يكاد المدعي العام لمحكمة الاستئناف العليا في تركيا عبد الرحمن شتين كايا أن يحصي على رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أنفاسه، ضمن عريضة الاتهام التي طالب فيها بحلّ حزب العدالة والتنمية الحاكم ومنع 71 من قيادييه من العمل السياسي، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية عبد الله غل وأردوغان. وتقع تفاصيل العريضة في 17 مجلداً تحتوي على آلاف الأدلة التي جمعها المدعي العام لإثبات تحول الحزب الى بؤرة للنشاطات المعادية للنظام العلماني. ففي هذه الدعوى المفاجأة التي تسببت بصدمة للأوساط السياسية يعتبر شتين كايا كل تصريح صدر عن أردوغان ورفاقه منذ تأسيس الحزب العام 2001 دليلاً على سعيهم إلى إقامة نظام إسلامي في تركيا، ومنها دعوة أردوغان الأتراك إلى إنجاب ثلاثة أطفال على الأقل ليبقى الشباب الشريحة السكانية الأكبر في البلاد، ودعوته الى ترك مسألة الفتوى في شأن موقع الحجاب في الدين الإسلامي لعلماء الدين بدلاً من أساتذة الجامعات الذين يعارضون ارتداء الحجاب معتبرين أنه بدعة عربية، اضافة الى سعي الحزب إلى رفع الحظر عن الحجاب في الجامعات. وعلى رغم أن أوساطاً سياسية كثيرة رأت في الدعوى مزحة او مغامرة سياسية لا تقوم على أساس، خصوصاً أن التعديلات الدستورية الأخيرة جعلت عملية حظر الأحزاب أمراً صعباً للغاية، الا أن"العدالة والتنمية"تعامل مع الموضوع بجدية معتبراً الدعوى إهانة للديموقراطية وسمعة تركيا. ووصف أردوغان الدعوى بأنها اعتداء على ارادة الشعب والناخبين الذين صوت 47 في المئة منهم لحزبه في انتخابات تموز يوليو الماضي. وهي المرة الاولى التي يشعر فيها بضرورة الإشارة الى أنصاره، اذ حرص دائماً على عدم إقحام الشارع في خلافاته مع العلمانيين الذين خرجوا في عشرات التظاهرات دفاعاً عن النظام العلماني، لمنع بلوغ التوتر الشارع. لكن رئيس الوزراء لم يتردد هذه المرة في"التحصن"بالشارع واعتبره شريكاً له وجاراً في قفص اتهام واحد. وكانت المعارضة العلمانية، ممثلة بحزب الشعب الجمهوري، ركزت انتقاداتها أخيراً على ما أسمته ممارسات الحكومة المنافية للعلمانية والتي كان آخرها السعي الى تعديل الدستور من أجل رفع الحظر عن الحجاب في الجامعات، والذي تصدى له العلمانيون، خصوصاً أساتذة الجامعات والقضاة. ويعتبر كثر أن الهدف من رفع هذه الدعوى الآن الضغط على الحزب الحاكم قبل الانتخابات البلدية المقررة السنة المقبلة، للحدّ من ارتفاع شعبيته، وكذلك الضغط على المحكمة الدستورية نفسها التي تنظر خلال الأسبوع المقبل في مسألة الحجاب والتعديل الدستوري المتعلق بها الذي أقره البرلمان، وكذلك تهديد أردوغان بأسلحة قديمة - جديدة من أجل عدم الخوض في المسألة الكردية التي يسعى الى حلها خلال السنة الجارية. ويخشى العلمانيون والأتاتوركيون والقوميون هذا الحل، علماً أنها قد تكون فرصتهم الأخيرة لاستخدام هذا السلاح قبل احالة عدد من قضاة المحكمة الدستورية العليا الذين عينهم الرئيس السابق العلماني المتشدد أحمد نجدت سزار، على التقاعد، والمعروفين بمواقفهم العلمانية والسياسية المتشددة، ليخلفهم قضاة يعيّنهم الرئيس غل في نهاية السنة، ما يعني أن سلاح المحكمة الدستورية شارف على الخروج من أيدي العلمانيين الذين تتراجع قوتهم مع ارتفاع شعبية حزب العدالة والتنمية.