ما يستوجب الإشارة في البداية هو دعوة الشركة المنتجة "غود نيوز" الفنان عمر الشريف كي يشارك النجم عادل إمام بطولة فيلم"حسن مرقص", إذ إن حضور الشريف أضفى من دون شك - نبلاً على العمل بفضل أدائه الرصين وصوته الهامس والذي لا يعبر إلا عن إحساس مرهف بالشخصية وفهم متعمق للقضية. وبالقدر ذاته قدم عادل إمام, سفير النيات الحسنة، درساً عن الذوبان في روح الفريق ما يعد من شيم الكبار فناً ووعياً. وأول ما يلفت النظر في هذا الفيلم هو الكوميديا الراقية التي عالج بها الكاتب يوسف معاطي قضية غاية في الجدية تخص وحدة ومصير الأمة في مصر وتهدد بانشقاقها، وذلك من دون أن ينحدر إلى الهزل لمغازلة شباك التذاكر فترة الإجازة الصيفية. يقدر للكاتب أنه قدم عن وعي ودراسة معالجة لفيلم يستهدف أبناء الشعب واكبها المخرج بأسلوب أقرب للبساطة من دون حذلقة, وهنا تكمن قيمة الفيلم الذي يمثل نقطة تحول لتوجهات الأفلام في مصر, ما يمثل عودة للاستعانة بالسينما كمدرسة للشعب. يحصي المركز الديموغرافي 17 مليون أمي في مصر من واقع تعداد تجاوز ال 78 مليون نسمة، وهم يمثلون فئة من الشعب يسهل استقطابها والتأثير فيها من قبل المزايدين زارعي الفتنة من الذين تتسم توجهاتهم بالحدة واستجاباتهم بالاندفاع والهوجائية ليضع الطوق في رقبة الجهل وهو الأمر الذي يطرحه الفيلم تدريجاً إلى مشهد النهاية حيث تشتعل نيران الفتنة. عني الفيلم بتسليط الضوء على أولئك البسطاء وما يشغل تفكيرهم من مسائل ليست في جوهر العقيدة وهو الحال الذي فجر الكوميديا من المفارقة بين ضحالة اهتماماتهم من ناحية وبين ما ينشغل به العالم من ظاهرة الاحتباس الحراري وأزمة الغذاء العالمي وغيرها. يلتقي الشيخ حسن العطار عادل إمام بالمصلين في الجامع فتتقاطر أسئلتهم عن استعمال المسواك وحلاقة اللحية وطول الجلباب وتأديب الزوجات, كما تتدفق نساء البلدة لأخذ بركة الشيخ طلباً لفك العقد وحل أزمة الزوج المربوط, وكشف الغمة عن عروس تبدو في عين زوجها قرداً. يمتد الحال إلى الساسة حين يقصد الشيخ أحد المرشحين لمجلس الشعب البرلمان طلباً لحجاب يضمن له الفوز فيطمئنه الشيخ إلى أن"عضوية الحزب الوطني خير حجاب"فتتعالى الضحكات في الصالة. المزايدون وتوابعهم في المشهد الافتتاحي يوقظ المخرج جمهوره بإحداث صدمة من جراء تعرية أبناء كل طائفة دينية تجاه أبناء الأخرى, إذ يقفون متكاتفي الأيادي ليهتفوا في مواجهة وكالات الأنباء بتحالف الهلال مع الصليب. لكنهم وهم في طريقهم لحضور مؤتمر للوحدة الوطنية يتهامسون بانتقاص حقوقهم في مقابل ما يتحصل عليه أبناء الطائفة الأخرى. يشكو المسيحيون من ضعف تمثيلهم في الوزارة, ويحسب المسلمون على المسيحيين سيطرتهم على الشركات والمؤسسات المالية ويتطرق الأمر إلى إحصاء عدد الإجازات التي يحصل عليها المسيحيون. وتتصاعد الكوميديا حين يلجأ"الأب بولس"إلى مدينة في الصعيد بناء على نصيحة أحد رجال الأمن حماية له ولأسرته من الجماعات المسيحية المتطرفة، وزيادة في التخفي يمنح رقماً قومياً باسم الشيخ حسن العطار"وهناك تسبقه سمعته كسليل لقطب من العارفين بالله فيتدفق إليه الأهالي طلباً للبركة وفي لقطة باسمه يقف الابن عماد جرجس سابقاً على قمة الدرج لتنظيم دخول طالبي البركة والمحتشدين في الساحة وهو الحال الذي يقلق رجال الأمن فتتفجر الكوميديا حين يقبض على الأب بولس بتهمة انضمامه لتنظيم"القاعدة"وتخرج البلدة عن بكرة أبيها في أعقاب سيارة الشرطة مطالبة بعودة الشيخ بولس سابقاً. بعد ما أصاب الشيخ حسن في مجتمع من المسلمين يلجأ إلى صديقه وليم والذي يستضيفه في عمارته تلك التي لا يسكنها غير المسيحيين وفي العمارة ذاتها يقيم مرقص الحاج محمود سابقاً والهارب هو أيضاً من ملاحقة إحدى الجماعات الإسلامية في مواجهة حسن، فتتآلف الأسرتان وكل منهما يظن أن الآخر يدين بدينه فيُولد سوء الفهم المزيد من الكوميديا. خلال العرض لا يغفل الكاتب عن ثغرة في البناء إلا ويشغلها بالكوميديا ولا يحقق ذروة في الكوميديا حتى يلحق بها ذرى عدة, الحال الذي يفجر الضحكات على أنفسنا، وتنتهز أسرة وليم الفرصة للترويج لابنتها جانيت والتي ليس لها حظ من الوسامة لعلها تلفت نظر جرجس ووالديه, ويبدي جورج الضائع امتعاضاً من تفضيل وليم لأحد المسلمين فيمنحه شقة في عمارته. وحين يقصده كل من حسن ومرقص لبيع بعض المشغولات الذهبية يتحيز في تقدير السعر لمن يدين بدينه. وحين يشترك كل من حسن ومرقص في مشروع مخبز يعيب الأخير شراكته لأحد المسلمين من دونه وتمتد مظاهر التحزب الديني إلى داخل الجامعة حيث لا يشغل المناخ العلمي الطلاب من الطائفتين لتعم المحبة ويسود التسامح. وتصل الكوميديا إلى إحدى ذراها حين تبعث كل طائفة بطاقمهما لمباركة من يدين بدينها فيقيمون قداساً في شقة مرقص ويرتلون التراتيل ويدقون الصاجات ويطلقون البخور، وفي الوقت ذاته تقرأ الجماعة الإسلامية القرآن في شقة حسن لتحل البركة وتحمي أهل البيت من أعداء الإسلام فتمتزج التراتيل بالتلاوة محدثةً ضجيجاً لا مكان فيه للبركة أو القدسية. تتابع ذرى الكوميديا إلى أن يشتاق كل من مرقص أفندي والشيخ حسن ليصلي في دار عبادته وتضطرهما ظروف الى التخفي حتى يؤدي كل منهما صلاته في غير دار العبادة التي ينتمي إليها. فيصلي القبطي في المسجد ويؤدي المسلم صلاته في الكنيسة، ليقول الشيخ حسن تعليقاً على الموقف إن الدين في القلب. بعد هذا تشتعل الفتنة عن أسباب واهية فيشتبك أفراد الطائفتين وتتوالى التفجيرات وتتحطم واجهات المحال, وترتفع ألسنة اللهب ولا تجد أسرة كل من حسن ومرقص إلا التكاتف وتشابك الأيادي ليعلوا فوق الفتنة. فيلم"حسن ومرقص"لرامي إمام فيلم غني بالمواقف الكوميدية حيث نضحك على أنفسنا وفيه تم تركيب الكوميديا في بناء متصاعد حافل بالعديد من الذرى ما يحقق متعة حقيقية للمتفرج من جراء تعرية كل طائفة دينية في مواجهة الطائفة الأخرى والقول انهما معاً، في تصرفاتهما ضد الدين الحقيقي. ولقد أبدع الفنانون في أداء أدوارهم من دون افتعال في فيلم يحمل دعوة صادقة للسماحة والمحبة ما يرشحه للعرض في دور العبادة ودور العلم والساحات الشعبية.