أعلنت أبو ظبي وسنغافورة والولاياتالمتحدة التوصل إلى اتفاق مشترك على حزمة مبادئ لتنظيم النشاط الاستثماري الدولي لصناديق الثروات السيادية. وجاء الاتفاق بعد شهور من محادثات مكثفة جرت بين الأطراف الثلاثة بعيداً من الأضواء، مدفوعة بمحاولة واشنطن حماية قطاعها المالي من الانهيار وحصول المؤسسات المالية الأميركية على التمويل لتغطية خسائرها الضخمة الناجمة عن أزمة الرهن العقاري المستمرة بالتفاقم. وغابت عن الاتفاق عشرات الصناديق السيادية المهمة، لكن صناديق أبو ظبي "جهاز أبو ظبي للاستثمار"وپ"مبادلة للتنمية" وسنغافورة "مؤسسة الاستثمار الحكومية السنغافورية"وپ"تيماسيك القابضة" تنفرد بما يراوح بين 35 و50 في المئة من الثروات السيادية التي تراوح تقديراتها بحسب مصادر مختلفة بين 2.1 و3.2 تريليون دولار ولعبت دوراً كبيراً في تأمين التمويل للمؤسسات المالية الأميركية والأوروبية. وجدد وزير الخزانة الأميركي هنري بولسن بعد اجتماع عقده مع عضو المجلس التنفيذي لحكومة أبو ظبي حمد السويدي والمدير التنفيذي لپ"جهاز أبو ظبي"حارب الدرمكي إضافة إلى وزير المال السنغافوري ترمان شارموغاراتنام ونائب رئيس"مؤسسة الاستثمار"السنغافورية توني تان، ترحيب بلاده بالاستثمارات السيادية، مؤكداً تطلعه إلى"مواصلة العمل مع أبو ظبي وسنغافورة وأطراف أخرى لمساندة المبادرات الجاري بحثها في صندوق النقد ومنظمة التعاون الصناعي والتنمية لتحديد معايير دولية"اختيارية"للصناديق السيادية". ولم يذكر بولسن ما إذا كانت صياغة المبادئ التي تضمنها الاتفاق تمت بالتنسيق مع نظراء الولاياتالمتحدة من الدول الصناعية الكبرى على رغم ان وزراء المال في مجموعة السبع بحثوا موضوع الصناديق السيادية في اجتماعين رئيسين عقدوهما منذ الاجتماعات السنوية المشتركة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في تشرين الأول أكتوبر الماضي. واكتفى بالقول إن حزمة المبادئ المتفق عليها مع أبو ظبي وسنغافورة، تدعم مبادرات صندوق النقد ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أكبر تكتل للدول الصناعية في أميركا الشمالية وأوروبا وشرق آسيا. وأعلن الأطراف الثلاثة - أبو ظبي وسنغافورة، بصفتهما مستثمرين دوليين، والولاياتالمتحدة بصفتها دولة مضيفة للاستثمارات - الاتفاق على ان صناديق الثروات السيادية هي آليات استثمار حكومية تُمولها احتياطات العملات الصعبة وإيرادات الصادرات السلعية وتستثمر أصولها لأغراض مالية مثل تحقيق التوازن تعويض قصور محتمل في المداخيل الحكومية والادخار للأجيال القادمة، وقالوا ان لهم مصلحة مشتركة في بقاء نظام المال العالمي مفتوحاً ومستقراً. وأكد ممثلو الأطراف الثلاثة في بيان مشترك نشرته وزارة الخزانة الأميركية بعد اختتام الاجتماع الثلاثي دعمهم لمبادرات صندوق النقد ومنظمة التعاون وحضوا المؤسستين الدوليتين على الاستفادة من بنود اتفاقهم الجديد، مشددين على ان تحديد مبادئ دولية اختيارية لكل من صناديق الثروات السيادية والدول المضيفة لاستثماراتها يؤمّن للطرفين حافزاً قوياً لتطبيق أعلى المعايير في ممارساتهما الاستثمارية. ونص الاتفاق، الذي توقع محللون ان يفتح الباب واسعاً أمام المؤسسات المالية الأميركية المتعثرة للحصول على تدفقات جديدة من رأس المال، على ان صناديق الثروات السيادية يتعين عليها اتخاذ قراراتها الاستثمارية على أرضيات تجارية بدل السعي، سواء في شكل مباشر أو غير مباشر، الى تحقيق أهداف جيوسياسية، واعتماد هذا الالتزام رسمياً في جوهر ممارساتها الاستثمارية. وفي المقابل طالب الاتفاق الدول المضيفة للاستثمارات بالامتناع عن إقامة حواجز حمائية أمام تدفقات الاستثمارات والاستثمارات الأجنبية المباشرة. وأبرز الأطراف الثلاثة اتفاقهم على ان مبادرة الصناديق السيادية إلى توسيع مجال الإفصاح لديها ليشمل نواحي مثل أغراض الاستثمار وغاياته وهياكلها المؤسسية ومعطياتها المالية وخصوصاً المتعلق منها بتوزيع الأصول والمؤشرات المرجعية ونسب العائد الاستثماري في فترات زمنية مناسبة، من شأنه ان يساعد على تبديد الشكوك وبناء الثقة في الصناديق السيادية في أسواق مال الدول المضيفة للاستثمارات التي طالبها الاتفاق بالامتناع عن التمييز بين المستثمرين. وركز الاتفاق على ضرورة ان تتوافر للصناديق السيادية أسس قوية للحوكمة والضبط الداخلي وتسيير الأعمال وإدارة الأخطار. وبحسب الخبير الاقتصادي الأميركي المتخصص في شؤون الثروات السيادية إدوين ترومان، فإن المقصود بالأسس القوية للحوكمة ضمان تحديد دور الحكومات في وضع الاستراتيجيات الاستثمارية لصناديقها السيادية في شكل واضح، وكذلك الأمر بالنسبة الى دور مديري الاستثمار. وطالب الاتفاق الصناديق السيادية باحترام قوانين الدول المضيفة من طريق التقييد بكل الأحكام التنظيمية ومتطلبات الإفصاح النافذة، لكنه في المقابل حمّل هذه الدول مسؤولية ضمان موثوقية أطرها المتاحة للاستثمارات الأجنبية، مشدداً على انه يتعيَّن على النظم المتعلقة بالاستثمار ان تكون واضحة وقابلة للتوقع ومدعومة بمرجعية قانونية قوية. وأخذت الصناديق الحكومية على عاتقها التزام مبادئ النزاهة في التنافس مع الاستثمار الخاص، بيد أنها حصلت على التزام الدول المضيفة احترام قرارات المستثمر بحصر تدخلاتها في أضيق نطاق ممكن بدل السعي الى توجيه الاستثمارات السيادية. كما تضمن الاتفاق في واحد من أهم بنوده التأكيد ان أي قيود يتم فرضها لاعتبارات الأمن القومي يتعين ان تتناسب مع حجم الأخطار الأمنية التي تثيرها الصفقة الاستثمارية.