تمارس السلطة المركزية في بغداد هواية خطرة تمرست عليها في العهود السابقة. وتزداد مخاوف هذه الهواية بازدياد رقعة الصراع الدائر حول المطالب الكردية المشروعة وانفجار البالونات الملونة على طاولة الحوارات الساخنة بين بغداد والقيادة الكردية التي ترى ضرورة تنفيذ الاستحقاقات الكردية جملة وتفصيلاً في عاصمة الرشيد. وتطرح القيادات الكردية في حوارها مع بغداد نتيجة تراكم خبرات الماضي ومعرفة التحركات الإقليمية والدولية تجاه الملف الكردي سؤالاً مفاده: هل يصل حوارنا مع الحكومة المركزية الى الأهداف المنشودة التي ترضي كل الأطراف بعيداً من المساومات؟ في وقت تدرك هذه القيادات جيداً أن بغداد لا تتفاوض بل تمارس دور المفاوضات بلهجة الصدق الكاذب، والتجارب التاريخية أثبتت هذه الحقيقة المرّة وهي أن السلطة المركزية تعرف كيف تشنق الخطاب الكردي على أبواب بغداد إن لزم الأمر. فكلما تسلم نظام جديد مقاليد الحكم في العراق يبدأ بملاطفة الطرف الكردي وإظهار المرونة وسعة الصدر في تنفيذ مطالبه. إنها أزمة الثقة المعدومة بين الطرفين في سفينة مثقوبة لا تمتلك السلطات العراقية النية والجرأة لحلها ووضع حد للتدخلات الإقليمية والدولية، خصوصاً ما يتعلق بمدينة كركوك الكردستانية اعتماداً على الوثائق التاريخية ومن بينها إحصاء عام 1957. وبينما لا يبدي الطرف العربي أي مرونة أمام الاستحقاقات المعلنة في الدستور العراقي المتعلقة بالصلاحيات السياسية والإدارية لحكومة إقليم كردستان، تمارس بغداد أيضاً تحركاً فاعلاً في تجميد النشاطات الاقتصادية لإقليم كردستان، خصوصاً ما يتعلق بالعقود النفطية المبرمة مع الشركات الأجنبية التي تعتبرها بغداد غير قانونية وغير شرعية. إضافة الى وضع العراقيل أمام تحديد موازنة الإقليم من واردات العراق ناهيك عن تقليص دور وصلاحيات العناصر الكردية المشاركة في الحكومة العراقية وإبعادهم عن مصادر القرارات السياسية المهمة. وتترنح تحت وطأة هذه الممارسات القيادات العسكرية الكردية في صفوف القوات المسلحة العراقية من كبار الضباط من طريق مراقبة تحركاتهم وتهميش إمكاناتهم العسكرية بسبب انتمائهم القومي. إن فصول الرواية في تاريخ الحوار مع بغداد مع الأسف مملوءة بالمؤامرات الدفينة تحت جليد السنين، فالكردي في بغداد دائماً بحاجة الى إثبات براءة ذمته بينما لم يقترف ذنباً ولم يطالب سوى بحرية شرعية وفي حدود تعاليم السماء التي تتحدث عن القسطاس المستقيم وإعطاء كل ذي حق حقه. إن كلمة كردستان في رأي الكثيرين من صنّاع القرار في بغداد من الاخوة العرب يجب أن تكون دائماً محاصرة بآلاف العساكر والتلفظ بها معصية حمراء. أما نحن فبعد 50 عاماً من الحوار المباشر ما زلنا نحمل تحت إبطنا حبالاً لكي نمنح الأمان لشعبنا بعدما مزق العساكر أجسادهم بالحراب، لذا جيلنا جيل صاعد وغاضب من كل الممارسات السابقة والمؤامرات التي حيكت ضد حرمة الحياة. لقد أثبتت التجربة الرائدة في إقليم كردستان أننا شعب مقتدر نفلحُ الآفاق وننكشُ التاريخ من جذوره إذا دعت الحاجة، كما قال الجواهري:"شعب دعائمه الجماجم والدم/ تتحطم الدنيا ولا يتحطم". آريان ابراهيم شوكت - بريد إلكتروني