كم كان مفرحاً مشهد وسط بيروت أمس بعد رفع الاعتصام، والداخل الى مبنى صحيفة "الحياة" في شارع المعرض أو الخارج منه، يحس كيف أن وسط المدينة نهض فجأة من غيبوبة تسبب بها المعتصمون بخيمهم المعطّلة التي شلّت الحركة الاقتصادية في الوسط التجاري. انتعش وسط العاصمة اللبنانية مع عودة الحركة إليه وإعادة فتح المطاعم والمقاهي والمحلات، وأصوات الأولاد يلعبون في ساحاته، وصوت هيفاء وهبي تحييه ليلاً مرتدية فستاناً عليه صورة الرئيس الجديد ميشال سليمان والعلم اللبناني... هذا المشهد يبعث الأمل بأن صيف لبنان سيكون واعداً، خصوصاً مع انتعاش فنادق لبنان بعودة الزوار العرب. وينتظر أن تعلن غداً رئيسة مهرجانات بيت الدين الدولية نورا جنبلاط برنامج عروض الصيف بعدما كان الأمر غير مؤكد بسبب الأحداث، والمهرجان مقصد السياح العرب والأجانب بسبب عروضه الدولية. هذا كله يؤكد الامتنان الكبير لدولة قطر وأميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس حكومته حمد بن جاسم ونائبه عبدالله بن حمد العطية، لمساهمتهم في شكل كبير وأحياناً وراء الكواليس، في التوفيق بين الفرقاء اللبنانيين الذين اجتمعوا في الدوحة. والآن وبعد أن انتخب الرئيس ميشال سليمان الذي ألقى خطاب قسم متوازناً وواعداً ومطمئناً للبنانيين، فالمرجو من الفرقاء السياسيين في لبنان أن يتركوا بلدهم يعيش ويمتنعوا عن الشعارات الفضفاضة والخطابات الحماسية التي ملّها شعب يحتاج الى التعافي من محنته. صحيح أن الجرح بعد الهجوم المسلح ل"حزب الله"و"أمل"على أحياء بيروت عميق وآثاره خطيرة، فأهالي الأحياء السنيّة في العاصمة وأهالي الجبل لديهم شعور بالغضب والذل ينبغي أن يزال بسرعة، لأن خطره كبير، ومن يتجوّل ويتحدث مع سكان المناطق السنّية يدرك مدى الشرخ الذي حدث عندما استُخدم سلاح المقاومة باتجاههم. وعلى رغم توصيات القيادات السياسية بعدم الرد وعدم خوض معارك خاسرة لكل لبنان، فالمرارة في القلوب والانقسام كبير، على رغم أن الشعب واحد لأن هناك اختلاطاً كبيراً بين السنّة والشيعة حتى في العائلة نفسها. ومن يسمع المواطن في الطريق الجديدة، أحد أحياء بيروت، أو في الحمراء، يدرك أن المشكلة مستمرة مع وجود نقمة عميقة وغياب ثقة خطير، على رغم الحل السياسي على مستوى القيادات. الأمل كبير في تنفيذ بنود اتفاق الدوحة، وأن يرعى الرئيس الجديد ميشال سليمان هذا التنفيذ. فقد تسنّى ل"الحياة"الاستماع الى آراء سليمان في إدارة شؤون البلد منذ بضعة أشهر عندما كان مرشحاً توافقياً ينتظر اللبنانيون انتخابه. الأمل كبير في أن يتمكن الرئيس من تنفيذ ما قال في خطاب القسم الذي مثل مشروعاً مشجعاً للبنان، حتى أن أحد المواطنين اللبنانيين البعيدين من السياسة قال لدى سماعه الخطاب الرئاسي"لو نفذ الرئيس سليمان ربع مضمون خطاب القسم لأصبحنا بألف خير"، فمهمته صعبة والمشاكل ضخمة في لبنان، وأولها الوضع الاقتصادي المتدهور، لكن مساهمة الأشقاء العرب، وفي طليعتهم السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، كبيرة وواعدة لمساعدة لبنان. ففور إعلان اتفاق الدوحة عادت الاستثمارات العقارية العربية تنعش هذا القطاع الاقتصادي في لبنان، وجرت حماية القطاع المالي عبر سياسة حكيمة لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة، ولا شك في أن الثقة الدولية والعربية بلبنان ستشجع على المزيد من تلقي رؤوس أموال عربية وتدفق أموال اللبنانيين من الخارج. موجة التفاؤل التي واكبت وصول ميشال سليمان الى سدة الرئاسة ينبغي أن ترافقها رغبة سياسية حقيقية في تصحيح الوضع الاقتصادي الذي كان معطلاً، وتلقي الأموال التي التزمت تقديمها الدول المشاركة في باريس - 3، والتي تنتظر الإصلاحات الصعبة في لبنان لكي تنفذ التزاماتها. أنظار اللبنانيين متجهة الآن نحو صيف واعد تتدفق فيه الاستثمارات، ونحو تشكيل حكومة تكرّس الرغبة في بناء دولة مستقلة سيدة، وأن يتمكن الرئيس سليمان، كما وعد في خطابه، من التوصل الى علاقات ديبلوماسية مع سورية تكون بداية حقيقية على طريق استقلال لبنان، علماً أن رئيس الجمهورية الجديد هو رئيس التوافق إقليمياً كما هو توافقي داخلياً.