تشهد الحركة الثقافية في دولة الإمارات العربية المتحدة تطوراً ملحوظاً على كل الأصعدة. وإن كانت بعض الجهات أو المناطق تسعى الى التركيز على الشكل من دون دراسة معمقة لثقافة الصورة، أو أخرى تسعى للتركيز على المضمون ولو على حساب الشكل، فإن الدعم الرسمي غير المحدود لكل البرامج والمؤسسات الثقافية - ولو في ظل غياب مؤسسات المجتمع المدني - والتنافس الإيجابي بين كل إمارات الدولة، أفرز ما بين الانتقائية والتراكم التاريخي ظواهر ثقافية مهمة خليجياً وعربياً. وكما أبو ظبي ودبي في تأسيسهما للمراكز والجوائز الثقافية الضخمة... وكما الشارقة في مواسمها المسرحية ومعارضها ومتاحفها، وكما الفجيرة في مهرجانها الدولي للمونودراما... واكبت إمارة عجمان التطورات الثقافية اللافتة في الإمارات بخطى نوعية ومتوازنة، مستفيدة من التجارب السابقة في المنطقة، ومتكئة على الموروث التاريخي للإمارة، ضمن خطط سنوية تضعها دائرة الثقافة والإعلام بدراية وعناية، توزعت على أيام السنة عبر برامج ثقافية فنية متنوعة، وتوجتها مساء الأحد الفائت بإطلاق الدورة الأولى لملتقى"شاهنده"للإبداع الروائي، بحضور الشيخ عبدالعزيز بن حميد النعيمي رئيس الدائرة الثقافية في عجمان، ومشاركة نخبة من النقاد والكتاب والإعلاميين. ضم الملتقى ثلاثة محاور، تناول الأول المكان المفتوح في الرواية الخليجية عبر البحر والصحراء والمدينة، والثاني بحث في العلاقة بين المكان والزمان سواء كانت الأمكنة تاريخية أم أسطورية. أما المحور الثالث فتناول علاقة المكان بالإنسان ليكشف عن طبيعة أنماط الناس في الأمكنة الخليجية. وتوزعت الأوراق البحثية على جلستين، أدار الجلسة الأولى الإعلامي البحريني عبد القادر عقيل، وشارك فيها كل من الباحثة فاطمة خليفة من الإمارات، الباحث فهد حسين من قطر، الناقد سعد البازعي من السعودية. ورقة الباحثة فاطمة التي جاءت تحت عنوان"المكان في الرواية الإماراتية"، تؤكد أن الروائيين الإماراتيين تفاوتوا في تعاملهم مع المكان بحسب اتجاهاتهم، وميولهم الفنية. فعند كتاب الرواية الرومنطيقية التاريخية المكان بارز وحاضر، إلا أن بروز المكان من وجهة نظرها، لم يكن لتعميق الحدث، ولا لغاية تزيينية، وإنما لتوثيق الحدث، وإضفاء الدقة والموضوعية عليه. وتأخذ مثلاً على ذلك من رواية"ساحل الأبطال"لعلي محمد راشد، وروايَتَيْ الشيخ سلطان القاسمي"الأمير الثائر"وپ"الشيخ الأبيض". وبالنسبة الى رواية"شاهنده"وعلى رغم أنها رواية تقليدية، وهي باكورة الرواية الإماراتية، ترى الباحثة خليفة إن للمكان خصوصية متميزة فيها، إذ تركزت رؤية الكاتب على حقبة تاريخية قديمة من تاريخ المنطقة، فرصدت الواقع الاجتماعي بسلبياته المختلفة، والمفاهيم العقلية السائدة فيه آنذاك، وبرز المكان فيها عنصراً مميزاً من حيث أثره في دعم أحداثها، وتلوين نفسيات أبطالها، وفضح العلاقات الاجتماعية المتخلفة والفاسدة في كل من فضاءاتها الجغرافية: القريتان، الساحلية والصحراوية بما تضمانه من جهل، ورذيلة مستورة، ومن حب أهلها"للقيل والقال"ثم المدينة. ولم يكتف راشد عبد الله - تضيف خليفة - على رغم ترتيبه المكان وفقاً للأحوال المعيشية السائدة فيه، ورصده الفساد الأخلاقي بخاصة والقيم التي تسود كل بيئة على حدة، فإنه يتابع هذه القيم على مستوى أعمق، حين يرصدها في القرية الصحراوية فيجدها ذاتها، لكنها تمارس بحدة وجلافة متناغمة مع المكان الذي توجد فيه. ورقة الباحث فهد حسين جاءت تحت عنوان"المدينة العربية في الرواية الخليجية النسوية"بحثت في علاقة المكان بالشخوص وسلوكهم، والمكان بالدين والمكان بالتاريخ وحوار الشرق والغرب وصراع الخير والشر، عبر ست مدن تكتب عنها النساء، كالقاهرة، الكويت، صنعاء، الرياض، جدة، ومسقط، مستشهداً برواية"الطواف حيث الجمر"لبدرية الشحي، وپ"أيام في الجنة"لغالية آل سعيد،"مزون ? وردة الصحراء"، وپ"حجر على حجر"لفوزية شويش السالم، وپ"عيون على السماء"لقماشة العيان، وپ"الفردوس اليباب"لليلى الجهني،"ريحانة"لميسون صقر القاسمي... "مدينة الرياض التي جئن لها البحريات من الشام"رصدت تحول أمكنتها أيضاً الروائية أميمة الخميس، وكانت محور الورقة الثالثة في الجلسة الأولى التي قدمها الناقد سعد البازعي بعنوان"ذاكرة المدن: قراءة لپ"البحريات"تناول فيها العلاقة بين الصحراء والبحر وانعكاس البيئتين، الشامية والصحراوية على الحياة اليومية وتطور الشخوص وتبدل الأمكنة. وقدرة الروائية على رصد تحولات الرياض من قرية كبيرة إلى مدينة ورفضها سلبيات المدنية وإفراز الحضارة. ضمت الجلسة الثانية التي أدارها الإعلامي رفيق نصر الله ثلاث أوراق بحثية، وشهادة قدمها الروائي إسماعيل فهد إسماعيل عن تجربته الحياتية والكتابية. تناولت الورقة الأولى التي قدمها الباحث العماني شُبّر بن شرف الموسوي صور المكان في الرواية العمانية، والتناسب بين الشخصية والمكان واللغة لدى ثلاثة روائيين عمانيين: سعود المظفر، محمد عيد العريمي، وحسين العبري. وتحدث في الورقة الثانية الباحث أحمد عبد الملك من قطر عن المكان المفتوح في الرواية الخليجية البحر ? الصحراء - المدينة مستشهداً بروايات، من أهمها برأيه رواية"عيون قذرة"للروائية السعودية قماشة العليان. الورقة الثالثة"إسماعيل فهد إسماعيل... سيرة كتابة، سيرة حياة"قدمها الروائي الكويتي طالب الرفاعي، مفصلاً سيرة حياة إسماعيل الإنسان وإسماعيل المبدع الشمولي، بدءاً من تعلمه الأحرف على راحة يديه ليقرأ لوالده الضرير، مروراً بقراءته"كليلة ودمنة"ومن ثم"ألف ليلة وليلة"ولعبه دور الراوي لضيوف والده بدلاً من الإذاعة والتلفزيون، ودخوله المدرسة مبكراً... ووصولاً الى كتابة القصة والرواية والدراسة والمسرح والنقد والسيناريو الإذاعي والتلفزيوني والسينمائي وعرّج على محطات كثيرة في حياته وعلاقاته بالأمكنة والأصدقاء... وإن كان هذا الملتقى السنوي يحمل أسم رواية"شاهنده"التي صدرت عام 1974 تكريماً لكاتبها راشد عبدالله النعيمي وزير خارجية دولة الإمارات السابق، وتقديراً لجهوده الثقافية وغرسه البذرة الإبداعية الأولى في ربوع المنطقة، فإنه يهدف أيضاً إلى تناول الشأن الروائي محلياً وخليجياً وعربياً وعالمياً، وتكريم مبدع روائي كل دورة، وكان مسك ختام الدورة الأولى تكريم الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل بصفته أحد أبرز روائيي منطقة الخليج.