ارتفعت معدلات الانتحار في تونس بحسب إحصاءات رسمية، لتصل إلى نسبة واحد بالألف. أي أن هناك 10 آلاف تونسي يحاولون الانتحار سنوياً. بعضهم ينجح وبعضهم يفشل. ويدل تفشي ظاهرة كهذه على وضع اجتماعي معقد أو صعب، خصوصاً أن هذه النسبة باتت تقارب نسب الانتحار في دولة كالسويد، حيث وصل معدل الانتحار إلى اثنين بالألف. وقد يكون من أسباب الانتحار اليأس والإحباط أو الوضع الاقتصادي كالبطالة وصعوبات الأوضاع المعيشية، لكن تبين أيضاً أن في تونس نسبة الانتحار بين المعنفات والمطلقات هي الأعلى بين المنتحرين وهو ما يرجع إلى صعوبة الوضع الذي يعشنه بعد الأزمة النفسية. لذا فإن العلاقات بين الجنسين والتي قد يرتفع أو ينخفض فيها مؤشر العاطفة بين فترة وأخرى، تلعب دوراً رئيساً في أمزجة الأشخاص وما قد ينجم عن ذلك من انفصال أو استمرار. نسرين شابة تونسية حاولت الانتحار مرتين ولم تنجح، وذلك إثر مرورها"بفترة عصيبة جداً"كما تقول. الزمان هو شهر رمضان الماضي. والمكان شقتها الصغيرة التي تسكنها وحدها مستقلة عن أسرتها. بدأت أزمتها عندما حصل نزاع في عائلتها حول توزيع حصص شقة سكنية، ملحقة بفيلا كبيرة تملكها العائلة في أحد الأحياء الفاخرة من العاصمة التونسية. شعرت نسرين بأحقيتها في امتلاك تلك الشقة، التي كان جدها نقل ملكيتها اليها وحدها دون غيرها. الشعور بالغبن جعل من نسرين شخصاً غاضباً وعصبياً. وطلبت من صديقها أن يحتمل تصرفاتها بحجة أنها"تمر بفترة عصيبة مع عائلتها"من دون توضيح السبب. أسابيع عدة مرت والمشكلة مستمرة، وتصرفات نسرين تزداد غرابة. فهي اعتمدت العزلة، وتملكها مزاج سيئ ومعكر ما أدى بدوره إلى مشكلات مع صديقها فانفصل عنها بعد فترة وجيزة. الغريب أن نسرين لم تحاول شرح وضعها أو تبريره، واقتصرت مساعيها على محاولة إثناء صديقها عن قراره وقف العلاقة لكنها لم تنجح. دخلت نسرين في نفق من الإحباط والسوداوية ولم تجد من يقف بجانبها. وابتعدت عن الحضن العائلي الذي اعتادته، وخسرت الشخص الذي أضفى على حياتها مسحة من الراحة والأمل. راجعت الطبيب لمعالجة اكتئابها فوصف لها أدوية مهدئة ما لبثت أن تناولت أكثر من 18 حبة دفعة واحدة. لكن تلك الطريقة لم تكن سريعة كما أرادت نسرين، فالألم الذي شعرت به بعد تناول الحبوب جعلها تعمد إلى جرح نفسها في كلتا يديها مرات عدة، لعلها تسرّع أجلها وتتخلص من آلامها. هذا كله لم يمنعها من الاتصال بصديقها لتسمع صوته قبل أن ترحل أو ربما لتستنجد به. فهو الوحيد الذي يخفف عليها، ويشعرها بالأمان. اعترفت له بما فعلت وطلبت منه إحضار سيارة إسعاف، وهو فعلاً ما حصل فأنقذها من مصير سعت إليه بلحظة ضعف.