مضى أكثر من شهر منذ هيمنت المرأة على النقاشات الدائرة في المجتمع المغربي والشأن العام. العاشر من تشرين الأول أكتوبر كان يوماً رسمياً للمرأة المغربية، لتأخذ الكلمة وتقول إن لديها حقوقاً ومطالب وتطلعاتٍ ينبغي الإنصات لها، ومناقشتها بجدية ومسؤولية، والبحث في سبل تحقيقها. وبالطبع، كانت هذه المرأة متعلمة، مناضلة، حقوقية، وسياسية، وتعرف كيف تعبر عن نفسها وأين ومتى... بقية النساء، وجلهن ربات بيوت، وقرويات وعاملات بسيطات ومهمشات... لم يعنِ لهن يومهن الوطني كثيراً، أو شيئاً ما على الإطلاق. وإذا حصل وأحرزت النساء الأخريات مكسباً، ينتظرن زمناً ليفهمن ماذا يعني، وكيف يستفدن منه. نضالهن اليومي يخضنه منفردات، كل واحدة على طريقتها الخاصة، لأجل تدبير أعباء الحياة، داخل المنزل وخارجه، ومواجهة المشاكل اليومية. ومن حين الى آخر، عندما تشتد الأزمة عليهن، تلك المرتبطة بلقمة العيش الضرورية وأشياء أخرى حيوية، كالحق في الحياة والصحة، تخرج تلك النسوة عن صمتهن إلى الفضاء العام احتجاجاً، ويعلنّ مطالبهن بملء حناجرهن، ويرفعن رغيف الخبز، أو يحملن صور ضحايا المرض والبرد والفقر... وبعيداً من هؤلاء النسوة وأيامهن العادية، خرجت النساء، منتصف العام الماضي، في تجمع يضم نحو 1000 جمعية نسائية، يدعى بال"حركة من أجل ثلث المقاعد المنتخبة للنساء في أفق المناصفة"، للمطالبة بمطابقة واقع المرأة المغربية مع المواثيق والتشريعات الدولية، وتعديل مدوّنة الانتخابات. وتناضل"حركة الثلث"من أجل تخصيص"كوتا"للنساء لا تقل عن ثلث المقاعد السياسية، وتغيير نمط الاقتراع الفردي المعتمد في الانتخابات، واعتماد نظام الاقتراع باللائحة الوطنية، والحصول على التزام الأحزاب بترشيح النساء. واحتفال هذا العام بيوم المرأة الوطني، الذي سنّه الملك يوم صدرت، منذ خمس سنوات، مدونة الأسرة بإصلاحات كبرى في أحوال المرأة والأسرة والأطفال، اتّسم بديناميكية كبيرة بفضل تحرّكات وأنشطة نفّذتها جمعيات نسائية، ونساء سياسيات وحقوقيات. كن قرابة السبعمئة امرأة، جئن إلى العاصمة الرباط من مختلف مدن المغرب، ليشاركن في أنشطة كثيرة، ضمنها توقيع ما اصطلح عليه ب"نداء المساواة". طغى على النقاشات الانشغال بإصلاح مدونة الانتخابات، في أفق الاستحقاقات البلدية المقبلة المزمع إجراؤها مطلع صيف 2009. وذلك بغية رفع المشاركة والتمثيل النسائي فيها، إذ أن العمل السياسي يشكّل أكبر تحدٍ يواجه تمكين المرأة المغربية عموماً. وتسجل النساء غياباً شبه كامل عن تدبير الشأن العام في الجماعات المحلية، وهن لا يمسكن سوى بنسبة هزيلة جداً من المقاعد السياسية المحلية 0.5 في المئة، ما يعد مفارقة واضحة، مع تمثيلهن داخل الحكومة بسبع وزيرات وفي البرلمان 10 في المئة، وهي النسبة المقررة عبر نظام الكوتا الذي اعتمد للمرة الأولى في الانتخابات التشريعية عام 2002، رغم أن هذا التمثيل لا يرضي تطلعات النساء. "نداء المساواة"أطلقه في شكل حملة تحمل عنوان"مسيرة النساء نحو المساواة"، منتدى النساء البرلمانيات الذي شكلته قبل 3 أعوام البرلمانيات أنفسهن، خارج انتماءاتهن الحزبية، بهدف نشر الوعي بضرورة المشاركة الفاعلة للمرأة في الشأن العام، وفي مواقع القرار السياسي، وكسب الاعتراف العملي بدورها في دعم الديموقراطية والمساواة والتنمية. واعتمدت البرلمانيات وعدد من الوزراء خطة عمل في هذا الاتجاه، وضغط المنتدى على عامل الزمن، وطالب بوضع مقترحات تضمن مشاركة وازنة للنساء في استحقاقات 2009، تكون جاهزة وواضحة بحلول مناسبة"اليوم العالمي للمرأة"في 8 اذار مارس المقبل، وتضمن بقوة القانون تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء في التمثيل السياسي. ويواجه تعديل مشروع مدونة الانتخابات مجموعة انتقادات توجّهها البرلمانيات، كونه يقتصر على دعم تمثيل المرأة عبر"صندوق الدعم لتشجيع تمثيل النساء"، فقط. وكانت الحكومة المغربية أعلنت بداية الشهر الماضي اعتزامها وضع إجراء لرفع حصة المقاعد السياسية إلى الثلث، يقوم على تقديم حوافز مالية للأحزاب السياسية التي سترشح عدداً أكبر من النساء المؤهلات، واللواتي سيفزن خلال استحقاقات تموز 2009. وانتقدت البرلمانيات كون هذا الإجراء غير جوهري، ولفتن إلى أن المطلوب في إصلاح مدونة الانتخابات هو وضع قانون ملزم بالتدابير الضرورية لترشيح النساء، وضمان وصول المرأة إلى المجالس المحلية بتمثيل عادل. وقالت إحدى النائبات في المنتدى إنه يتعين الاجتهاد لتجاوز"الصعوبات الدستورية والقانونية التي تحول دون إدراج مقتضيات تشريعية صريحة لفائدة المرأة في المدونة". 127 برلمانية من 24 ألف مرشح في افتتاح الدورة التشريعية الخريفية للبرلمان المغربي، في 12 تشرين الأول أكتوبر الماضي، جاء في خطاب الملك محمد السادس:"هدفنا الأسمى هو ضمان تمثيل عادل للمرأة في الحكومة المحلية، وبخاصة تمكين المستشارين المحليين من الاعتماد على مساهمة المرأة المغربية التي عُهد إليها الاستقامة والواقعية والانسجام الاجتماعي". سبع وزيرات يشكلن 20 في المئة من أعضاء الحكومة المغربية، وأكثر من 10 في المئة في البرلمان. 0.5 في المئة هي نسبة عدد المقاعد السياسية المحلية التي تحتلها المغربيات، بواقع 127 برلمانية من أصل 24 ألف مرشح للانتخابات. تم تطبيق"كوتا"10 في المئة، للمرة الأولى في الانتخابات البرلمانية لعام 2002. واحتل المغرب بذلك المرتبة الثانية في العالم العربي، بالنسبة الى التمثيل النسائي في الشأن السياسي. تمثل النساء القرويات 39 في المئة من سكان البوادي النشطين. وضع المغرب استراتيجية وطنية لدمج مقاربة النوع في السياسات العامة. وزارة التشغيل والتكوين المهني، تُعدّ حالياً برنامجاً لاعتماد مقاربة النوع داخل الوزارة. للمرة الأولى منذ تأسيسه في 1965، منح المعهد الملكي المغربي للإدارة الترابية، الذي يقدم التدريب النظري والعسكري والمهني، شهادات التخرج لفوج من النساء في تموز يوليو 2007. يضم فوج قائدات الجماعات المحلية 19 امرأة، وحصلت إحداهن على أعلى درجة تمنحها الترقية مباشرة إلى رتبة والية إقليم. نشر في العدد: 16659 ت.م: 13-11-2008 ص: 23 ط: الرياض