قرأت هذا الأسبوع مقالاً في "واشنطن بوست" كتبه معاً كوندوليزا رايس وروبرت غيتس وكان عنوانه "ما نحتاج اليه في العراق". وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان طلبا تأييد الأميركيين جهد الادارة، وسفيرها في بغداد ريان كروكر يفاوض الحكومة العراقية على تطبيع العلاقات بين الطرفين بما يشمل"وضع القوات"أي الوجود العسكري الأميركي في العراق. أستطيع ان أكتب مقالاً أرفض فيه حجج الوزيرين، وقد آلمني أن أقرأ زعمهما"ان قواتنا وديبلوماسيينا قدّموا تضحيات لا تحصى لوضع العراق على طريق الاكتفاء الذاتي"فالإدارة الأميركية لم تضحِّ بشيء سوى شعب العراق، وشنّت حرباً لأسباب كاذبة دمّرت البلد وقتلت مليوناً من أهله. رايس وغيتس أفضل عضوين في ادارة بوش كلها، ومع ذلك فهما يكتبان عما يريدان، أو يريد الأميركيون، من العراق، ولا يكتبان عما يريد العراقيون لأنفسهم. ما سبق مقدّمة فعندما أرى الخطأ في كلام وزيرين معتدلين، لا أعود أفاجأ بوقاحة المتطرّفين دعاة الحرب في كل بلد. إسرائيل دولة نازية سرق دعاتها أراضي الفلسطينيين منذ مئة سنة و60 سنة. وتحتل ما بقي منها منذ 40 سنة، وتقتل أهلها كل يوم، ومع ذلك فالصحف الاسرائيلية لا تتحدث عن مقاوم فلسطيني إلا وتصفه بأنه إرهابي، مع ان حكومة اسرائيل كلها وجيشها ومستوطنيها إرهابيون يقابلهم رجال مقاومة يبررها كل شرع ودين ما استمر الاحتلال. كنتُ بدأتُ أفكّر في الكتابة عن نماذج الوقاحة أو الجهل أو الغرور بعد صدور تقرير الاستخبارات الأميركية في كانون الأول ديسمبر الماضي وإعلانه ان إيران أوقفت برنامجها النووي العسكري في 2003. الاعتذاري الاسرائيلي جون بولتون كتب فوراً عن الأخطاء في التقرير، والأخطاء في أخلاقه، فهو مثّل اسرائيل خلال عمله في الادارة على حساب مصالح الولاياتالمتحدة، ولا يزال يعمل لها، وهو من الصفاقة ان يدّعي انه يعرف أكثر مما يعرف 16 جهاز استخبارات أميركياً شاركت جميعاً في كتابة التقرير. الثعلب العجوز هنري كيسنجر ليس أقل وقاحة وإنما أخبث، وهو كتب ان التقرير أسيء فهمه. ومن الواضح ان كيسنجر فهم منه ما يريد. زايد على بولتون وكيسنجر وقاحة جيمس فيليبس من مؤسسة هرتدج التراث اليمينية جداً، فهو كتب مقالاً بعنوان"تقرير الاستخبارات الوطني: دليل وافٍ للأخطاء في التقرير". كيف يمكن لإنسان أن يدّعي انه يعرف ما لا يعرف ألوف رجال الاستخبارات والخبراء من وكالات متخصصة مجموع موازناتها بعشرات بلايين الدولارات؟ أوقح منه الذي ينشر له. تجربتي في السنوات الأخيرة تقول ان أوقح أهل الأرض هم المحافظون الجدد الذين يعملون لإسرائيل، فهم تسببوا في قتل مليون عراقي وزيادة الارهاب حول العالم ثم يريدون حرباً على إيران، ويتحدثون عن"نجاح"على جثث الأبرياء. عندي ألف مثل وأختار: - جاكوب هايلبروم نفى في"واشنطن بوست"خمس أساطير عن المحافظين الجدد من نوع انهم عملاء لإسرائيل، وانهم دعاة حرب ومتعطّشون للدماء، وأن الحرب على العراق فضحتهم. طبعاً هم كذلك، بل أسوأ كثيراً، والكاتب مثلهم، ولا أفهم كيف ان"واشنطن بوست"الراقية تنشر مثل هذه البذاءة. - المتطرّف المعروف دانيال بايبس كتب مقترحاً"أعطوا غزة لمصر". من يعطي غزة؟ لماذا لا نعطي اسرائيل للفلسطينيين فيستردون بلادهم؟ ثم كتب"كيف نعيد غزة الى مصر". - متطرف آخر هو آرون كلاين كتب يقول إن"غوغل"تواجه قضية لأنها قالت ان اسرائيل سرقت أرضاً فلسطينية. وأقول ان اسرائيل كلها، لا البلدة الواردة في الخبر، سُرقت من الفلسطينيين، وإسرائيل المزعومة وجدت قبل ألفي سنة في بعض فلسطين، ولم تعمر سوى 80 سنة، وسبقتها ممالك وتبعتها ممالك. وهذا ردي على المتطرفين، أما المعتدل فأقابله في منتصف الطريق وعند حل الدولتين. - ارون كلاين زعم في مقال آخر ان الفلسطينيين أحرقوا قبر، أو مقام، سيدنا يوسف في نابلس. غير ان أول فقرة في الخبر تقول حرفياً"حاول الفلسطينيون أمس حرق قبر يوسف..."أي انها كانت محاولة لا عملية حرق، والمحاولة كاذبة أصلاً لأن الفلسطينيين يجلّون سيدنا يوسف، ثم ان هناك أربع مقابر لسيدنا يوسف، إحداها في مصر نفسها، والموضوع خرافة اسرائيلية أخرى. وضاق المجال وعندي مجموعة من الأمثلة على الوقاحة تستحق ان تدرّس في كلية صحافة عربية، فأختتم بمثل صارخ هو حملة صحف أميركية وبريطانية على روسيا واتهام الرئيس فلاديمير بوتين ببدء"سباق تسلّح". الأخبار عن روسيا ضمّت وقاحة إضافية، فهي صدرت بعد اعلان الموازنة الفيديرالية الأميركية التي تضمنت موازنة دفاعية زادت على 518 بليون دولار. مع مخصصات عسكرية اضافية أخفيت تحت بنود أخرى. الموازنة العسكرية الأميركية تفوق بقية العالم مجتمعاً، وبوتين يتهم ببدء سباق تسلّح لا جورج بوش. مع هذه الوقاحة لا أستغرب أن يتهم الفلسطينيون بسرقة أراضي اسرائيل، وربما يطالبون بتعويضات للاجئين اليهود حول العالم.