يستحق المغربي جواد غريب تسمية عداء "المناسبات الكبرى" والأوقات الحرجة بالنظر إلى الإنجازات التي يحققها سواء في بطولات العالم أو الدورات الأولمبية آخرها تتويجه بفضّية سباق الماراثون في دورة الألعاب الأولمبية. أكد غريب الولود في 22 آيار مايو 1972 في خنيفرة وسط، في أكثر من مرة تحديه الصعاب وتناسيه مشاكله مع المسؤولين في الاتحاد المغربي لألعاب القوى وتحمله آلام الإصابات المتعددة التي تعرض لها والتي غيبته عن بطولات وماراثونات عدة وكان لها تأثير كبير في نتائجه. في بطولة العالم عام 2003 في باريس، لم يكن أحد يتوقع دخول هذا العداء الذي بدأ ممارسة سباق الماراثون وعمره 22 عاماً، في المركز الأول بيد أنه فاجأ الجميع حتى المسؤولين في اتحاد بلاده، ودخل سجلات بطولة العالم من بابه الواسع مسجلاً رقماً قياسياً لبطولة العالم مسجلاً 2.08.31 ساعة، علماً بأنه كان ثاني سباق ماراتون يخوضه في مسيرته. الأكثر من ذلك أن غريب أكد أحقيته باللقب العالمي عندما احتفظ بلقبه بعد عامين في هلسنكي وكان حل قبلها بأشهر قليلة ثانياً في ماراتون لندن الشهير، ماحياً بالتالي خيبة أمله في دورة الألعاب الأولمبية في أثينا عام 2004، عندما دخل في المركز ال11. ودخل غريب أسطورة سباق الماراثون، إذ أصبح ثان عداء في التاريخ يحتفظ بلقبه العالمي بعد أن سبقه إلى هذا الإنجاز الإسباني ابل انطون في أثينا عام 1997 وفي اشبيلة عام 1999، علماً بأن عداءين اثنين فقط نجحا في الفوز بسباق الماراثون في دورتين أولمبيتين متتاليتين هما الأثيوبي الشهير ابيبي بيكيلا عامي 1960 و1964 والألماني الشرقي فالديمار سيربينسكي عامي 1976 و1980. عندما توج غريب بذهبيتي بطولة العالم عامي 2003 و2005، أعاد إلى الأذهان إنجاز مواطنه عبدالسلام الراضي الذي دوّن اسم المغرب في السجلات الأولمبية بإحرازه فضّية الماراثون في دورة روما 1960، وها هو اليوم يعيد إحياء هذه الذكرى بعد 48 عاماً بتكراره إنجاز الراضي، الذي توفي قبل عامين، بتتويجه بفضّية سباق ماراثون بكين مسجلاً 2.07.016 ساعة، وينقذ ماء وجه ألعاب القوى المغربية التي تألقت على مر الدورات السابقة آخرها أثينا 2004 بتتويجها بذهبيتي العداء الفذ هشام الكروج في سباقي 1500 م و5 الاف م. وكانت الذهبية من نصيب الكيني صامويل وانجيرو الذي منح بلاده أول لقب في هذا السباق في تاريخ مشاركاتها، والبرونزية من نصيب الأثيوبي تسيغاي كيبيدي. وهي الميدالية الثانية للمغرب في بكين بعد برونزية حسناء بنحسي في سباق 800 م. ولم ينس غريب مواطنه الراضي، وكانت أولى الكلمات في تصريحاته عقب السباق، وقال:"أهدي هذه الميدالية إلى روح الراضي الذي كان أول من منح المغرب ميدالية في تاريخ الألعاب الأولمبية وسباق الماراثون بالخصوص". عانى غريب من إصابات متعددة بعد بطولة العالم في هلسنكي واضطر إلى التوقف عن التدريبات مراراً بسبب إصابته في ماراتون لندن 2007، إذ حل رابعاً، فكانت سبباً في عدم دفاعه عن لقبيه في اوساكا العام الماضي، ويقول غريب في هذا الصدد"كنت أتمنى الدفاع عن لقبي في اوساكا بيد أن الإصابة في وتر اخيل حرمتني من ذلك، لم أرغب في المجازفة بالمشاركة، لأن هدفي كان دورة الألعاب الأولمبية". وأضاف"تأثرت كثيراً بهذه الإصابة ولم أشف منها بسرعة على رغم العلاجات التي خضعت لها في ألمانيا، عاودت تدريباتي أواخر العام الماضي ولم تبرحني آلالام لكن عزيمتي وتصميمي على الظهور بوجه مشرف في بكين كان لهما دور كبير في وجودي هنا ومشاركتي في السباق". وتابع"سباقات الماراثون تختلف كلياً عن بقية السباقات، فالعداء لا يمكنه أن يخوض أكثر من سباقين في العام الواحد وبالتالي فإن الاستعدادات تتطلب لياقة بدنية عالية وصحة جيدة، لا يجب الاستهانة بأية إصابة لأنها تؤثر كثيراً خلال السباق الذي يشهد تغييرات كثيرة في ايقاعه وبالتالي يجب أن تكون في قمة جاهزيتك". وأكد غريب أنه لم يكن يتوقع الفوز بأية ميدالية هنا في بكين"بالنظر إلى حالتي الصحية والظروف الصعبة التي تدربت فيها، لكن ضعف غلة المغرب في الأولمبياد الحالي زادني حماساً في الصعود إلى منصة التتويج". وأضاف"دخلت السباق بخطة محكمة، كنت اراقب بقية العدائين عن قرب ولم أترك المجال لهم بالابتعاد عني، كانت هناك محاولات من الكينيين للتخلص مني بيد أنني لاحقتهم حتى الكيلومترات الأخيرة، إذ تفوق انجيرو بفضل سرعته النهائية". وظل السباق رتيباً حتى بلوغه الكيلومتر ال20 عندما انفرد خمسة عدائين بالصدارة بقيادة وانجيرو ومواطنه مارتن ليل صاحب أفضل توقيت هذا العام وغريب والأثيوبي ديريبا ويرغا والأريتري يوناس كيفل، في حين لم يتمكن الإيطالي المخضرم ستيفانو بالديني 37 عاماً حامل ذهبية أولمبياد أثينا عام 2004 من اللحاق بهم، على الأرجح بسبب الحر الشديد واكتفى بالمركز ال12. وعند الكيلومتر 30 انحصرت المنافسة بين ثلاثة هم وانجيرو وغريب ودخول الأثيوبي تسيغاي كيبيدي على الخط، في حين تراجع ليل وكيفل بعض الشيء. ونجح وانجيرو في الابتعاد شيئاً فشيئاً عن غريب عند الكلم الربعين ليدخل بعدها استاد"عش الطائر"بفارق نحو 18 ثانية محتفلاً بالفوز قبل اجتيازه خط الوصول.