الخبير في شؤون العمل علي حمود ان"حامل شهادة جامعية عليا من دون شغل، لا يتوجب التعامل مع وضعيته بحياد وبرودة المصطلحات الاقتصادية والاجتماعية المتداولة، لأنه تلقى التعليم الذي وفرته له الدولة، وينتظر أن يلقى الشغل المناسب لمستواه وكفاءته، وهو، إذاً، بحسب منطق الأشياء،"غير عاطل"لأسباب محض ذاتية، بل لأسباب موضوعية تتعلق بسياسات حكومية غير ملائمة في مجال التعليم والتشغيل، يترتب عنها تحمل الدولة المسؤولية، وعدم إهدارها الطاقات التي صرفت عليها من أجل إعدادها لمستقبل يفترض أن تكون فاعلة فيه، لا معوقة له. يوم"عاطل"حامل شهادة عليا لا يشبه في شيء يوم أي"عاطل آخر"، على رغم أن جميع العاطلين عن العمل يتقاسمون هواجس المجهول والإحباط نفسها. أمام الأول احتجاجات شبه يومية يخوضها، ونقاش وتفكير متواصل في أشكال الاحتجاج ودرجات تصعيده، واجتماعات منتظمة في ما بين التنظيمات المتعددة لحاملي الشهادات على المستوى الوطني والمحلي، واتصالات مكثفة بوسائل الإعلام وبمؤسسات الدولة ورجالها... وتعبئة دائمة لاختبار القدرات الذاتية على المواجهة والتحمل، ومتابعة جادة للحياة السياسية وتطوراتها وتأثيرها على قضيته، وسفر إلى العاصمة حيث مركز السلطة، واستعداد نفسي وجسدي واجتماعي لمواجهة"الأسوأ"، كالجوع والمرض والإصابات الخطيرة تحت هراوات رجال الأمن وقوات التدخل السريع التي لا تُميّز بين امرأة ورجل، على ما يظهر من كلام سمير الذي يحمل دكتوراه في الفلسفة. وانتقل حاملو الشهادات العليا الذين لا يجدون مكانهم في السوق الشغل من التباكي على سنوات عمرهم المهدورة في مقاعد الدراسة، والتشكي من مصيرهم المجهول، إلى الاحتجاج على الوضع، ومطالبة الدولة بتغييره بأي وسيلة. يعتمدون الإلحاح في الضغط، بوسائل احتجاج مختلفة، تطورت مع مرور الوقت. وتتزايد أعداد الخرّيجين حاملي الشهادات"العاطلين"عن العمل. واتخذ العديد من مناضلي هذه الفئة من"العاطلين"مقرات نقابات الشغل والشوارع الرئيسية والمحطات العمومية مقراً شبه دائم لهم، بدلاً من بيوت ذويهم، للفت الانتباه إليهم، وإشراك جميع مكونات المجتمع في قضيتهم، وإشهادهم على معاناتهم وأزمتهم أمام المسؤولين عنها. واستعاروا أشكال النضال السياسية للتعبير عن مطالبهم النقابية، من الإضراب عن الطعام والوقفات والمسيرات الاحتجاجية حتى محاصرة المؤسسات العمومية، مثل مقر البرلمان أو مقر الحزب الحاكم أو مقرات الوزارات المعنية بقضيتهم، وصولاً إلى الانتحار حرقاً أو تسمماً أو تحت عجلات القطارات. ومن أجل ذلك، تعتبر حركة، حاملي الشهادات العليا من دون عمل، من أنشط الحركات الاحتجاجية في المغرب، ومن أكثرها إحراجاً للحكومات، وصوتها وأنشطتها ذاعت في الداخل والخارج، لأنها تستند إلى أدلة إثبات تدين الحكومات المتعاقبة على إدارة الشأن العام بالفشل في سياساتها التنموية. وأصبح بمستطاعها أن تضغط بقوة على مكامن الضعف في أجهزة الدولة، ونقاط الخلل في سياستها، وأن تستفزها إلى حمل سلاح العنف والقمع من حين لآخر، وتحملها على تشغيل أعداد منهم، وتنتزع منها وعوداً وضمانات بتشغيل البقية، لا سيما في القطاع العام. ونجحت هذه الحركة في استقطاب تضامن المجتمع المدني، الذي أسس منذ بضعة أشهر هيئة وطنية لدعم نضال ومطالب الأطر العليا"المعطلة"، وتتألف من 25 مكوناً سياسياً وجمعيات حقوقية وهيئات نقابية. وتحمل هذه الهيئة ورقة ضغط تحويل القضية إلى الرأي العام العربي والدولي، علاوة على تنظيم المدونين المغاربة أسبوع حملة تدوينية تضامناً معهم. وباتت وضعية حاملي الشهادات العليا"المعطلين/ العاطلين"مؤشراً مقلقاً، لأزمة البطالة في المغرب، وإن كان هذا المؤشر ذاته يشوّش على الوضع الحقيقي للأزمة في البلد، أقلّه بالنسبة لما تقوله الأرقام على أرض الواقع، وما تكشف عنه معطيات الدراسات. ويبلغ عدد هؤلاء أقل من ثلاثة آلاف كادر، فيما تقدر المندوبية السامية للتخطيط مجموع العاطلين عن العمل في المغرب بمليون و100 ألف عاطل طبقاً لإحصاءات الربع الأول من العام الجاري. وإذا كانت هذه الحركة الاحتجاجية هي الأعلى صوتاً، فإن ذلك لا يعني أنها الأكبر عدداً مقارنة ببطالة الكادرات في العالم العربي، بمقدار ما يعني تطور الحركات الاحتجاجية في المغرب وتوسع هامش الحريات والتعبير عن الرأي. الشرطة المغربية تعتقل متظاهرين يطالبون بفرص عمل رويترز