أصدر المنتدى العربي للبيئة والتنمية تقريره السنوي بعنوان "البيئة العربية : تحديات المستقبل"، الذي نفذ في البحرين ومن موضوعاته: الهواء والمياه والتصحر، الشواطئ المهددة بالغرق، المبيدات والأمن الغذائي، التكنولوجيا الحيوية والصحة، آثار الحروب على بيئة العرب، تمويل البرامج البيئية، التربية والاعلام والتوعية، التشريعات البيئية. محررا التقرير الدكتور مصطفى كمال طلبه ونجيب صعب كتبا ملخصاً تنفيذياً يستعرض النتائج الرئيسية. في بداية القرن الحادي والعشرين، من الواضح أن القضية الأهم التي يواجهها العالم اليوم هي قضية البيئة. وقد برزت المشاكل البيئية بوضوح في التحذيرات العلمية ومخاوف الجمهور واهتمام وسائل الاعلام، كما بدأت تأخذ طريقها إلى البرامج السياسية. والعالم العربي ليس معزولاً عن بقية العالم في ما يتعلق بهذا الموضوع. تقرير""البيئة العربية: تحديات المستقبل""يهدف الى تسليط الضوء بشكل شامل على أهم القضايا البيئية التي يواجهها العالم العربي، ويحاول تقديم مقترحات للتعامل معها الى صانعي القرار والمواطنين والمؤسسات العلمية والأكاديمية ووسائل الاعلام، لتخفيف الأخطار التي يخلقها التدهور البيئي. وهو التقرير الأول من نوعه، تم إعداده من قبل خبراء مستقلين من أنحاء المنطقة العربية. شهد العالم العربي تغيرات هائلة في القرن الماضي. فقد ارتفع عدد سكانه من نحو 50 مليون نسمة منذ قرن الى أكثر من 325 مليوناً حالياً. وخلال هذه الفترة بالذات، تدهورت البيئة وتضاءلت الموارد الطبيعية، نتيجة أنماط تنموية لم تكن مستدامة الى حد بعيد. وفي معظم الحالات، كانت السياسات في غالبيتها. إن تغير المناخ، وارتفاع معدلات النمو السكاني، فضلاً عن النمو الاقتصادي والحضري السريعين في بعض البلدان، كلها عوامل تُضاعف تعرّض المنطقة للتحديات البيئية وتقيد قدرتها على إدارتها. ومن التحديات البيئية الرئيسية التي تواجهها المنطقة شحّ المياه، وتدهور الأراضي والتصحر، والقدرات غير الوافية لادارة النفايات، وتدهور البيئة الساحلية والبحرية، وتلوث الهواء وانعكاسات الاحترار العالمي. تكاليف التدهور البيئي ويقدّر البنك الدولي أن الكلفة السنوية للتدهور البيئي تتراوح بين 4 و9 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في بعض البلدان العربية، بمعدّل عام يصل الى خمسة في المئة. وعلى سبيل المقارنة، فإن المعدل في أوروبا الشرقية يبلغ خمسة في المئة، فيما يتراوح بين اثنين وثلاثة في المئة في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. في الوقت ذاته، فشلت حكومات المنطقة في مواجهة هذه التكاليف البيئية المتصاعدة بسياسات واضحة وفعالة. والأموال التي تخصصها الموازنات للأغراض البيئية لا تقارب الواحد في المئة من الناتج الاجمالي المحلي في أي من بلدان المنطقة. يضاف الى ذلك أن المؤسسات البيئية القائمة لم تُمنح أي دعم حقيقي أو مهمات تشريعية قوية. يتضح من التقرير أنه يجب التسليم عاجلاً بأن القضايا البيئية تستحق أولوية سياسية واقتصادية، بالتساوي مع القضايا الماكرو اقتصادية الرئيسية الأخرى. وتحديداً، يجب أن تدخل قضية الاستدامة البيئية في جميع جوانب التنمية والسياسات الماكرو اقتصادية، وهذا أمر لم يتحقق بعد. ويتبع هذا تقوية القدرات على اتخاذ التدابير العملية. ويمكن تحقيق هذا من خلال مقاربة ذات شقين: أولاً، استحداث تشريع شامل ومتكامل وواضح وفعال. وثانياً، ضمان أن تُمنح المؤسسات البيئية الموارد والصلاحيات السياسية لتحقيق التقدم الضروري. الى جانب تقوية المؤسسات الرسمية والتشريع، ينبغي على حكومات المنطقة دعم جهود البحث العلمي والتطوير. ويجب على القطاع الخاص أن يتخذ أيضاً مزيداً من المبادرات لدمج الاعتبارات البيئية في عمليات التخطيط، منتقلاً من حصر المسألة في المساعدات الخيرية، الى مفهوم المسؤولية الاجتماعية والادراك الحسي للمسؤولية البيئية. ولن يجدي أي من هذه نفعاً من دون دعم الجماهير العربية، الذي لا يمكن تحقيقه في غياب جهد حقيقي من جانب وسائل الاعلام والمجتمع المدني. المياه المنطقة العربية هي من المناطق الأكثر شحاً بالمياه في العالم. فقد بلغ معدل المياه المتوافرة سنوياً للفرد الواحد في البلدان العربية 977 متراً مكعباً عام 2001، هابطاً الى أدنى من تعريف الأممالمتحدة للفقر المائي. والتوقعات غير مشجعة: فبحلول سنة 2023، يتوقع أن ينخفض الرقم الى 460 متراً مكعباً. والواقع انه باستثناء مصر والسودان والعراقولبنان وسورية، يتوقع أن تعاني جميع البلدان العربية ضغطاً حاداً على المياه بحلول سنة 2025. ومن المحتمل أن يؤدي الاحترار العالمي المتوقع وما يستتبعه من تغير مناخي الى زيادة الضغط على الامدادات المائية المتضائلة أصلاً. تشكل قضايا السياسات مشكلة رئيسية عندما يتعلق هذا الأمر بالمياه. فإن ما يزيد على 80 في المئة من معظم الامدادات المائية المتوافرة في المنطقة العربية يُستعمل في الري. الى ذلك، فإن مستويات الكفاءة في استخدام المياه منخفضة نسبياً في المنطقة، إذ تتراوح بين 37 و53 في المئة. تغير المناخ بالرغم من أن المنطقة العربية لا تساهم بأكثر من 5 في المئة من انبعاثات الغازات المؤدية الى تغير المناخ العالمي، فإن تأثيراته على المنطقة ستكون قاسية جداً. وبحسب دراسات حديثة أجريت وفق نماذج مناخية، فإن العالم، ومن ضمنه المنطقة العربية، سيواجه زيادة في معدل درجات الحرارة السطحية تراوح بين درجتين مئويتين و5,5 درجات، بمتوسط ثلاث درجات مئوية مع نهاية القرن الحادي والعشرين. وبالاضافة الى ذلك، سوف يواكب هذه الزيادة في درجة الحرارة انخفاض متوقع في الأمطار يصل الى 20 في المئة. ومن النتائج التي سيعاني منها العالم، ومنه المنطقة العربية، فصول شتاء أقصر، وفصول صيف أكثر جفافاً وسخونة، وارتفاع معدل موجات الحر، وازدياد التقلبات المناخية، وحصول أحداث مناخية متطرفة أكثر تكراراً. يبيّن التقرير وجود نقص منذر بالخطر في القدرات العلمية والتكنولوجية، فضلاً عن الارادة السياسية للتصدي للمشاكل التي يسببها تغير المناخ في المنطقة العربية ومواجهتها. ولا توجد مرافق علمية كافية لدراسة هذه الظاهرة، كما لا تخصص أموال كافية للأبحاث. والدراسات التي تجرى ما زالت تترك فجوات يجب ردمها. نوعية الهواء مع استمرار تدهور نوعية الهواء في المدن العربية بشكل مطرد، ترتفع تكاليف العواقب الصحية والبيئية على نحو كبير. والمشاكل الصحية التي تعزى الى تلوث الهواء الناتج من قطاع النقل وحده تكلف البلدان العربية أكثر من خمسة مليارات دولار سنوياً. تعتمد البلدان في المنطقة العربية الى حد بعيد على النقل البري الشخصي، وهذه حقيقة أثبتتها المعدلات العالية لامتلاك السيارات. وعلى سبيل المثال، فإن عدد السيارات لكل 1000 مواطن هو 434 في لبنان و378 في قطر و357 في الكويت و336 في السعودية و322 في البحرين. وقطاع النقل مسؤول عن نحو 90 في المئة من مجمل انبعاثات أكاسيد الكربون في البلدان العربية. وارتفعت انبعاثات أكاسيد الكربون للفرد الواحد بشكل مطرد في معظم بلدان المنطقة في العقود الثلاثة الأخيرة. وعلى المستوى الاقليمي، تنفث البلدان الخليجية نحو 50 في المئة من مجمل انبعاثات البلدان العربية جميعاً. يضاف إلى هذا أن البلدان في هذه المنطقة هي الوحيدة في العالم العربي التي تتجاوز انبعاثاتها من ثاني أوكسيد الكربون المعدل العالمي. ولاعطاء بعض الأمثلة، ففي عام 2003 كانت الانبعاثات في الاماراتوقطروالبحرين والكويت أعلى من المعدل العالمي ب 13 و9 و8 و7 مرات على التوالي. وهناك مشكلة رئيسية في المنطقة العربية، هي أن بلداناً قليلة فقط تراقب مستويات تلوث الهواء بشكل كاف ومنهجي ومتناسق، ما يجعل الأبحاث العلمية والقرارات السياسية صعبة. الحاجة ملحّة إلى مزيد من الاجراءات. ففي قطاع النقل، يجب جعل المحركات أكثر كفاءة، ويجب تشجيع استعمال السيارات الهجينة هايبريد وأنواع الوقود الأنظف، وتطوير النقل العمومي وترويجه. إلى جانب وسائل النقل، فإن محطات توليد الكهرباء والمصانع والحرق المكشوف للقمامة هي مصدر معظم الانبعاثات الضارة التي تُنفث في الهواء. والأمر يحتاج إلى الكثير في مجالات البحث والتطوير لتطبيق مبدأ الانتاج الأنظف واعتماد أفضل نظم توليد الطاقة وأكثرها كفاءة. ومن الضروري وضع حظر كامل لحرق النفايات في الأماكن المكشوفة. ويوصي التقرير بإلغاء أشكال دعم المحروقات التي تشجع على التبذير، وتحسين الكفاءة الحرارية من خلال التطور التكنولوجي، واستخدام موارد الطاقة المائية إلى أقصى الحدود، واستعمال مصادر الطاقة المتجددة، خصوصاً الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، على نطاق واسع، واستخدام أنواع الوقود الأقل تلويثاً، مثل الغاز الطبيعي، بشكل متزايد. البيئة البحرية والساحلية البلدان العربية التي تمتد من المحيط الأطلسي الى المحيط الهندي، وتشمل البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج، لها خط ساحلي يزيد طوله على 30,000 كيلومتر، منها 18,000 كيلومتر مناطق آهلة بالسكان. والبيئة البحرية والساحلية في المنطقة العربية يهددها التلوث والافراط في صيد السمك وخسارة التنوع البيولوجي وتغير المناخ ومشاكل أخرى. لكن لهذه المناطق أهمية حيوية للبلدان العربية، إذ توفر منافع للصحة العامة والأمن الغذائي والراحة، ومنافع اقتصادية واجتماعية أخرى. منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، وهي من البيئات الساحلية والبحرية الفريدة في العالم، تهددها تشكيلة من النشاطات البشرية، مثل عمليات التجريف والردم، والتخلص من مياه الصرف المنزلية والصناعية، وتَوسع الصناعة السياحية. وغالبية هذه التهديدات حديثة المنشأ نسبياً، ولذلك يمكن أن تعزى جزئياً على الأقل الى التنمية غير المستدامة. وتعتبر المنطقة البحرية التابعة للمنظمة الاقليمية لحماية البيئة البحرية روبمي الخليج منطقة تلوث تنطوي على أخطار كبيرة. وسبب ذلك، بنوع خاص، العدد الكبير لمنشآت النفط والغاز البحرية وموانئ تحميل الناقلات وارتفاع حجم حركة النقل البحري للنفط وكثافته. ويقدر ان نحو مليوني برميل من النفط تراق نتيجة التصريف الروتيني لمياه حفظ توازن الناقلات والوحول الزيتية المترسبة في خزاناتها ومن 800 منصة لاستخراج النفط والغاز. القحل والجفاف والتصحر من الهموم الضاغطة بنوع خاص على جزء كبير من العالم العربي ارتفاع درجة القحل وما يرافقها من ازدياد تعرض الأراضي لتغير المناخ، فضلاً عن ندرة المياه وتغيرها. وتواجه الموارد الأرضية بنوع خاص في المنطقة العربية ثلاثة تحديات رئيسية: القحل وموجات الجفاف المتكررة والتصحر. والواقع أن جميع الأراضي المنتجة زراعياً في البلدان العربية هي أنظمة هشة ميالة للتدهور ومعرّضة للتصحر الى حد بعيد. ويبيّن تقرير""البيئة العربية: تحديات المستقبل""أن التصحر يمثل التهديد الأكثر الحاحاً للأراضي المنتجة في المنطقة العربية برمّتها. ومن المهم للغاية الادراك أن التصحر هو أساساً ظاهرة من صنع الانسان يفاقمها تغير المناخ، والمطلوب اتخاذ اجراءات فعالة في كل بلد عربي لتخفيض دور الانسان في توسّع التصحر. المطلوب في المنطقة العربية مقاربة متكاملة تدرك إلحاح معالجة أخطار تدهور الأراضي. ويجب أن تتضمن هذه المقاربة جهوداً علمية وصناعية واجتماعية وتشريعية. وتوجد مؤسسات مثل المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة أكساد في دمشق، والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة ايكاردا في حلب، كما توجد وحدات أبحاث جامعية ومراكز أبحاث وطنية مختصة بالتصحر. لكن يجب حشد المزيد من الموارد لدعم البحث العلمي الذي يُعنى باستنباط الحلول التي تجد طريقها الى التنفيذ. ومن الأمثلة الواعدة مبادرات في السعودية وقطروالامارات ومصر لتأسيس صناديق لدعم الأبحاث، يؤمل أن تشتمل على برامج لتنمية الأراضي والموارد المائية وإدارتها بطريقة مستدامة. المبيدات والأسمدة تُستعمل على نطاق واسع في المنطقة العربية، ويُساء استعمالها في كثير من الحالات. وقد تضاعف استعمال أسمدة NPK في البلدان العربية أربع مرات بين عامي 1970 و2002، حيث أن الامارات ومصر أكثر من 900 كيلوغرام من الأسمدة لكل هكتار وعُمان 644 كيلوغراماً ولبنان 414 كيلوغراماً تستعمل بعض أعلى كميات الأسمدة لكل هكتار في العالم. ويثير الاستعمال المكثف للمبيدات والأسمدة مخاوف حول سلامة الغذاء كقضية صحية عمومية. وما هو مفقود في معظم البلدان العربية فرض أنظمة وضوابط على بيع المبيدات وتداولها واستعمالها. إدارة النفايات ينتج العالم العربي نحو 300,000 طن من النفايات الصلبة كل يوم، ينتهي معظمها، من دون معالجة، في مكبات عشوائية. ويعالج أقل من 20 في المئة حسب الأصول أو يتم التخلص منه في المطامر، فيما يعاد تدوير ما لا يزيد على 5 في المئة. وإنتاج الفرد الواحد من النفايات الصلبة البلدية في بعض البلدان العربية، مثل الكويت والرياض وأبوظبي، هو أكثر من 1,5 كيلوغرام في اليوم، ما يجعله من أعلى المستويات في العالم. يضاف الى ذلك أن أجزاء المنطقة العربية التي تشهد نمواً اقتصادياً وحضرياً سريعاً تنتج أيضاً الكثير من مخلفات الهدم والبناء. لذلك، فإن أحد المضاعفات الثانوية للنمو الاقتصادي المتزايد والازدهار هو تزايد مستويات إنتاج الفرد الواحد من النفايات. ويقترح التقرير أن تنكب بلدان المنطقة العربية على مشاريع تؤدي الى استحداث نظام متكامل لادارة النفايات، قادر على تداول كميات النفايات المرتفعة التي يتم إنتاجها والتخلص منها بأمان، بدءاً بتقليل النفايات وإعادة استعمالها، وصولاً الى نسبة عالية من إعادة التدوير. وبالنسبة الى الصناعات، يجب تطبيق تكنولوجيات الانتاج الأنظف لتخفيض النفايات المتولدة، بدلاً من حصر الجهود في معالجة النفايات""عند طرف الأنبوب""، أي بعد انتاجها. النمو الحضري النمو الحضري ظاهرة يمكن مشاهدتها في أنحاء المنطقة العربية، وتزيدها استفحالاً عوامل مثل ارتفاع نسب الخصوبة والهجرة من الريف الى المدينة واستقدام العمالة الأجنبية وتركز النشاط الاقتصادي في المناطق الحضرية. وفيما تقدر نسبة السكان العرب في المدن حالياً بنحو 56 في المئة، يتوقع أن يرتفع هذا الرقم الى 66 في المئة بحلول سنة 2020. ومستويات النمو الحضري عالية على وجه الخصوص في الكويت 97% والبحرينوقطر 92%. النمو الحضري السريع في المنطقة العربية يجلب معه كثيراً من الضغوط على البيئة. فمشاريع التنمية الاقتصادية الكبيرة لا تسبقها حالياً دراسات كافية وشفافة لتأثيراتها البيئية. لذلك يبقى أن نرى ما إذا كان ارتفاع نسبة النمو الحضري في المنطقة العربية يمكن أن يجاريه ارتفاع بصورة متساوية في نسب مخصصات التنمية البشرية والبنى التحتية. الأبحاث العلمية البيئية في حين يقارب عدد الأبحاث في العالم العربي العدد في بقية أنحاء العالم نسبياً، وكان ينمو بنسبة 6 الى 7 في المئة سنوياً بين 1994 و1998، أي ضعفي معدل النمو السكاني، فإن معدل الانفاق على الأبحاث العلمية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الاجمالي منخفض الى أبعد الحدود في المنطقة العربية، أي نحو 0,2 في المئة. والمعدل العالمي هو 1,4 في المئة، وفي اليابان يبلغ 4 في المئة. والمعدل في العالم العربي هو المعدل الاقليمي الأدنى في العالم بأسره. وحصة العالم العربي من الدراسات البحثية منخفضة، أما مساهمته في براءات الاختراع فتكاد لا تذكر. ما يفاقم هذه المشكلة، وكنتيجة طبيعية مباشرة للوضع الذي تم وصفه، تواجه المنطقة ما يسمى""هجرة الأدمغة": أي الأعداد الكبيرة من الباحثين العرب الذين يهاجرون بحثاً عن أوضاع أفضل لاعداد بحوثهم. على سبيل المثال، كان هناك 12,500 باحث مصري و11,500 باحث لبناني يعملون في الولاياتالمتحدة عام 2000. يوصي التقرير بأن تتحمل المؤسسات والهيئات والجماعات المؤثرة في القطاعين العام والخاص مسؤوليتها. والأبحاث ذات المستوى الرفيع تعتمد بشكل حاسم على توافر الموارد بالشكل الكافي. وفي حين يمكن للحكومات أن تساهم من خلال توفير الدعم المالي للأبحاث بصورة مباشرة، يجب أيضاً استحداث حوافز قانونية واقتصادية لتحفيز مشاركة القطاع الخاص في تقديم التمويل للأبحاث العلمية. كما يوصي التقرير بأن يتم استحداث قواعد معلومات علمية إقليمية وتقويتها. ترتبط التربية البيئية ارتباطاً وثيقاً بموضوع البحث العلمي البيئي على جميع المستويات. وقد تم اتخاذ عدد من المبادرات بهذا الخصوص في العالم العربي. ورصد التقرير 40 مركزاً بحثياً للدراسات البيئية، و27 برنامجاً جامعياً و24 برنامجاً للدراسات العليا حول البيئة. ومع ذلك، فإن هذه البرامج ما زالت في مرحلتها الأولى، وكثير من فروع المعرفة لا وجود لها، مثل التشريع والادارة البيئيين، فضلاً عن دمج البيئة في خطط وبرامج ومشاريع التنمية. البيئة في وسائل الاعلام العربية هناك عنصر أساسي هام في العمل الفعال لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة بيئياً، هو دور وسائل الاعلام، خصوصاً لنشر المعلومات وتوفير التربية البيئية ومراقبة الاجراءات بشكل نقدي. وقد تم رصد نحو مئة نشرة دورية تحمل أسماء لها علاقة بالبيئة. لكن موضوع البيئة نادراً ما حَظي بمعالجة في العمق، كما أن التحاليل النقدية ووجهات نظر الخبراء نادراً ما تم الالتفات إليها. هذا العيب تظهره، على سبيل المثال، حقيقة أن أقل من 10 في المئة من الصحف العربية لديها محررون أو مراسلون متفرغون متخصصون في قضايا لها علاقة بالبيئة والتنمية المستدامة، مع وجود نسبة مئوية مماثلة في جميع وسائل الاعلام صحافة وإذاعة وتلفزيون تخصص صفحة أسبوعية أو برنامجاً منتظماً للقضايا البيئية. التشريع البيئي يوجد ضعف عمومي في التشريع البيئي في المنطقة العربية. فالمقاييس البيئية التي نصت عليها القوانين العربية ذات العلاقة، غالباً ما صيغت بما ينسجم مع مقاييس تطبق في البلدان المصنَّعة المتقدمة. وهي، في كثير من الحالات، لا تعكس الظروف البيئية المحددة والوضع التقني والاقتصادي في البلدان العربية. هذه المسألة تجعل من الصعب، من منظور اقتصادي، التقيد بهذه المقاييس أو وضعها قيد التطبيق العملي. وفي ما يتعلق بالاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف MEAs، فإن تصديقها وتنفيذها في المنطقة العربية لم يكونا مثاليين. وفي 49 في المئة من الحالات، لم تنضم البلدان العربية الى المعاهدات الدولية إلا بعد سريان مفعولها. وهذا قد يعزى الى انعدام انخراط البلدان العربية في الصياغة الأولية لهذه المعاهدات وبطء عمليات تصديقها في البلدان المعنية. البيئة والحروب في المنطقة حالياً ما لا يقل عن نزاعين دوليين رئيسيين مستمرين النزاع العربي الاسرائيلي والعراق وما لا يقل عن خمسة نزاعات داخلية الجزائر، الصومال، السودان، الصحراء الغربية، اليمن. وعانى لبنان حرباً قصيرة وإنما رئيسية في صيف 2006، وتعاني بعض البلدان العربية مزيجاً من النزاع الدولي والأهلي، كما يحدث في العراق والأراضي الفلسطينية والصومال. ورغم أن العناصر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لهذه النزاعات هي التي تجتذب الأضواء عادة، إلا أن آثارها البيئية السلبية كبيرة. الى جانب تحليل التأثيرات البيئية للنزاع بالتفصيل في الحالات الثلاث التي سبق ذكرها، يقدم هذا التقرير عدداً من الاقتراحات للدول العربية في هذا المجال. يُقترح إنشاء صندوق عربي لمساعدة البلدان في التعامل مع أسباب النزاع ذات الجذور البيئية، وأيضاً لمعالجة التأثيرات الأكثر الحاحاً للحرب. كذلك يوصي التقرير بمزيد من التعاون الاقليمي والدولي من أجل توفير القدرة على الانذار المبكر وتقييم الروابط بين النزاع والبيئة. كما يوصي بتعاون أوثق مع المنظمات الدولية، وخصوصاً الأممالمتحدة، من أجل الاعتماد على الموارد العلمية والتكنولوجية والمالية الدولية والخبرة المتوافرة في تحليل وتخفيف التأثيرات البيئية للحرب، خصوصاً في المجالات التي لم تلق اهتماماً كافياً مثل تأثير الرؤوس الحربية المصنوعة من اليورانيوم المستنفد والألغام. خاتمة الوضع ليس قاتماً كلياً. فغالبية البلدان العربية لديها حالياً إما وزارة بيئة أو هيئة بيئة حكومية أو الاثنتان معاً. والمجتمع المدني والقطاع الخاص ينخرطان أكثر في الأمور البيئية، لكن بمستويات مختلفة من الفعالية. وقد بدأت بعض الجهات الحكومية المسؤولة عن البيئة بوضع خطط استراتيجية، مثل هيئة البيئة في أبوظبي التي أطلقت في نيسان أبريل 2008 استراتيجية بيئية للامارة. وقد حددت هذه الاستراتيجية النموذجية أهدافاً على مرحلتين من سنتين وخمس سنوات، تشمل عشرة مجالات ذات أولوية: الاستدامة البيئية، إدارة الموارد المائية، نوعية الهواء، النفايات الخطرة، التنوع البيولوجي، الوعي البيئي، نظم السلامة، الكفاءة التنظيمية، إدارة الحالات الطارئة، نظم المعلومات. هذه المبادرات مطلوبة في أنحاء المنطقة العربية، مع تشديد كبير على الاستعداد لتنفيذها بشكل وافٍ. إن مصير المنطقة العربية مرتبط على نحو لا مناص منه بحالة بيئتها، التي تفرض على الدول العربية العمل معاً لمواجهة التحديات المشتركة، وللتعاون كجبهة واحدة في المبادرات البيئية العالمية. يأمل تقرير""البيئة العربية: تحديات المستقبل""أن يساهم في تنبيه الحكومات ورفع وعي المواطنين وحفز المؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص ووسائل الاعلام في المنطقة العربية للتركيز على ضرورة دمج القضايا البيئية في خطط التنمية الوطنية. لقد تم تحقيق الكثير في المنطقة العربية في ما يتعلق بالوعي والمبادرات البيئية، لكن الأكثر ما زال مطلوباً. عراقي من عرب الأهوار، التي تم تجفيفها في العهد السابق، قرب قرية الفهود شمال البصرة وصف، 1/10/2008