يبلغ من العمر ثمانية أعوام، عانى الحمى وتورماً في مفاصل الركبتين والكوعين. حمله الأب الى الطبيب ليعرف ما الحكاية، وعندما فحصه قال للوالد ان الطفل مصاب، على الأرجح، بالحمى الروماتيزمية، ثم أعطاه وصفة لبعض التحاليل. يخطئ من يظن ان أمراض الروماتيزم تصيب الكبار فقط. إنها تنال من الأطفال أيضاً, وعددها عند الأطفال يقارب الأربعين نوعاً، وتشبه الى حد كبير أمراض الكبار مع وجود فروقات طفيفة، وتسبب غالبية هذه الأمراض عوارض مثل الألم، والتورم، والتصلب في المفاصل، تماماً كما يحصل لدى البالغين. والروماتيزم عند الأطفال مرض مزمن ينتج من خلل في الجهاز المناعي، وقد يكون هناك دور للوراثة في انتقال المرض لدى أفراد العائلة الواحدة، وقد تكون بعض العوامل الخارجية ضالعة، بشكل أو بآخر، في اندلاعه. ومن أمراض الروماتيزم التي تصيب الأطفال: الحمى الروماتيزمية، وهي مرض التهابي يطاول أنسجة عدة، وتشكل وحدها 50 في المئة من أمراض الروماتيزم عند الأطفال، وينتج المرض من مضاعفات التهاب الحلق بجراثيم المكورات العقدية الحالة للدم، اذ يحدث بعد غزو هذه الجراثيم، ارتكاس مناعي تتشكل على أثره أجسام مضادة مهمتها مهاجمة الجراثيم الغاشمة، ولكن ما يحصل بالضبط هو ان الأجسام المضادة لا تهاجم الجراثيم المعتدية وحسب، بل تهاجم ايضاً أنسجة الجسم المختلفة، كالمفاصل والقلب والجلد والكلية والدماغ والرئة. وبعد أسابيع من دخول الجراثيم العقدية الى الجسم وحدوث التهاب الحلق، يشكو المريض من عوارض شتى عامة وهضمية وجلدية وقلبية وعصبية ومفصلية، وتشاهد الأخيرة، أي العوارض المفصلية، لدى 75 في المئة من المرضى، والمفاصل الكبيرة هي الأكثر إصابة لكن المفاصل الصغيرة قد تصاب أيضاً غير انها نادرة، وما يميز الإصابة المفصلية في الحمى الروماتيزمية انها متنقلة، أي أن التهاب المفصل يستغرق أياماً قليلة يشفى بعدها من دون آثار مهمة, ولكن لا يلبث الالتهاب أن يطل في مفاصل أخرى وهكذا دواليك. وقد تلحق الحمى الروماتيزمية ضربات موجعة بكل طبقات القلب بدءاً بالغشاء المبطن ومروراً بالعضلة القلبية وانتهاء بالغلاف الخارجي والصمامات، ان تلف هذه الأخيرة هو الأكثر انتشاراً, اذ تصاب الصمامات بالتضيق أو بالتوسع، وعندها يعاني المصاب عوارض عدة مثل سرعة التعب واللهاث وصعوبة التنفس والتورم في القدمين. ان العلاج المبكر لالتهاب الحلق الناتج من جراثيم المكورات العنقودية مهم جداً لمنع الحمى الروماتيزمية وبالتالي الحيلولة دون حدوث المضاعفات خصوصاً القلبية منها. وإذا وقعت الحمى الروماتيزمية فعندها يتم تدبيرها وفقاً للمرحلة التي وصلت إليها، وكلما كان التشخيص باكراً كان العلاج أسهل والشفاء أفضل, وقد يضطر الطبيب لإعطاء جرعات من البنسلين طويلة الأمد في شكل منتظم ودوري. داء ستيل، وسمي بهذا الاسم نسبة الى مكتشفه الدكتور جورج ستيل الخبير في علم الأنسجة الذي وصفه للمرة الأولى في عام 1897. ويصيب هذا الداء الأطفال ما بين السنتين والأربع سنوات، ويطاول الإناث والذكور في شكل متساو، ويتظاهر بعوارض عامة مثل الحرارة المرتفعة وسوء الحالة العامة وفقر الدم وفقدان الوزن، إضافة الى العلامات الحشوية ومن بينها تضخم الطحال والعقد اللمفوية. وفي بعض الحالات يحدث الالتهاب في العين مع ظهور عقد تحت الجلد. وطبعاً هناك إصابة مفصلية في داء ستيل، وقد تكون وحيدة تتموضع عادة في مفصل الركبة فقط، أو قد تكون متعددة تشمل مفاصل عدة في آن معاً. وتكمن خطورة داء ستيل في كونه يصيب الأطفال في طور النمو، ما قد يؤثر في غضاريف النمو ويؤدي الى انغلاقها فيعاني الطفل التشوهات وقصراً في القامة. ان إنذار الإصابة المفصلية الوحيدة حسن في شكل عام، اما إنذار الإصابة المفصلية المتعددة فسيئ. وليس هناك علاج نوعي لداء ستيل، وفي العادة يصف الطبيب عقار الأسبرين الذي يعد الدواء الأفضل، واذا فشل هذا في مهمته فقد يلجأ الطبيب الى وصف الكورتيزون أو أحد مشتقاته للسيطرة على الداء ولكن مع الحذر خوفاً من أن يؤثر على نمو الجهاز الحركي للطفل. التهاب المفاصل الفقرية اللاصق الذي يصيب الذكور أكثر من الإناث، وتلعب الوراثة دوراً واضحاً في هذا المرض لأنه يشاهد في عائلات معينة. ويحدث التهاب المفاصل الفقرية اللاصق عادة في سن العاشرة، وفيه تصاب مفاصل قليلة تقع في الوركين والعمود الفقري والطرفين السفليين. ومن أهم عوارض المرض الألم والتيبس الى جانب الشكاوى العامة مثل التعب ونقص الوزن، وقد يؤدي المرض الى التهاب القزحية في العين وآلام في الكعبين. التهاب المفاصل الصدفي. الأطفال، كما لدى الكبار، يمكن ان يصابوا بداء الصدفية الجلدي، وقد يحدث الالتهاب في مفصل واحد أو في مفاصل عدة, وفي نصف الحالات يلوح هذا الالتهاب في الأفق قبل ان تظهر الإصابة الجلدية، ما قد يخلق صعوبات في التشخيص، من هنا أهمية الاستفسار عن وجود داء الصدفية عند العائلة، ففي حال الإيجاب يجب وضع الإصابة بروماتيزم الصدفية في الاعتبار والعمل على إجراء فحوص مخبرية تساعد في وضع النقاط على الحروف، لقد كشفت الدراسات ان أطفال المصابين بداء الصدفية هم أكثر عرضة للإصابة بالتهاب المفاصل الصدفي بخمسين مرة مقارنة مع أطفال الأشخاص الطبيعيين. مرض كاواساكي. أول من وصف هذا المرض طبيب الأطفال الياباني توميسياكو كاواساكي في العام 1967 من هنا أتت التسمية. والمرض غير شائع، ويحدث أكثر ما يحدث عند الأطفال اليابانيين والشرق آسيويين، ويصيب عادة الشريحة العمرية من سنتين الى 5 سنوات، خصوصاً الذكور. ويمكن ان يحدث المرض في أي فصل من السنة لكنه أكثر ميلاً للحدوث في الربيع والشتاء. وتتفاوت حدة المرض بين طفل وآخر، ويبدأ المرض بارتفاع في الحرارة من دون سبب واضح، وقد يصاحب هذا الارتفاع احمرار في العين واندفاعات جلدية شبيهة بتلك التي تشاهد في الحمى القرمزية، إضافة الى احمرار الشفتين وراحتي اليدين وأخمصي القدمين مع تسلخ الجلد فيها. وقد تصاحب هذه العوارض آلام مع تيبس في العمود الفقري والتهاب في المفصل الحرقفي العجزي. وقد تنتفخ العقد اللمفوية، وتظهر الاختلاطات القلبية لدى البعض. وقد يطاول المرض من هم دون السنة الأولى من العمر، الذين لا تكون الصورة السريرية لمرضهم مكتملة، ولا تظهر العلامات المميزة له، لذا يكون التشخيص في غاية الصعوبة، خصوصاً أنه لا توجد تحاليل نوعية تشير إليه. وفي ما يتعلق بسبب المرض فهو غير معروف حتى هذه اللحظة، ويميل بعضهم الى اتهام الجراثيم، لكن هناك من يلقي اللوم على التحسس أو على وجود خلل في الجهاز المناعي. والمرض غير معد ولا تتوافر الوسيلة التي تقي منه. ولحسن الحظ فإن الغالبية العظمى من المصابين بمرض كاواساكي يشفون ويكون نموهم العقلي والجسماني طبيعياً, والمضاعفات قد تحصل لدى قلة منهم على رغم العلاج الذي ينصح الأطباء باتباعه باكراً ما أمكن ما يسمح بتطويق حدة المضاعفات خصوصاً القلبية منها. مرض الذئبة الحمراء. وهو مرض مناعي ذاتي يضرب مختلف أعضاء الجسم بما فيها المفاصل التي تتعرض الى الالتهاب مثل مفاصل اليدين والرسغين والمرفقين والركبتين، ويترافق الالتهاب مع آلام متنقلة من مفصل الى آخر، تكون أشد وطأة من تلك التي تشاهد في التهابات مفصلية أخرى. والى جانب الإصابة المفصلية هناك إصابات تطاول أنسجة وأعضاء عدة مثل الجلد، والأغشية المخاطية, والأغشية المصلية، وخلايا الدم، والجهاز العصبي، والجهاز المناعي، والكلى. يعالج داء الذئبة الحمراء بالأدوية المناسبة التي تعطي نتائج طيبة على صعيد الإصابة المفصلية، والمهم ان تتم المواظبة على العلاج ما دام المرض حاضراً، والأهم من هذا ان لا يغفل الأهل الاستشارات الدورية لكشف مظاهر المرض باكراً من أجل بدء العلاج في أسرع وقت, خصوصاً انه يصعب التنبؤ بالمرض الذي يمكنه ان ينشط في أي وقت من دون سبب واضح أو على إثر وقوع التهابات فيروسية أو جرثومية. تلين العظام، وينتج هذا المرض عن نقص الثروة المعدنية في العظم ما يجعله هشاً وليناً، يتعرض بسهولة للتشوه والكسر. وهناك عوامل كثيرة تشجع الإصابة بمرض تلين العظام منها أمراض سوء الامتصاص، والداء السكري، وتناول بعض الأدوية، وفرط نشاط الغدة الدرقية، ونقص تناول الفيتامين د ومعدن الكلس، وقلة التعرض للشمس، والإكثار من شرب الكولا... وغيرها. ان الأطفال المولودين قبل الأوان هم الأكثر تعرضاً لمرض تلين العظام مقارنة بسواهم من الأطفال الرضع خصوصاً إذا كانت الأم لا تتعرض للشمس بما فيه الكفاية. ان تلين العظام لدى الأطفال قد يكون مخاتلاً فلا يفصح عن وجوده إلا في مرحلة متأخرة. وفي شكل عام يمكن القول ان الطفل المصاب يعاني من عوارض كالكسل وقلة النمو وضعف المقاومة وتأخر ظهور الأسنان.