هل تثبت المواقع الاجتماعية على الإنترنت، خصوصاً"فايس بوك"أن التماثل بين تركيبتها رقمياً وتقنياً وعملانياًً من جهة، والظاهرة الاجتماعية المتنوّعة التي يُفترض أنها تُعبّر عنها من الجهة الأخرى، هو الشيء الأساس فيها، فتتمكن تالياً من صدّ الهجمة التي أعلنها تنظيم"القاعدة"عليها عند ختام العام 2008؟ يمكن التفكير بما لاحصر له من الأسباب التي قد تدفع متطرفي الأصولية المسلحة الإسلامية للضيق بالمواقع الاجتماعية على الإنترنت، خصوصاً أن ظاهرة"فايس بوك"صارت نوعاً من المتنفس للمكبوت والمُصادر والمُحرّم والممنوع في الشارع العربي. وأشّر على نجاح هذا المتنفس أنه استطاع تنظيم أكبر إضراب شعبي معاصر في مصر، في الرابع من نيسان إبريل الفائت. وأما عن انفلات التعبير وحرياته وهواماته وجنسانيته واحتجاجاته وجرأته، فتلك أمور لا تقتصر على الاحتجاج على نظام عربي بعينه، بل تطاول بنية ثقافية كبيرة، ربما كان فكر"القاعدة"شكلاً متطرفاً منها، لكنه متأصل الجذور فيها. ولعله ليس عبثاً أن أسامة بن لادن ليست له صفحة على"فايس بوك"لحد الآن، في مقابل توافر أشرطته صوتاً وصورة في موقع مثل"يوتيوب"مثلاً. إذاً، ليس مزحة أن يُطلق التطرّف الإسلاموي صرخة القتال ضد"فايس بوك"، كما أورد الموقع الشبكي لمجلة"ويرد"التي تعنى بالمناحي المتعددة للظاهرة المعلوماتية. وفي المقابل، يشير الأمر، مرّة أخرى، الى عمق العلاقة بين"القاعدة"والشبكة الإلكترونية، وهو أمر يحتاج الى تأملات كبيرة. لقد قيل كلام كثير عن أن"القاعدة"نشأت أصلاً وكأنها"نسخة مُسبقة"عن الإنترنت، من حيث غياب المركزية مقابل حضور المرجعية، والتفلّت من المكان، والسعي الى صنع شبكة علاقات فاعلة بين الأفراد والخلايا، ونشر أنواع مُعينة من المعارف... إلخ. توصف"القاعدة"دوماً بأنها شبكة، وأن فعاليتها تأتي من الاتصال بين قوى متفاوتة ومنتشرة ذات علاقات منتقاة بعناية، ما ينطبق على وصف الإنترنت نفسها أيضاً. ويصعب العثور على حزب أو تنظيم عربي له علاقة بالتقنية بمقدارها. حين ضرب إرهابيوها في 11/9، قفزت الى الأعين صور تدريباتهم على برامج معلوماتية متقدمة مثل"فلايت سيميوليتور"بغض النظر عن العلاقة فعلياً بين ذلك الأمر وضربات أيلول/ سبتمبر 2001. وحين شُنّت الحرب على الإرهاب، إبتدأ أمرها بمصادرة الحريات على الإنترنت، وفرض الرقابة على بريدها، والبحث عن المواقع التي تنشر معلومات عن الأسلحة والقنابل وإعدادها وتنشر بياناتها، وتربط بين خلاياها، بل صارت مراقبة الحركة الإلكترونية جزءاً من الحرب ضد"القاعدة". جاء ذلك في سياق صراع يوصف علمياً واستراتيجياً بأنه"لا متساو"،"لا متكافئ"أو"لا متناظر""أسيماتريكال"Assymmetrical. وبالاسترجاع، فإن الحرب اللامتكافئة على الإنترنت لم تفلح في وقف الإرهاب، تماماً كما فشلت غالبية الجيوش الكبرى في حربها ضد قواعد أقل قوة وتفرقاً. وصارت مواقع"القاعدة"ومروحتها التنظيمية الواسعة، شديدة الحضور والقوة على الإنترنت، كما تدل تجربة موقعي"سحاب"وپ"جهاديكا"مثلاً. وأعطت الحرب اللامتكافئة سمعة أسطورية لشخصيات مثل مليكة العرود"أُم عبيدة"48 سنة، بلجيكية من أصل عربي. ويرى كثيرون من الاختصاصيين أن التعامل مع المواقع الاجتماعية يفترض انكشافاً أمام التفاعلات الاجتماعية ولو في صيغتها الافتراضية على الانترنت، ما يتعارض مع الطابع السري الذي يميل تنظيم"القاعدة"الى العمل في ثناياه. وثمة مقارنة قد توضح أكثر هذا الأمر. فعلى عكس"القاعدة"، يوجد تنظيم"الإخوان المسلمون"بقوة في المواقع الاجتماعية مثل"فايس بوك"، وتتفاعل عناصره باستمرار وقوة مع بقية مُكوّنات تلك الظاهرة الشبكية. والمعلوم أن"الاخوان المسلمين"يعتمدون بشدة على الانتشار الاجتماعي. هل تُبدّل هجمة"القاعدة"من قواعد العمل شبه الحرّة السائدة راهناً في"فايس بوك"؟ أم أن التجربة تسير نحو ممانعة"مجتمعية"ضد التطرّف الإسلاموي، ولو في صيغ المُحاكاة الافتراضية للواقع الاجتماعي؟ نشر في العدد: 16703 ت.م: 27-12-2008 ص: 27 ط: الرياض