معرض سيتي سكيب يشهد إطلاق مشاريع للمنطقة الشرقية ب8 مليار ريال    وزير الطاقة يرأس وفد المملكة في مؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP29)    المملكة تجدد دعوتها لدول العالم الانضمام للتحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    تعيين أيمن المديفر رئيسًا تنفيذيًا مكلفًا لشركة نيوم    المملكة الأولى عربيا في مؤشر الأداء الإحصائي 2023    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    المملكة تواصل توزيع السلال الغذائية في شمال قطاع غزة    وزير الخارجية يصل الهند في زيارة رسمية    مجلس الوزراء: تطبيق لائحة الاتصالات الرسمية والمحافظة على الوثائق ومعلوماتها استرشادياً لمدة سنة    جمعية «عطاءات وارفة» لذوي الإعاقة البصرية وجمعية الأطفال ذوي الإعاقة يوقعان اتفاقية تطويرية    حرس الحدود في عسير ينقذ مواطنًا من الغرق أثناء ممارسة السباحة    نائب أمير مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    الاخضر يرفع وتيرة الاعداد للقاء استراليا    إسرائيل تهدد 14 بلدة جنوب لبنان وفرنسا تستدعي سفير تل أبيب    محافظ الطائف يستقبل مدير الموارد البشرية في منطقة مكة    ربع مليون طالب وطالبة في تعليم الطائف يحتفون باليوم الدولي للتسامح    الدراسة المتقدمة للشارة الخشبية تواصل فعالياتها بمحافظة الأحساء    ترمب يتجه لاختيار «روبيو» وزيراً للخارجية    فريق التمريض بمستشفى د. سليمان فقيه يحصل على اعتماد (ماغنت) الأمريكي    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    وزير الداخلية يرعى غداً الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.. وتخريج 259 طالباً وطالبة    أمير الجوف يرأس اجتماع اللجنة العليا لدعم ومساندة تنفيذ المشروعات بالمنطقة للربع الثالث 2024    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    استقرار أسعار النفط في التعاملات المبكرة    سماء غائمة يتخللها سحب ممطرة على جازان وعسير والباحة ومكة    استشارية: "السكري في العائله" يزيد خطر إصابة الأطفال    هدف "العمار" يفوز بجائزة الهدف الأجمل في الجولة العاشرة بدوري روشن    الرباعي والمالكي يحتفلان بزواج آلاء ومحمد    1.1 مليار ريال إجمالي دخل تطبيقات نقل الركاب    الأولمبياد الخاص السعودي يشارك في الاجتماع السنوي للبرامج الصحية الإقليمية في الرباط    نيمار: المملكة تملك المقومات لإنجاح تنظيم كأس العالم    ولي عهد الكويت يدعو لتكاتف المجتمع الدولي لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية    رونالدو لا يستطيع تحقيق البطولات لوحده    تحديد موعد اجتماع مشروع توثيق تاريخ كرة القدم    المملكة تستضيف المؤتمر الإقليمي لشبكة الروابط العائلية للشرق الأدنى والأوسط    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    احذر.. بعد العاشرة ليلاً تحدث الجلطات    5 أمور تخلّصك من الزكام    الموسيقى الهادئة تجنبك استيقاظ منتصف الليل    تحت رعاية سمو ولي العهد.. وزير الحرس الوطني يفتتح القمة العالمية.. السعودية تقود مستقبل التقنية الحيوية في العالم    الداخلية تعزز منظومة الأمن بمركبات كهربائية    جوائز التميز.. عوامل الهدم ومقومات البناء!    علو الكعب    صالة سينما تتحول إلى «حلبة مصارعة للسيدات»    وزارة الداخلية تطلق ختماً خاصاً ب «سيتي سكيب»    التنمر.. بين مطرقة الألم وسندان المواجهة    سمو ولي العهد والرئيس الإيراني يستعرضان تطور العلاقات    لاعتدائه على حكم.. حبس رئيس ناد تركي لمدة 3 أعوام    المظهر والكاريزما!    رئيس الحكومة المغربية يشدد على ضرورة الوقف الدائم لإطلاق النار    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    البرهان: السودان قادر على الخروج إلى بر الأمان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف        منسج كسوة الكعبة المشرفة ضمن جناح وجهة "مسار" بمعرض سيتي سكيب العالمي المملكة العربية السعودية    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تركيا والعرب .. من العثمانية إلى العلمانية
نشر في الحياة يوم 15 - 07 - 2008

دولة ذات طابع خاص فهي دولة عضو في الحلف الأطلسي كما أنها تلهث وراء عضوية الاتحاد الأوروبي، وتاريخها "البيزنطي" بحر متوسطي وتاريخها "الإسلامي" شرق أوسطي. إنها تركيا تلك الدولة التي لم نُحسن نحن العرب استخدام دورها وتوظيف وضعها من أجل دعم موقفنا في الصراع العربي - الإسرائيلي أو في القضية العراقية أو حتى المسألة الإيرانية، وظلت تركيا في الذهن العربي حبيسة الصورة التقليدية للسلاطين والقصور والغزوات والفتوحات وترسبت حساسيات تاريخية وضعت حاجزاً بين بعض العرب والدولة التركية الحديثة. ولقد كتبت شخصياً منذ فترة دراسة تحت عنوان "هل نحن في حاجة إلى أتاتورك عربي؟!" وكنت أعني بذلك السعي نحو فك الاشتباك بين الدين والسياسة في العالمين العربي والإسلامي، وأنا ممّن يظنون أن ميلاد تركيا الحديثة بعد سقوط الخلافة العثمانية على يد الغازي مصطفى كمال أب الأتراك القادم من إقليم سالونيك والذي تحيط بأصوله العائلية وبدوره السياسي بعض علامات الاستفهام، حقق لتلك الدولة انجازاً انتزعها من قلب الامبراطورية الإسلامية إلى الإمساك بتلابيب الثوب الأوروبي. وعندما استبدل الأبجدية اللاتينية بالعربية ورفع الطربوش من فوق الرؤوس التركية وجعل القبعة الأوروبية بديلاً لغطاء الرأس "العثمانلي" فإن مصطفى كمال لم يكن يغير فقط شخصية تركيا الدولة ولكنه كان يعبث في الوقت ذاته بآخر خلافة إسلامية عرفها المسلمون في غرب آسيا وشمال أفريقيا والبلقان وغيرها من أصقاع الدولة الإسلامية الكبرى. ولعلي هنا أوجز رؤيتي للمشروع التركي الحديث وعلاقته بالعرب من خلال الملاحظات التالية:
1- فوجئنا أخيراً بعدد من الكتابات الغربية في أوروبا وغيرها تتباكى على السلطنة العثمانية والخلافة الإسلامية، ووجهة نظر أصحابها أن تلك الدولة العثمانية - برغم كل ما عليها وآلام "رجل أوروبا المريض" في آخر قرن له - كانت بمثابة مظلة للإسلام والمسلمين بينما أدى سقوطها إلى ظهور النزعات القومية والنعرات العرقية بل وميلاد الظاهرة الإرهابية ذاتها، ويضيفون إلى ذلك أن وجود الخلافة الإسلامية العثمانية حتى في سنوات ضعفها كان بمثابة وجود كبير العائلة الإسلامية الذي يمكن الرجوع إليه وتأديب الدول بل والشعوب من خلاله، وهذا منطق غريب، فالغرب الذي صفق لسقوط الخلافة ورحب بتركيا العلمانية هو الذي يبدي أسفه الآن لأن تلك الخلافة كانت غطاءً يخفي تحته مآسي العالم الإسلامي ومشكلاته وصراعاته، كما أنها كانت مظلة تحجب عن الغرب التوجهات المتطرفة والسياسات المتشددة والمعادية للأفكار الغربية والحضارة الأوروبية.
2- يرى كثير من المؤرخين وعلماء السياسة أنه ليس من قبيل المصادفة أن تظهر نداءات قوية في العالم الإسلامي مطالبة بإحياء الخلافة فور سقوطها بدءاً من اجتهادات الشريف حسين الذي كان يريد أن يكون "ملك العرب" مروراً بالعرش العلوي في مصر خصوصاً في عهد الملك فؤاد الأول وصولاً إلى انجازات الملك الموحد عبدالعزيز بن سعود. كما عقدت المؤتمرات المتباكية على الخلافة والداعية إلى عودتها في أرجاء العالم الإسلامي وخارجه بدءاً من الهند وصولاً إلى القاهرة مروراً بالعاصمة البريطانية. كما أنه لم يكن من قبيل المصادفة أبداً أن يُعلن الإمام الشهيد حسن البنا ميلاد جماعة "الإخوان المسلمين" من مدينة الإسماعيلية - التي كان يتواجد فيها عدد لا بأس به من الأجانب عام 1928 - بعد سنوات قليلة من سقوط الخلافة وتأسيس أتاتورك للجمهورية الحديثة وعاصمتها أنقرة وسط الجبال الحصينة لكي يقول للعالم كله إن الإرث العثماني انتهى، حتى عاصمته تغيرت. ولا شك أن قيام جماعة "الإخوان المسلمين" في ذلك التوقيت كان تعويضاً شعبياً ونفسياً عن انهيار دولة الخلافة وسقوط المظلة التي عاش تحتها المسلمون لقرون عدة.
3- إن العلمانية التركية والتي نص عليها الدستور ويحميها الجيش التركي بكل تشدد ويقظة هي الأخرى ظاهرة تستحق التأمل خصوصاً أنها تحاول تقديم نموذج جديد للدولة العصرية التي لا تتنكر لإسلامها ولكنها ترفض تدخله في المسار اليومي لحياتها. ولقد عدتُ من زيارة أخيرة إلى اسطنبول حيث ألقيت محاضرة تدور حول أفكار هذا المقال - وذلك في المركز الثقافي المصري - ولقد راعني وجود حقيقة لا تخلو من غرابة وهي أن الدولة علمانية ولكن الشعب ما زال يعيش روح الدولة الإسلامية وما يرتبط بها وما ينطلق عنها.
4- إن غلاة خصوم الدولة العثمانية لا يستطيعون المكابرة بالقول إن تاريخ تلك الدولة كان فقط متمثلاً في سلبيات ذلك العصر وجرائمه، بينما الحقيقة غير ذلك، فإذا كنا نعيب على الأتراك مثلاً أنهم لا يعترفون بالقادم الجديد إلا إذا تأكدوا أن لهم مصلحة مباشرة فيه، إلا أن ذلك لا يعني أنهم ينفردون بهذه الصفة، فالمصلحة وحدها هي الفيصل في تحديد مستقبل الشعوب. ولقد رأى الأتراك - وربما كان معهم بعض الحق - أن الدولة التركية الحديثة إذا جاءت في مؤخرة أوروبا فذلك أفضل لهم من أن يكونوا في مقدمة الشرق الأوسط! وتلك قضية نسبية لا يحكم عليها إلا الأتراك أنفسهم وهم الذين يعانون حالياً من صراع مكتوم بين بقايا الإرث العثماني وتركة "الرجل المريض" في جانب، وبين الدولة الحديثة ومبادئ العلمانية في جانب آخر.
5- دعنا نعترف بشجاعة أننا لم نتعامل مع الأتراك في العقود الأخيرة على النحو المطلوب، فتارة هم حلفاء إسرائيل استراتيجياً وشركاء في التصنيع العسكري معها، وتارة أخرى هم رأس جسر الأطلسي والسياسة الأميركية وأحلافها في المنطقة، حتى أن الرئيس الراحل عبدالناصر طرد السفير التركي من دار الأوبرا المصرية أثناء حفل رسمي لأنه انتقد قانون "الإصلاح الزراعي" في السنوات الأولى لثورة تموز يوليو 1952 بينما كان يجب تناول الجوار التركي بشكل مختلف تماماً بحيث يمكن توظيف دور تركيا في تسوية الصراعات العربية - الأجنبية وفي مقدمها الصراع التاريخي مع إسرائيل، خصوصاً أن تركيا دولة ذات بأس تتصرف دائماً بقدر من الاستقلالية ورشد القرار. ولعلنا لا نزال نتذكر عندما غزت الولايات المتحدة الأميركية العراق واتخذت تركيا موقفا ذكياً تحصد به من كل الأطراف ولا تخسر واحداً منها، وإذا كنا فطنا أخيراً إلى أهمية دور تركيا والتفكير في إعطائه صفة مراقب ومعها إيران أيضاً في الجامعة العربية، فإن ذلك وإن كان تفكيراً حكيماً إلا أنه جاء متأخراً وهنا لا ينبغي أن ننسى أن رفض تركيا قيام "دولة كردية" يسهم تلقائياً في وحدة العراق ولو في ظل "فيديرالية" مقبولة.
6- لعلنا لا نزال نتذكر ما حدث عام 1998 عندما احتشدت فرق الجيش التركي على الحدود السورية في محاولة للاعتداء عليها وتصفية حسابات تاريخية معها كان آخرها اتهام دمشق بدعم متمردي "حزب العمال الكردستاني" بقيادة عبدالله أوجلان، في ذلك الوقت تدخل الرئيس المصري حسني مبارك بين الرئيس التركي سليمان ديميريل وحكومة بلاده في جانب وبين الرئيس الراحل حافظ الأسد - رفيق السلاح - في جانب آخر، حتى تراجع الأتراك عن التفكير في مغامرة غير محسوبة كان يمكن أن تؤدي إلى صراع عربي - تركي مواز للصراع العربي - الإسرائيلي، خصوصاً إذا تم ذلك في ظل العلاقات الاستراتيجية المتنامية بين تركيا وإسرائيل.
7- إن الحوار غير المباشر الذي بدأ أخيراً بين سورية وإسرائيل من خلال وساطة تركية هو في ظني استدراك رشيد لإمكانية توظيف الديبلوماسية التركية لخدمة أهداف الأطراف كافة في معادلة الشرق الأوسط الصعبة والمعقدة، ومهما كان مصير هذه المفاوضات غير المباشرة والتي قد تتحول يوماً ما إلى مفاوضات مباشرة، إلا أنها تأكيد على ايجابية الدور التركي خصوصاً أن العلاقات بين دمشق وأنقرة قطعت شوطاً بعيداً على طريق التحسن والتقدم والازدهار، وهو أمر يحسب لصالح الأمة العربية عندما تكون دول التخوم المجاورة ذات ارتباط طيب بالشعوب العربية ونظمها السياسية، ولقد بح صوتنا ونحن نطالب بمزيد من الانفتاح على الدولة التركية، بل وإيران أيضاً، خصوصاً أن ذلك سيفتح أمام الدول العربية طريقاً جديداً قد يكون من صالحها ولو بعد حين.
هذه ملاحظات سبع استقيناها من الخواطر التي عبرت في ذهننا ونحن في مدينة اسطنبول نشعر بالتقدم الصناعي ورقي المدينة التي ظللنا نستنشق من رحيقها عطر السنين الخوالي. ألم أقل لكم من البداية أننا يجب أن نتعامل مع الجانب التركي باعتزاز وتقارب بدلاً من الشك والتنافر؟ وتلك حقيقة يجب أن نتحلى بها لأن فيها تعظيماً لعلاقات قوية وقديمة بين الدول العربية والإسلامية في جانب وتركيا وريثة الخلافة المفقودة في جانب آخر، كما أن التعددية في آفاق السياسة الخارجية التركية تبدو هي الأخرى ميزة نسبية يمكن أن نستفيد بها في مستقبل العلاقات مع أنقرة خصوصاً أن قطاعات كبيرة من الشعب التركي لا تزال على ولائها لدينها الحنيف وتراثه الضخم وتنظر إلى ماضيها بكثير من الاعتزاز، كما أن صيغة الحكم قد تكون هي الأخرى صيغة توفيقية بين العثمانية والعلمانية. ولكن يبقى السؤال المطروح هو: أين نحن العرب من كل هذا؟
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.