"الحكومة المعلوماتية بدلاً من الحكومة الإلكترونية". ذلك هو الشعار الذي ترفعه جامعة الدول العربية راهناً ضمن خطة استراتيجية شاملة تتضمن 19 محوراً لدعم تحوّل الدول العربية نحو اقتصاد المعرفة ولاندماجها في الاقتصاد العالمي المرتكز على المعلومات. وظلت"الحكومة الإلكترونية""إي-غفرنمانت"e-Government هدفاً للدول العربية خلال السنوات الماضية، فنجح بعضها بنسب متفاوتة بسبب تباين الظروف والمعطيات في كل دولة. وراهناً، لم تعد"الحكومة الإلكترونية"هدفاً في ذاته ولا يتجاوز دورها كونها"أداة"للوصول إلى الهدف الحقيقي وهو"الحكومة المعلوماتية"Information Government واختصاراً"أي -غفرنمانت"I-Government، بحسب الدكتور عبدالرحمن صبري مدير إدارة الاتصالات وتقنية المعلومات في الجامعة العربية، الذي تحدث الى"الحياة"على هامش مؤتمر حول الحكومة الإلكترونية استضافته دبي أخيراً. وأكّد صبري أن"الحكومة الإلكترونية ليست أكثر من وسيلة لتيسير الأعمال، بينما"الحكومة المعلوماتية"هي الهدف الحقيقي الذي يجب على الدول العربية السعي الى إقامتها للاندماج في مجتمع المعرفة العالمي". وأوضح أن الخبراء العرب وضعوا استراتيجية شاملة تتضمن 19 مشروعاً مهماً يجرى البحث عن مصادر تمويل لها. ووافق"الاتحاد الدولي للاتصالات"على تمويل جزئي لخمسة من هذه المشروعات. ويُذكر أن المبادرات القطرية تُشكّل أساساً في تنفيذ تلك الاستراتيجية. تعريب الحرف العربي! ووفقاً لصبري، يمثل"تعريب الحرف العربي على الإنترنت"أحد أهم تلك المشروعات. ويجرى العمل على تنفيذه بالتعاون مع منظمة"يونيسكو"بعد توقيع مذكرة تفاهم بين الجانبين في هذا الشأن. والمقصود بالتعريب هنا هو وضع مُعادلة لكتابة الحروف العربية باستخدام اللغة الرقمية التي تتألف من تسلسلات من رقمي صفر وواحد. والمعلوم ان الحرف العربي"يُكتب"راهناً باستخدام ترميز يرتكز على المُعادلة الرقمية للغة البولندية. ويُشكّل"تعريب مصطلحات تقنية المعلومات والاتصالات"المشروع الثاني في الأهمية ضمن لائحة مشاريع الجامعة العربية. ويجرى تنفيذه بالتعاون مع لجنة الأممالمتحدة لدول غرب آسيا اسكوا و"الاتحاد الدولي للاتصالات"، و"جمعية المعلومات السورية". وفي هذا الإطار، كشف صبري ان الجامعة"تعتمد استراتيجية قوامها تحويل بعض المشاريع القطرية المتصلة باللغة العربية إلى مشاريع عربية شاملة، ما يعني تقليل النفقات والاستفادة من الجهود المشتركة، خصوصاً ان بعض الدول العربية مثل دول الخليج وتونس والاردن قطعت شوطاً أبعد من غيرها في هذه المجالات. وكذلك من المستطاع الاستفادة من جهود"جمعية المعلوماتية السورية"في قضية تعريب المصطلحات لتعميمها عربياً. ويُضاف إلى ذلك ما حققته دبي تقنياً في المجال ذاته". ويقضي مشروع تعريب المصطلحات بإصدار"فلتر عربي"للمصطلحات التقنية، يُسهل على مستخدمي الكومبيوتر والإنترنت الاستفادة من الترجمة الفورية المتوافرة على مجموعة كبيرة من المواقع الإلكترونية. ويتمثل المشروع الثالث في انشاء"مركز التوثيق الرقمي العربي"الذي يمثل العمود الفقري في هذه العملية من التطوير. ومن المتوقع أن يُشكّل هذا المركز وعاء تقنياً للتراث الحضاري والثقافي والاجتماعي للمنطقة العربية عبر تاريخها الطويل. وتعتمد الخطة تحويل أحد مراكز التوثيق الوطنية ليصبح مركزاً عربياً رئيساً، تضاف اليه المشاريع المشابهة في الاقطار المختلفة مع تحديثها وتطويرها باستمرار. ويتضمن المشروع ذاته إنشاء مكتبة ضخمة. وشدّد صبري على صعوبة تحديد جدول زمني لتنفيذ تلك المشاريع الثلاثة، مؤكّداً أنها تتصدر لائحة المشاريع التسعة عشر المذكورة. وأوضح أن الاختلاف بين الدول العربية يتعلق بمستوى التنفيذ وحجم الإنفاق والمخصصات ومستوى البنية التقنية وغيرها. وكي لا تأخذ الخطة طابعاً نظرياً، اتّفِقَ على تشكيل فريق عمل مهمته وضع خطة تشغيلية وصنع مؤشرات محددة لقياس نسب الإنجاز والاهداف المطلوب تحقيقها حتى عام 2012. ولفت صبري الى أن التحوّل إلى"الحكومة المعلوماتية"ليس بجديد عالمياً، إذ سبق ان اعتمدته"قمة مجتمع المعلوماتية الدولية"التي عُقدت في دورتين استضافتها جنيف في 2003 وتونس في 2005. وأشار إلى أن اعلان تونس حدد بدقة مراحل الوصول إلى مجتمع المعلوماتية وحكومته،"وبذا لم يبق على الدول العربية سوى المسارعة بتبني تلك المشاريع وتنفيذها". وبيّن ان الدول العربية"لديها ما يمكن تسميته"نقاط قوة"يمكن استغلالها"، مؤكداً ان"الفرص الأساسية تتمثل في تعزيز المحتوى العربي الرقمي على الإنترنت الذي لا يزال متواضعاً جداً مقارنة بالأمم الأخرى". ويرتبط بهذا الموضوع، الاهتمام بصناعة برامج الكومبيوتر التي تمثل فرصة ممتازة لصناعة المعلوماتية العربية. ونبّه إلى"الدور المهم الذي يؤديه الإعلام والترجمة في دعم المحتوى العربي على الإنترنت من خلال التفاعل بين هذين النشاطين المعتمدين على المعلوماتية". وأشار صبري إلى أن التوجّه صوب" الحكومات المعلوماتية"لا يعني اطلاق رصاصة الرحمة على"الحكومات الإلكترونية"ولا القول إنها لم تعد مفيدة. والمعلوم أنها قدمت الكثير، وأصبحت غالبية الخدمات الحكومية في كثير من الدول العربية تقدم عبر الإنترنت. وقد وصل الدخل من مواقع الحكومات الإلكترونية العربية إلى 550 مليون دولار سنوياً. وأعرب صبري عن قناعته بأن تجارب بلدان مثل دبي وقطر ومصر تمثل نماذج مهمة في هذا الإطار. ففي مصر مثلاً، يقدم أكثر من نصف مليون طالب سنوياً شهاداتهم الثانوية عبر الشبكة الدولية للكومبيوتر، وكذلك يجرى توزيعهم إلكترونياً على الجامعات المختلفة في إحدى أكبر العمليات الالكترونية في المنطقة. وبفضل الحكومات الإلكترونية أيضاً وصل حجم الاستثمارات السنوية راهناً في الخدمات الإلكترونية عربياً إلى 252 مليون دولار في الدول ذات الدخل المتوسط و519 مليون دولار في الدول ذات الدخل المرتفع. ووصلت عوائد خدمات الاتصالات في الدول ذات الدخل المرتفع إلى أكثر من 2،8 بليون دولار، وفق احصاءات الجامعة العربية. بينما ارتفعت نسبة استخدام الانترنت لكل مئة نسمة من 11 في المئة في العام 2000 إلى أكثر من 22 في المئة في 2005. وتشهد دبي عشرات المؤتمرات المتعلقة بالتقنية الرقمية سنوياً، خصوصاً بعد اعتمادها في الجامعة العربية و"البرنامج الائنمائي للأمم المتحدة"لتكون مقراً لعدد من مؤتمراتها المتصلة بالمعلوماتية. وكذلك أصبحت بعض مؤسساتها مثل"كلية دبي للإدارة الحكومية"، مركزاً لتنسيق فعاليات تتصل بالشأن المعلوماتي، نظراً الى التقدم الذي حققته في هذا المجال. وتشمل الفعاليات"المنتدى السنوي للحكومة الإلكترونية"الذي تنظمه شركة"داتاماتكس"، و"منتدى الحكومات الإلكترونية العربية"و"الاجتماع التنسيقي للحكومات الإلكترونية العربية"الذي تستضيفه"كلية دبي للادارة الحكومية"و"حكومة دبي الإلكترونية". في هذا السياق، أكّد علي الكمالي رئيس اللجنة المنظمة ل"منتدى الحكومات الالكترونية"ورئيس"داتاماتكس"، أهمية تطوير الخدمات والمعاملات الرقمية في المؤسسات الحكومية الخليجية والارتقاء بها لتتوافق مع أحدث المعايير والاتجاهات عالمياً. وأشار إلى ان تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أصبحت تلعب دوراً بارزاً في تطوير الاقتصاد العالمي. وأوضح أن المنتدى شهد في دورته الأخيرة مشاركة 15 متحدثاً من دول أوروبا وأميركا وآسيا ومنطقة الشرق الأوسط، ركزوا على إستراتيجيات أمن المعلومات والتوثيق الإلكتروني، وتطبيقات تكنولوجيا المعلومات في مشاريع الحكومة والخدمات الرقمية، وآليات تطوير الخدمات المُقدمة عبر الإنترنت، والحلول التقنية في تصميم المواقع الحكومية على الشبكة الدولية للكومبيوتر وغيرها. وعلّق الكمالي على التحوّل من الحكومات الإلكترونية إلى أندادها المعلوماتية، مُظهراً الحاجة الماسة الى تطوير المجتمع المعلوماتي وتنميته وفهم المقومات والعوامل التي يقوم عليها والعناصر التي يجب توفيرها من أجل تطبيق هذا المفهوم. في هذا الصدد، أوضح نادر علياني، المدير الإداري في شركة"غوف 3"Gov3 ان التطبيقات الحديثة في مجال الحكومة الإلكترونية وتعاملاتها تمثل أهم التطورات التي طرأت على البنية المعلوماتية. وبيّن أن ذلك ينعكس في تعدد تطبيقات الحكومة الإلكترونية وتنوّعها. وأشار إلى أن الطفرة التي تشهدها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أثرت في تطوير مشاريع الحكومة الإلكترونية. وكذلك عملت على زيادة نطاق خدماتها وأنشطتها وتوسيعها في شكل فعال. وفي سياق متصل، استعرض تشارلز وات مدير الأعمال التجارية الإلكترونية في"المؤسسة الإسكتلندية للمشاريع"، في مداخلته في أحد المنتديات، الحلول التكنولوجية التي يمكن تطبيقها في مشاريع الحكومة والخدمات الإلكترونية مثل إدارة مشاريع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. من التقنية الى التسويق في الإطار نفسه، شدّد سالم خميس الشاعر مدير إدارة الخدمات في"حكومة دبي الإلكترونية"على أن أبرز التحديات التي باتت تواجه الحكومات الالكترونية العربية"لم تعد تحديات تقنية أو مالية، بل باتت تتمثل في التسويق". وأشار إلى وجود مئات الخدمات الشبكية على مواقع الحكومات الالكترونية العربية، مُلاحظاً أن نسبة استخدامها ما تزال متدنية. وبيّن ان تسويق تلك الخدمات للناس"صار التحدي الأكبر حالياً كي لا تكون مشاريع الحكومات الإلكترونية"استثمارات مهدورة". وأكّد زياد الخالد مدير تطوير الاعمال في"أوراكل"الدور الإستراتيجي لمشاركة الوكلاء المحليين في صوغ مشاريع الحكومة الإلكترونية. وأشار إلى أن مديري هذا النوع من الحكومة ورؤساءها يواجهون متطلبات متزايدة من قبل المواطنين والمؤسسات والموظفين لتقديم الخدمات والمعلومات الرقمية وتوفيرها بسرعة وبفعاليه وبتكلفة منخفضة، الأمر الذي يفرض ضرورة تطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتحديث البيئة المعلوماتية الإلكترونية في كثير من الدول العربية.