يجهد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لإقناع محاوره أن أبواب الحل في لبنان ليست موصدة تماماً. يرفض الحديث عن فشل مهمته أو توقفها، ربما لأنه يحدس بمخاطر إعلان نتيجة من هذا النوع. وليس سراً أن اقتراب موعد انعقاد القمة العربية المقررة في دمشق نهاية الشهر المقبل ضاعف ترابط الأزمة الداخلية اللبنانية مع الأزمة غير المسبوقة في العلاقات العربية - العربية. يتحدث موسى عن كسر الجليد والانتقال من القطيعة إلى الحوار والتقدم في بعض النقاط، لكن أجوبته توحي بأنه مهمته تحتاج إلى الحد من وطأة الخلافات العربية عليها. يراهن على أن يكون انتخاب رئيس يمثل لبنان في القمة خطوة أساسية تسهل نجاح هذا الموعد العربي الذي يفترض أن يكون"للقاء لا للافتراق". ولهذا يتوجه خلال أيام إلى دمشق للبحث في التحضيرات للقمة، خصوصاً بعد ما تبين أن انتخاب رئيس في لبنان هو التحضير الأهم لضمان نجاحها. في لقائه مع"الحياة"قال موسى وأشار ولمح. وهنا نص الحوار الذي شارك فيه الزميل محمد صلاح مدير مكتب"الحياة"في مصر: هل أنت نادم على الغوص في الملف اللبناني؟ - كيف أندم على واجب محدد ومسؤولية على أكتافنا كمنظمة عربية وكمنظمة إقليمية وكمواطنين عرب وكأناس يحبون لبنان ويشعرون بخطورة الموقف الاقليمي، وخطورة ادخال لبنان في مهب الريح فيعصف به ثم ان عملنا لا يرمي فقط الى الحفاظ على لبنان بل ايضاً على المنطقة والعالم العربي. هل أفهم أنها أزمة لبنانية - لبنانية وأزمة إقليمية في آن؟ - سبق وعرفت الأزمة اللبنانية بأنها بناية من أربع طبقات لبناني وعربي وإقليمي ودولي. هناك مشكلة لبنانية. الزعماء اللبنانيون غير قادرين على أن يذهبوا إلى أبعد من مصالحهم للانتقال إلى الحفاظ على لبنان وكيانه. وهنا لا أريد أن أجمع الكل من دون استثناء، يجب أن تكون هناك استثناءات، وهناك فعلاً من يخشى على لبنان. وهناك طابق عربي بسبب وجود مشاكل عربية تتعلق بلبنان وسيكون هناك المزيد منها، وهناك مشاكل إقليمية بسبب وجود دول مهتمة بلبنان أو لها مصالح فيه أو تسعى لزيادة مصالحها فيه. وهناك أبعاد دولية إذ أن دولاً أوروبية وغير أوروبية لها إما أدوار تاريخية أو أدوار جديدة وتهتم بكل المناطق بما فيها الشرق الأوسط. ثمة من يتحدث عن معركة على لبنان بين محاور إقليمية؟ - معركة على لبنان؟ لا أعتقد أنها معركة كبيرة، إنها معركة محصورة ومقصورة، لا أريد أن أقلل من المعركة اللبنانية - اللبنانية والتي وصل فيها الأمر إلى أنواع كثيرة من القطيعة وعدم التفاهم والتحادث. وربما هنا ما أسهمت المبادرة العربية في التغلب عليه أو على جزء منه. جمعت المبادرة الأضداد في جلسات أشعر أنها أدت إلى كسر الجليد وفتح باب الحوار لكنها لم تؤت ثمارها لأنها تتداخل مع الأبعاد الأخرى الموثرة في الموقف وهي الأبعاد العربية والإقليمية والدولية. هل تعتقد أنك فشلت في إقناع دمشق بمساعدتك في جهودك؟ - وعدت بمساعدة من جانب دمشق وكل الدول العربية ولكننا لم نصل حتى الآن إلى نتيجة حاسمة في لبنان. يمكن أن تسألني عن كون هذا التأييد غير كاف؟ الحقيقة أن التأييد كان إجماعياً من الدول العربية ولكن هناك زوايا كثيرة في السياسات العربية لم تمكن دولاً عربية من إعطاء التأييد الكافي حتى يخرج لبنان من النفق، سأزور دمشق خلال أيام للبحث في التحضيرات للقمة وطبيعي أن يكون الموضوع اللبناني حاضراً. قال لي أحد السياسيين إن مهمتك محكومة بالفشل لأنك تبحث في أمور كثيرة في حين أن المطلوب واحد وهو المحكمة الدولية. هل لديك هذا الشعور؟ - لا، الموضوع ليس واحداً، اعتبر ذلك تبسيطاً للأمور، الموضوع الإقليمي لجهة تغيير المنطقة وإعادة التموضع فيها لا علاقة له بالمحكمة وتفاصيلها. الموضوع أكبر من هذا. الكلام على التغيير في المنطقة، وهو كلام دولي تعرف أنت مصادره، لا علاقة له بهذه الأمور، بعض جوانب سياسة الولاياتالمتحدة تحدثت عن التغيير في الشرق الأوسط، ثم إن دولاً في المنطقة تطرح طرحاً جديداً. هذا الطرح يتعلق بالتوازن الإقليمي أو النفوذ الإقليمي ولا علاقة له بالنقاط الصغيرة. هناك أيضاً الأبعاد الثنائية والأبعاد الداخلية. هنا تأتي المحكمة لكنها ليست الموضوع الحاكم في النزاع القائم في لبنان. إنها أحد المواضيع الرئيسية التي تعتبر حاكمة في مجموعها وليس بمفردها. العلاقة السورية - اللبنانية الحاضرة والمستقبلية موضوع له بعد استراتيجي وبغض النظر عن وجود المحكمة أو عدمه. يبقى الموضوع السوري - اللبناني، وعلى رغم خروج سورية من لبنان واغتيال الرئيس رفيق الحريري، موضوعاً مهماً ومطروحاً بصرف النظر عن المحكمة. يبقى الموضوع أحد المواضيع الرئيسية على أجندة سورية ولبنان. أمن سورية منظوراً إليه من جانب سورية وارتباطه بلبنان، وأمن لبنان منظوراً إليه من جانب لبنان وارتباطه بسورية. وهناك أمن الدولتين والحدود والتجارة، إنها مسائل كبيرة جداً تذهب أبعد من موضوع المحكمة، يمكن الحديث عن مواضيع ذات حساسية كبيرة وبينها المحكمة. هل حاولت التعاطي بموضوع المحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الحريري؟ - لا، الكل يقول إن هذا الموضوع أصبح جزءاً من قرار دولي، ونحن نحترم الشرعية الدولية بكل قراراتها، وهذا الأمر موجود في البيان الوزاري للحكومة الحالية وفي مقررات الحوار الوطني وفي الورقة التي قدمتها ووافق الجميع عليها لجهة احترام قرارات الشرعية الدولية. إذا أبلغت مثلاً أن موضوع المحكمة قد حل هل يسهل ذلك مهمتك؟ - طبعاً يسهل في الجزء اللبناني - السوري وربما في أحد الأبعاد الخاصة بالعلاقات العربية - العربية وليس في الأبعاد الأخرى. طبعاً هذا سؤال افتراضي لأن المحكمة أصبحت جزءاً من قرار دولي. وهناك جريمة ارتكبت ولا أعتقد أن جزءاً كبيراً من اللبنانيين سيتنازل في هذا الموضوع. موضوع المحكمة ليس المشكلة، الأمر يتعلق بما يعتبره البعض تسييساً لها أو احتمال تسييسها أو الخوف منه. هل عقد اغتيال عماد مغنية، المسؤول في"حزب الله"، مهمتك؟ - لا أعتقد. نحن نتكلم في إصلاح ذات البين، بين القوى اللبنانية المختلفة وتحقيق علاقات صحية بين لبنان وسورية والعودة إلى الاستقرار. لا أعتقد أن الموضوع أثر على عملنا. طبعاً أنا ضد اسلوب الاغتيال أو اسلوب التآمر وهذا ينطبق على الجميع. ماذا عن احتمال انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان قبل انعقاد القمة؟ - الاحتمال قائم، وكنت أرجو ولا أزال أعتقد أن هذا التأجيل الأخير لم يكن له لزوم، في التأجيلات السابقة كان لدينا وقت وكانت هناك اجتماعات مقبلة. هذا التأجيل الأخير في ضوء أن الزعماء جلسوا واتفقوا على عدد من النقاط ولم يبق إلاَّ نقطة أو اثنتان، وعلى رغم كونها أساسية، ربما كان انتخاب رئيس يساعد على حل هذه النقاط. قلت رأيي هذا للرئيس نبيه بري رئيس مجلس النواب وكان رده أنه في ضوء عدم الاتفاق الكامل قد لا يحضر العدد الكافي من النواب لضمان النصاب. أجل الجلسة وبطريقة تتضمن إشارة واضحة مفادها أن لا ل 8 آذار مارس ولا ل 14 مارس أنما بينهما وحدد الموعد في 11 آذار مارس. هل سيدعى لبنان إلى القمة العربية وإلى من ستوجه الدعوة؟ - لبنان عضو مؤسس في الجامعة العربية، الحضور أو عدمه قرار سيادي تتخذه الدولة المدعوة، البلد المضيف للقمة يدعو كل أعضاء جامعة الدول العربية من دون استثناء، أنا أتوقع هذه الدعوة، الدعوة توجه أصلاً إلى رئيس الجمهورية ونحن نحاول الإسراع لانتخاب رئيس للبنان، في غيابه توجه الدعوة إلى الجهة التي تقوم بأعماله وفقاً للدستور، أي مجلس الوزراء. هل نتوقع مثلاً أن يمثل الرئيس فؤاد السنيورة لبنان في قمة دمشق؟ - لبنان يقرر من يمثله، إنما لبنان سيدعى ويجب أن يدعى. السعودية لم تتلق دعوة حتى الآن؟ - اعتقد أن هناك اتصالات لترتيب موعد لتسليم الدعوة. هل تعتقد أن القمة مهددة بعدم الانعقاد؟ - واضح أنها تعقد في أجواء داكنة وفي لحظة من أسوأ لحظات الوضع العربي. هذا ما أشعر به من موقعي ولهذا أصر على إنقاذ الوضع في لبنان. هل هناك أي اقتراح بإرجاء موعد القمة أو تغيير مكان انعقادها؟ - لا هل هناك احتمال بأن تكون قمة دمشق قمة الافتراق العربي؟ - هذا أسوأ ما يمكن أن يحدث، القمة يجب أن تكون للقاء لا للافتراق. لا أعتقد أن أحداً وخصوصاً الأمين العام للجامعة العربية يمكن أن يتحمل مثل هذه الفرضية. هل تخشى فشل القمة إذا حان موعدها ولم ينتخب رئيس للجمهورية في لبنان؟ - سيكون مؤسفاً جداً أن تعقد القمة ولا يكون للبنان رئيس للجمهورية. دعنا نعطي أنفسنا فرصة لإجراء الانتخابات قبل القمة. هل تحول انتخاب رئيس في لبنان شرطاً لحضور بعض الزعماء القمة؟ - هناك بعض الزعماء يعتبرون الانتخاب شرطاً. لنقل إن عدداً من الزعماء يعتبرون الانتخاب أساساً ضرورياً لنجاح القمة. كيف تحولت خبيراً في الثلث المعطل الذي تطالب به المعارضة في الحكومة المقبلة؟ - أولاً أنا لا أحب تعبير الثلث المعطل ولا أتعامل معه، مجرد الحديث عن ثلث معطل يجعل الجميع يهتزون بسبب هذا التعبير السيء، وإذا قال أي طرف أنه يرفض التعطيل تشعر أنه محق. إنما أن يكون هناك تأثير للمعارضة طالما أن هناك حكومة وحدة وطنية، نفهم التأثير ولا نفهم التعطيل. الثلث المؤثر. المعطل يعني الثلث زائدًا واحداً. في العشرات الثلاث ضمنت المعارضة الثلث. العشرون هم بين الموالاة ورئيس الجمهورية، مجرد التعطيل هذا أمر لا يجعل المرء يتعاطف معه، في بلد معطل أصلاً ونحن نسعى إلى إخراجه من مرحلة التعطل إلى مرحلة الفاعلية. في الاجتماعين الرباعيين الآخريين هل كان تشكيل الحكومة هو العقدة الأصعب؟ - كان هناك جدول أعمال مليء، هناك أيضاً قانون الانتخاب ونحن اقتربنا من اتفاق في شأنه. وهناك اتفاق على انتخاب الرئيس العماد ميشال سليمان واقتربنا من التوافق على كيفية انتخاب الرئيس. كان هناك نقاش حول تعديل الدستور وظهرت رغبة في عدم تعديل الدستور كثيراً. حصلت مناقشة حول كيفية الانتخاب بتطبيق الدستور. هناك ملف يتعلق بالمهجرين والتشكيلات الدستورية المقبلة. أهم ما اتفق عليه هو المنطلق الذي ترتكز عليه حكومة الوحدة الوطنية من العناصر الأساسية في البيان الوزاري وتنفيذ قرارات الحوار الوطني وتطبيق قرارات الشرعية الدولية. كل هذه الأمور تم الاتفاق عليها. هذا يشمل القرار 1559 أيضاً؟ - كل قرارات الشرعية الدولية تم الاتفاق على احترامها وتطبيقها. هناك قرارات لا يتوقف تطبيقها على لبنان وحده ولها علاقة بأطراف أخرى. هل وافق العماد ميشال عون على ذلك؟ - نحن لم ندخل في تفاصيل كل قرار. المبدأ هو هذا. وجوب احترام قرارات الشرعية الدولية وتطبيقها وهناك مسألة تتعلق بالسلاح الفلسطيني وهناك موافقة عليها وكذلك العلاقات مع سورية. مجموعة مسائل يجب أن تستند إليها حكومة الوحدة الوطنية تبلور نوعا من الاتفاق في شأنها. في المقابل هناك نقاط عالقة. لا تزال المعارضة مهتمة بالثلث زائد واحد وهو أمر ترفضه الموالاة. وهناك العشرات الثلاث. هل الجامعة العربية هي التي طرحت قصة العشرات؟ - لا، الجامعة تعتبره اقتراحاً مطروحاً على المائدة في مواجهة طروحات الغالبية، أنا اقترحت سابقاً صيغة 13، 10، 7 واثار الاقتراح تساؤلات عن الضمانات التي يمكن أن تريح المعارضة التي تخشى الا تكون مؤثرة في حال لم يكن لديها صوت معطل. هل تشعر بالقلق على القمة العربية؟ - انا قلق من الاجواء التي يجب أن تكون تحسنت من اجل ان نضمن فعالية قرارات القمة. بماذا تشعر حين ترى العماد ميشال سليمان وترى انتخابه يؤجل مرة بعد اخرى؟ - اشعر بالاسف الجديد وأنا اعتبر أنه الرجل المناسب لهذه المرحلة. هل طرح اسم آخر غير سليمان؟ - لم يطرح جدياً. هذا يعني أن اسماء طرحت؟ - ليس على الطاولة طاولة الاجتماعات الرباعية طرحت اسماء كثيرة. هل تستطيع طمأنة اللبنانيين؟ - أنا لا استطيع طمأنتهم الاّ في إطار ما تحدثت عنه. هل يمكن ان يستيقظ اللبنانيون على محاولة لاسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بالقوة. - لا، أنا لا اعتقد أن الازمة يمكن أن تؤدي الى ذلك، ثم ان حكومة الرئيس السنيورة، ومهما قيل عنها، حققت نوعاً من الاستمرارية والاستقرار في لبنان. ليس من مصلحة أحد ابداً أن تحدث محاولة لإسقاط الحكومة بالقوة لأن عواقبها ستكون خطيرة في لبنان والمنطقة. هل تعتقد أن"حماس"انتزعت الثلث المعطل في غزة فتعطل الموضوع الفلسطيني؟ - الوضع مختلف هناك. أولاً لبنان دولة. فلسطين ليست دولة. هناك ارض محتلة وسلطة وطنية. المقارنة غير جائزة بين الوضعين. هل حدث أن ضجرت خلال مهمتك وراودتك رغبة في التوجه الى المطار وترك اللبنانيين يغرقون في التفاصيل؟ - لا، احياناً اتساءل ما لزوم كل هذه التفاصيل ما دام اللبنانيون سيتفقون في النهاية وهو الخيار الوحيد أمامهم؟ الحقيقة ان المناقشات الصغيرة تضايقني. لكن ما نقوم به هو واجبنا وعلينا ان نتابع. الاّ تتخوف من عمل أمني ضدك في لبنان؟ - تعرف الآية الكريمة"الله خير حافظاً". هل ابلغت بمعلومات امنية معينة؟ - قيل لي بعد عودتي من دمشق الى بيروت أن قوى الامن اشتبهت بسيارة متوقفة على جانب الطريق وفجرتها. أنا مؤمن جداً بالقدرية في هذا المجال. وتعرف الآية:"أينما تكونوا يدركّم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة". هل هذه اصعب مهمة قمت بها؟ - المهمة في العراق توازيها وما بالك بفلسطين. هل الجنرال عون هو الرجل الاصعب في التفاوض معه؟ - يضحك الجنرال عون مهضوم كما يقال في اللبناني. هذا استنتاج لذيذ. - والباقون اصدقائي. دعني اقول لك أن اللقاءات الاخيرة بين الرئيس أمين الجميل والشيخ سعد الحريري والعماد عون كسرت الجليد واظهرت شيئاً من الود في بعض الاحيان. من أين يأتي الود يا سعادة الامين العام معلوماتي ان اللقاءين شهدا عتاباً مريراً؟ - أنا لم اقل ان المفاوضات ليست صعبة. في الوقت نفسه علينا ان نتذكر أننا انتقلنا من القطيعة الكاملة الى الحوار والخوض في التفاصيل. هل كان اختيار المعارضة العماد عون مفاوضاً باسمها خبراً سيئاً بالنسبة الى جهودك؟ - لا. هل تقبل فعلاً رؤية العماد ميشال سليمان رئيساً يقيم في القصر؟ - نعم. العماد عون رجل وطني. ربما لم يكن متحمساً لكنه يؤيد انتخاب العماد سليمان.