في تبريره لاستقالته من حكومة سلام فياض، قال وزير الثقافة الفلسطيني إبراهيم براش إنه أراد أن يحتج على"عبثية المقاومة وعبثية المفاوضات"، معتبراً استقالته"صرخة احتجاج على الوضع العام، وعلى العبثية التي تحكم نهج من يقولون بالمقاومة، وعبثية المفاوضات في ظل السياسة الإسرائيلية الراهنة، وفي كلتا الحالين هي عبثية مدمرة للمشروع الوطني". وجاءت خطوة براش متزامنة مع استقالة رئيس لجنة الأسرى في طاقم المفاوضات قدورة فارس الذي قال ل"الحياة"إنه استقال احتجاجاً على"عبثية المفاوضات وعدم مهنية الوفد المفاوض". وأضاف أن"المفاوضات تجري من دون اتجاه، وتستخدمها إسرائيل غطاء لتهويد القدس وحسم المعركة على الارض، والوفد المفاوض يعمل من دون أي حد من الحرفية والمهنية"، مشيراً إلى أنه لم يلتق رئيس طاقم المفاوضات"ولا مرة واحدة منذ بدء المفاوضات"، على رغم توليه لجنة تتعامل مع ملف مهم. وتعكس الاستقالتان حال عدم الرضى بين الفلسطينيين عن ممارسات حركة"حماس"في غزة وممارسات قادة"فتح"والسلطة في الضفة. ففي غزة، تسجل المؤسسات الحقوقية والإنسانية انتهاكات يومية متواصلة ضد حقوق الإنسان وحرية التعبير والرأي من اعتقال صحافيين وكتاب وإغلاق مؤسسات إعلامية ومنع توزيع صحف ومطبوعات. وكان آخر الإجراءات"الحمساوية"منع توزيع صحيفة"الأيام"الصادرة في رام الله على خلفية رسم كاريكاتوري يظهر نواب"حماس"في اجتماع عقدوه للمجلس التشريعي في غزة على هيئة رجل واحد، في إشارة إلى غياب بقية الأطياف السياسية. وجاء رد حكومة"حماس"على الرسم شديداً وصادماً، حتى في نظر بعض أنصار الحركة، إذ أصدرت محكمة عيّنتها الحكومة قراراً يقضي بمنع توزير الصحيفة واعتقال كل من رئيس تحريرها أكرم هنية، وهو مناضل تاريخي أبعدته إسرائيل مطلع الثمانينات لنشاطة الوطني، ورسامها الشهير بهاء البخاري. وحرّك القرار مشاعر مئات الكتاب والصحافيين الذين تظاهروا أمس احتجاجاً في كل من رام اللهوغزة. وأطلق بعضهم تساؤلات مُرّة عن ممارسات حكم"حماس"ضد وسائل الإعلام. وقارنها آخرون بالممارسات الإسرائيلية التي بدت أكثر رحمة، خصوصاً أنه لم يسجل في تاريخ المحاكم الإسرائيلية صدور حكم على صحافي بالسجن على خلفية مقال أو رسم. وصحيفة"الأيام"واحدة من أربع صحف يومية تصدر في الأراضي الفلسطينية، ثلاث في الضفة والرابعة في قطاع غزة. والصحف الثلاث الصادرة في الضفة مقربة من حركة"فتح"والتيار المركزي. أما الصحيفة التي تصدر في غزة، فتتبع حركة"حماس". واتخذت السلطة في الضفة الغربية بدورها سلسلة من الإجراءات القاسية ضد حركة"حماس"، منها منع توزيع صحيفتها"فلسطين"وإغلاق مكاتب فضائيتها"الأقصى". وشنت حملة اعتقالات واسعة بحق اعضائها بغية تجريدهم من أسلحتهم. وتبرر السلطة إقدامها على هذه الإجراءات ب"الحؤول دون تكرار تجربة الانقلاب الحمساوي في الضفة". وارتُكبت اثناء الاجراءات والاجراءات المضادة مخالفات قاسية بعضها غير مسبوق مثل التعذيب. وحسب مؤسسات حقوقية، قُتل أربعة معتقلين"فتحاويين"في معتقلات"حماس"في غزة فيما قُتل معتقل من"حماس"في معتقلات السلطة في الضفة. وبدأ كثير من الفلسطينيين يرفعون أصواتهم ضد الانقسام، وحتى ضد الانتفاضة التي قادت إلى حال التدهور العامة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً. وتنصب الانتقادات على القوى والفصائل التي تقوم بأعمال مقاومة غير رشيدة تؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا من دون مردود سياسي. وتظهر إحصاءات متطابقة أن نسبة الضحايا الفلسطينيين إلى الإسرائيليين انتقلت من 1 - 4 في السنوات الأولى للانتفاضة إلى 1 - 40 في هذه المرحلة، أي أن مقابل كل إسرائيلي يسقط 40 فلسطينياً. لكن الغضب على"قوى المقاومة"لا يقابله ارتفاع في تأييد أصحاب المفاوضات التي يرى فيها الفلسطينيون غطاء لمواصلة استيطان لا ينتهي، خصوصاً في مدينة القدس. ووصل الاحتجاج على المفاوضات حتى"آل البيت الفتحاوي". وفي حركة"حماس"، يرفع كثيرون أيضاً أصواتهم ضد عبثية السيطرة على قطاع غزة. ولعل أبرز الأصوات"الحمساوية"المناهضة ل"انقلاب غزة"الدكتور ناصر الشاعر نائب رئيس الحكومة الأولى لحركة"حماس"والدكتور غازي حمد الناطق باسم تلك الحكومة وغيرهم.