كل زائر لدمشق، وبعد أن يتجول في شوارعها وحاراتها ويستنشق عبق ياسمينها، لا بد له من التوجه إلى سوق المهن التقليدية التي اشتهرت بها العاصمة السورية منذ نشأتها وحتى الآن. يقع السوق في مدخل المدينة القديمة الغربي، وهو يتألف من قسمين: قسم المعروضات ويضم محلات الفضيات والذهب، والقسم الآخر الواقع في التكية المعروفة باسم التكية السليمانية ويضم معامل الحرف التقليدية. يلحظ الزائر عند دخوله القسم الأول من السوق المحلات المتجاورة التي يبيع معظمها الفضيات بالإضافة إلى محلات الذهب والآلات الموسيقية واللوحات الزيتية ما يشكل سيمفونية جميلة تجمع بين الموسيقى والرسم والمهارة في صنع الحلي. أما القسم الثاني فيضم معامل الزجاج اليدوي الذي عرفت به دمشق قديماً، حيث الأواني والكؤوس الملونة والمزينة بماء الذهب والفضة ومحلات الصدف والعاج. ولعل السياح من أوروبا الشرقية والغربية وأميركا اللاتينية هم الأكثر ارتياداً لهذه المحلات كما يقول صاحب أحد المعامل. أما الناحية الأخرى من التكية الصغرى فتوضعت فيها معامل ومحلات الألبسة الشرقية المطرزة بخيوط القصب والذهب بالإضافة للبروكار الدمشقي والموزاييك والزخارف. ومعظم زوار هذا القسم من السياح العرب. إلا أن حركة البيع تقلصت كثيراً وتناقصت أعداد السياح بشكل كبير بعد إغلاق الباب الواصل بين المتحف الحربي سابقاً والسوق، أي بين التكيتين الكبرى والصغرى ما ألحق ضرراً كبيراً بأصحاب المحلات في السوق فانخفض عدد الزوار إلى اقل من الربع حسب ما يقول صاحب محل لبيع الآلات الموسيقية. تأسس السوق عام 1974 واختيرت التكية الصغرى مكاناً له بينما اتخذت التكية الكبرى مقراً للمتحف الحربي. والتكيتان تمثلان ما يعرف بالتكية السليمانية التي أمر ببنائها السلطان العثماني سليمان القانوني عام 1554 بهدف إيواء الطلاب الغرباء والحجاج المارين ببلاد الشام. تتميز التكية السليمانية التي صممها المهندس التركي الشهير سنان باشا بواجهاتها وأقواسها الفارسية وأعمدتها ذات التيجان المقرنصة المنتظمة كالعقد حول مئذنة رئيسية كبيرة تحيط بها المئذنتان اللتان اشتهرتا في الماضي نظراً الى نحولهما الشديد وشكلهما المميز كقلمي الرصاص، بالإضافة إلى باحاتها المرصوفة بالحجارة البيضاء والسوداء ونوافير الماء والبحرات الجميلة. وبقيت التكية مقصداً مهماً لكل زوار دمشق سواء قاصدي المتحف الحربي أو سوق المهن التقليدية، إلا أن نقل المتحف الحربي من التكية قبل ثلاثة اشهر وارتفاع أسعار معروضات السوق الذي برره أصحاب المحلات بتزايد الضرائب المفروضة عليهم أفقدا التكية عنصراً مهماً من عناصر الجذب مما أدى الى تراجع أعداد روادها. وعلمت"الحياة"من جهات رسمية سورية ان الحكومة التركية بدأت منذ فترة مشاورات مع الجهات السورية المختصة لإجراء عمليات ترميم واعادة تأهيل مشتركة للتكية بعد أن تم نقل المتحف الحربي منها وإنهاء كل العوائق الادارية حيث تم تشكيل لجان سورية مختصة لبحث هذا الأمر.