أصبح الحديث عن الإصلاح في الإسلام جزءا من استراتيجية السياسات الدولية لمنطقة الشرق الأوسط. وجاء الاهتمام بالإصلاح بعد أن توضح لكثير من الباحثين المسلمين والأجانب، بعد سلسلة أحداث منها أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001، وغيرها من الأحداث، أن الإسلام دين ودولة، أي دين ونظام سياسي وليس مجرد ناموس روحاني. وبالتالي فقد جاءت فورة الاهتمام بالإسلام من قبل كثير من الباحثين الغربيين بعد أن تأكد لكثير منهم تأثيره الطاغي في ثقافة شعوب المنطقة. شهدنا في العقد الأخير الكثير من المؤتمرات والندوات في عالمنا العربي والإسلامي وحتى لدى عدد من الباحثين الغربيين العقلانيين توجهاً يفيد بأنه لا يمكن تجديد الخطاب الديني في المنطقة العربية والإسلامية بدون الشروع في إصلاح سياسي شامل يشيد دعائم الدولة الديموقراطية التي تؤمن بالتعددية وحماية الحريات، وحرية الفرد بالتفكير والاختيار وهو الحق الذي بدونه لا تتوفر حرية البحث العلمي، وربطاً بذلك فإن تجديد الخطاب الديني لن يؤتي ثماره المرجوة من دون إصلاح ثقافي مجتمعي ينطلق من حق الحوار والمسائلة. كان من الملفت للنظر أن الربط بين مشروعي الإصلاح الديني والسياسي لم ينتصر على المثقفين العرب وحدهم، بل إن كثيراً من المثقفين الغربيين، وبعضهم ممن اعتنق الإسلام، أصبح لا يرى إمكانية لإصلاح ديني بدون عملية إصلاح سياسي شامل. وانطلاقاً من مبدأ أن الإسلام دين ودولة، أي دين وسياسة، فإن الإسلام بحاجة إلى ثورة فكرية عمادها السياسة. الإصلاح السياسي أسهل من الإصلاح الديني. إذ هو يتناول ضرورات راهنة ويمتلك قنوات معروفة. أما الإصلاح الديني فهو لا يعني مطلقاً تغيير أحكام الإسلام المعروفة، ولكنه يعني رؤية جديدة مختلفة للعالم، وإعادة قراءة التجربة التاريخية للمسلمين أو التجارب الأخرى بما فيها من العبر والدروس.. إن الفهم الصحيح لدور الدين في المجتمعات العربية والإسلامية يساعد كما يقول الباحث الإسلامي" عبد الوهاب المؤدب"على تنظيم العملية السياسية وفق أسس سليمة. ويحتاج هذا الإصلاح إلى وقت طويل بالمقارنة مع الإصلاح السياسي. فهو عملية تربوية وثقافية متكاملة تنشأ الأجيال خلالها على مفاهيم جديدة وتبني العلاقات بين الأفراد وفقاً لأسس جديدة. فالدين لا يتدخل فقط في علاقة الفرد بربه، وإنما ينسج المنظور الذي يرى الفرد من خلاله ذاته وغيره وعالمه. من هنا يأتي الرهان على أن إنجاز الإصلاح الديني من شأنه أن يعيد تنضيد العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وفق علاقة تبادلية تسهم بلا شك في إعلاء قيمة الإنسان وشأنه، وهو الأمل الذي تطمح لتحقيقه جميع الحضارات والثقافات وعلى رأسها الحضارة الإسلامية. * كاتب فلسطيني. نشر في العدد: 16663 ت.م: 17-11-2008 ص: 28 ط: الرياض