اللهم لا شماتة، ولكن ... عصابة الحرب من الليكوديين الأميركيين بقيت حتى صباح يوم الانتخابات الأميركية تروّج للمرشح الجمهوري جون ماكين، وتتحدث عن نصر انتخابي، رغم إجماع استطلاعات الرأي العام على تقدم المرشح الديموقراطي باراك أوباما عليه. هم سبحوا ضد التيار الأميركي العام في الأسابيع الأخيرة، وكنت أسجل ملاحظات عما يكتبون أملاً بأن أشمت بهم بعد الانتخابات، وها أنا أفعل. زعيم عصابة المحافظين الجدد وليام كريستول كتب في مطبوعته"ويكلي ستاندارد"، الناطقة بلسانهم:"فيفا ماكين، أفضل رجل للمهمة". ونعرف الآن أن غالبية أميركية وقفت ضد ماكين وداعيته المتطرف. وارنون ميشكين في المطبوعة نفسها كتب موضوعاً عنوانه"لنسمّه تأثير ماكين: كيف سيختار الناخبون الذين لم يقرروا بعد ماكين". وهم لم يفعلوا كما حدث سنة 1982 مع المرشح الديموقراطي لمنصب حاكم كاليفورنيا توم برادلي الذي خسر الانتخابات رغم أن استطلاعات الرأي العام رجحته بفارق كبير. كانت هناك مقالات كثيرة ركزت على أن أوباما سُجّل كمسلم وهو صغير في مدرسة أندونيسية، وتبع ذلك اتهامه بأن له علاقة بالإرهاب والإرهابيين. كيف؟ لأنه شرب الشاي مع ارهابي أميركي سابق، هو الآن أستاذ جامعي، سنة 1995. والمتطرف دانيال بايبس سأل هل يستطيع أوباما مع سجله النجاح إذا أخضع لفحص يهدف الى اعطائه تصريحاً أمنياً. وهو زعم في مقال آخر أن بيت أوباما دُفع ثمنه بمال صدام حسين، في حين أن ديفيد هورفيتز، الذي يقود دعايات ضد"الإسلام الفاشستي"قال إن أوباما مرشح يساري، من دون أن يقول طبعاً أن اليمين الأميركي قتل ألوف الشباب الأميركيين في حرب لفقت أسبابها، مع مليون عراقي، وانتهى بإفلاس أغنى بلد في العالم. روبرت كاغان، أحد أبرز المحافظين الجدد، كتب مقالاً في"واشنطن بوست"عنوانه"لا تزال الرقم واحد"، والمعنى أن الولاياتالمتحدة لا تزال أول دولة في العالم. وهو لم يقل طبعاً إن مركز الولاياتالمتحدة أصبح موضع شك بسبب سياسة أمثاله في الحكم وحوله. وقرأت بعد ذلك مقالاً كتبه ألان بوك يتحدث عن أدلة تظهر تراجع الولاياتالمتحدة عن مركزها الأول. وركزت عصابة الشر على اقتراحات أوباما الاقتصادية، وقرأت أن موقف أوباما من الضرائب سيضر بالأغنياء من دون إفادة الفقراء، كما قرأت مقالاً عنوانه"هجوم سارقي محافظ النقود: تأكيد شكوكك في أوباما نومكس"، أي سياسة أوباما الاقتصادية، وهذا مع أن الصحف الرصينة أجمعت على أن اقتراحات أوباما سليمة، ومع أن الاستطلاعات أكدت أن الناخبين يثقون ببرنامج أوباما الاقتصادي، وكل هذا من دون أن نذكر أن سبب خراب الاقتصاد الأميركي هو سياسات المحافظين الجدد الذين بلغت بهم الوقاحة أن يهاجموا الآخرين. في الوقت نفسه رافقت الحملات على أوباما محاولات لتقديم جون ماكين وكأنه المخلّص الجديد. وقرأت"يدان نظيفتان، وقلب نقي: مكانة جون ماكين"، ثم قرأت غزلاً بنائبته سارة بيلين، رغم جهلها وإظهار الاستطلاعات كافة أنها أصبحت حجراً حول رقبة ماكين بعد أن خدع الأميركيون بها في الأسبوع الأول من بروزها على الساحة. المحافظون الجدد كانوا من الوقاحة أن قرروا أن ماكين ربح الجولة الثالثة من المناظرات التلفزيونية، ومن الانحطاط أن يهاجموا جائزة نوبل لأن الفائز بها هذه السنة كان بول كروغمان، وهو يهودي أميركي معتدل وأستاذ جامعي بارز يكتب في"نيويورك تايمز". مرة أخرى، اللهم لا شماتة، ولكن أعترف بأنني قرأت بسعادة بعد إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة عناوين الأسبوع الأخير من مطبوعتي المحافظين الجدد"ويكلي ستاندارد"و"ناشونال ريفيو"، ثم أعدت القراءة تشفياً بالعصابة التي بقيت على تطرفها وكذبها حتى آخر لحظة ثم قال الناخبون الأميركيون كلمتهم. لا أتوقع أن يخرس المحافظون الجدد وعصابة الحرب من الليكوديين الأميركيين أنصار اسرائيل فهم أوقح من ذلك، إلا أنني أجد أن زمانهم ولّى الى حين، وفي غضون ذلك أعترف بسعادتي لإذلال الناخبين الأميركيين المتطرفين وسياساتهم وابتعادهم عنها وعنهم. نشرت في عدد 16658 ت.م: 2008-11-12 ص: 40 ط: الرياض