المعلقان الصحافيان الأميركيان تشارلز كراوتهامر ونيكولاس كريستوف وجّها نصيحتين الى الرئيس جورج بوش في 11 من هذا الشهر، الأول في"واشنطن بوست"عن إسرائيل، والثاني في"نيويورك تايمز"و"الهيرالد تريبيون"عن دارفور. المقالان يمثلان الصحافة الأميركية أفضل تمثيل، فهي تنقسم بين متطرفين دعاة حرب من عصابة إسرائيل التي تقدم مصلحتها على المصالح الأميركية نفسها، وبين إنسانيين معتدلين عادلين ينتصرون للحق من دون انحياز الى لون أو دين أو اثنية. كراوتهامر، وهو متطرف بامتياز، كتب مقالاً عنوانه"إعلان الهولوكوست"يقول فيه إن العقوبات على إيران فشلت ولم تبقِ عند الرئيس الأميركي خيارات لمنع إيران من مواصلة تخصيب اليورانيوم، ما يجعلها تقترب من امتلاك قدرة نووية عسكرية، ستسبب عدم استقرار عميقاً في الشرق الأوسط، وتهدد الدول العربية المعتدلة وتضع إسرائيل في حالة استنفار عالٍ جداً. في رأي كراوتهامر أن في الإمكان التخفيف من فشل العقوبات أو ضربة استباقية بالردع على طريقة الحرب الباردة. كيف؟ يقترح كراوتهامر على الرئيس بوش أن يصدر"إعلان الهولوكوست"على الشكل الآتي:"ان سياسة هذه البلاد هي اعتبار أي هجوم نووي إيراني على إسرائيل هجوماً على الولاياتالمتحدة يستدعي رداً انتقامياً كاملاً ضد إيران". كراوتهامر يقول إن إيران لن تحصل على قدرة نووية عسكرية قبل كانون الثاني يناير من السنة القادمة لذلك فهو يريد"إعلان الهولوكوست"لتلزم الإدارة الحالية الإدارة المقبلة، به. هذا فجور، فالكاتب يقول إن إسرائيل تملك قدرة نووية عسكرية، إلا أنه لا يريد تجريدها من هذه القدرة مع أنها دولة عسكرية توسعية تحتل أراضي الفلسطينيين منذ 40 سنة و60 سنة، بل يريد منع إيران من امتلاك قدرة مستقبلية محتملة، والى درجة أن يورط"بلاده"أميركا في خطة من شأنها أن تزيد الكره في المنطقة لكل ما هو أميركي، وتهدد المصالح الأميركية في بلاد العرب والمسلمين. بكلام آخر، هو يريد أن تقدم أميركا مصلحة ستة ملايين إسرائيلي على مصالحها مع 1.2 بليون عربي ومسلم يملكون النفط الذي يبقى عماد الاقتصاد الأميركي والعالمي. أنا لا أريد أن تملك إيران قدرة نووية عسكرية، إلا أنني لا أريد أن تبقى إسرائيل وحدها في المنطقة بهذه القدرة مع وسائل إيصالها الى أهدافها، فالإعلان الوحيد العادل والمقبول هو تجريد الشرق الأوسط كله من جميع أسلحة الدمار الشامل، ولو أصدرت إدارة بوش مثل هذا الإعلان لسِرْتُ وراءها للمرة الثانية في حياتها المرة الأولى ضد إرهاب القاعدة. والآن أنتقل الى نيكولاس كريستوف الذي كان عنوان مقاله"مذكرة الى بوش عن دارفور"، أي عن منطقة كارثة إنسانية هائلة جعلت كريستوف يتجشم عناء زيارتها، والكتابة عنها في السابق، فيما نحن الصحافيين العرب نتجاهلها، أو ننكر وجودها أصلاً. كريستوف عرض على جورج بوش ثمانية اقتراحات لا أعترض شخصياً على أي منها، وحتى لو اعترض القارئ على اقتراح أو أكثر، فهو خلاف في الرأي لا يلغي من موضوعية الكاتب ومحاولته الطلوع بحل يمنع تجدد القتل. هو اقترح أولاً أن تتدخل أميركا وفرنسا لوقف الحرب بالوساطة بين السودان وتشاد، واستخدام القوة الجوية إذا استمرت، وثانياً توسيع الاهتمام من"إنقاذ دارفور"الى"إنقاذ السودان"مع وجود خطر استئناف الحرب بين الشمال والجنوب في الأشهر المقبلة، وثالثاً عقد مؤتمر دولي يضم الدول الكبرى والأمم المتحدة وقادة السودان مع الضغط على الصين لوقف إرسال السلاح الى السودان، ورابعاً يجب أن يركز المؤتمر على إعادة تفعيل عملية السلام في دارفور، فهي الطريقة الوحيدة لوقف القتل هناك، وخامساً قبول عرض جنوب السودان في 2004 و2005 إرسال قوة سلام الى دارفور من عشرة آلاف رجل، لأنهم سيلعبون دوراً مهماً في تثبيت الأمن، وسادساً فرض الولاياتالمتحدة منطقة حظر جوي فوق دارفور وتدمير طائرة على الأرض في حال المخالفة الكاتب يريد تجنب القتل، وسابعاً تحذير السودان من أننا أميركا سندمر السلاح الجوي للسودان إذا بدأ حرباً مع الجنوب أو تسبب في تهجير سكان، وثامناً إن سبب فشل السياسة الأميركية عدم استعمالها الجزرة والعصا، وإذا كان الحظر الجوي عصا، فإن تطبيع العلاقات مع نظام الرئيس عمر البشير ووقف العقوبات ورفع السودان من قائمة الدول المؤيدة للإرهاب هو الجزرة. أتوقف هنا لأقول إن مع اختلاف الطرح بين إيران وإسرائيل ودارفور، فإن الكاتبين والموضوعين يمثلون الجسم الصحافي الأميركي، فهناك دعاة حرب متطرفون، يقدمون إسرائيل على أميركا التي يفترض أن تكون بلادهم، وهناك طلاب سلام لجميع الناس. شخصياً يعوضني عن تلطيخ كراوتهامر صفحات"واشنطن بوست"بعقده وأحقاده وجود أمثال ديفيد أغناثيوس وريتشارد كوهن، وأجد في كريستوف وتوم فريدمان ومورين داود في"نيويورك تايمز"تعويضاً عن ديفيد بروكس ووليام سافاير. وأظل أنتظر أن تبدد الصحافة الأميركية شكاً دفيناً في نفسي من أنها فشلت في مواجهة الحرب على العراق، لأن هدفها كان عرباً ومسلمين.