"أسرار الصندوق الأسود"، رواية سياسية مشوقة وممتعة، صاغها غسان شربل بأسلوب التحقيق الصحافي، معتمدا على الحوار كوسيلة لسرد احداث الرواية الواقعية المثيرة. قدم شربل رواية"الصندوق الأسود"عبر اربع شخصيات هي وديع حداد، وكارلوس، وانيس النقاش، وجورج حبش، هكذا تبدو الرواية من غلافها، لكن الحقيقة ان لهذه الرواية بطل واحد هو وديع حداد، او"ابو هاني"، فغسان شربل وظف الشخصيات الثلاث الأخرى لخدمة بطل رواية، وان شئت فالشخصيات الاضافية، كانت بمثابة الخيوط الدرامية الفرعية التي تلتقي وتتفرق بحسب تصاعد وهبوط حياة بطل"المجال الخارجي"، وديع حداد، وان شئت ايضاً، فالحوار مع بقية الشخصيات الثلاث كان بمثابة هامش مبوب، لإضاءة حياة البطل. كتاب"الصندوق الاسود"، هو الصورة الاخرى لكتاب"الانتقام"للصحافي الكندي جورج يوناس، الذي تحول لاحقاً الى فيلم بعنوان"ميونيخ"للمخرج الاميركي ستيفن سبيلبرغ، والفيلم يروي عملية اغتيال 11 مناضلاً فلسطينياً على يد عملاء الموساد، انتقاماً لعملية ميونيخ، والمفارقة هنا ان"الانتقام"، يروي ملاحقة شخصيات لقتلها، اما"الصندوق الأسود"فيتعقب شخصيات لنقل الحقيقة، وتدوين تاريخ مرحلة مهمة من مراحل النضال الفلسطيني، فغسان شربل، كتب تحقيقه استنادا الى روايات مناضلين لم تصلهم يد الانتقام، ونجح في اختراق عالمهم السري، ونقل لنا أسرار ما كان يعرف ب"المحيط الخارجي"في المقاومة الفلسطينية في الستينات والسبعينات، فوصل الى اشخاص تفصل بينهم اليوم آلاف الكيلومترات، ويعيشون وفق تقاليد العمل السري، بعيدا عن الاضواء والبوح، والمثير انه لم يصفهم بأكثر من كلمة"المتحدث". رواية "الصندوق الأسود"بدأت على طريقة مسلسل"رأفت الهجان"الشهير. فغسان شربل بدأ روايته من يوم وفاة وديع حداد، ثم راح يسرد لنا حكاية الطبيب الفلسطيني الذي عاين عن قرب عذابات النازحين الوافدين الى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فقرر توسيع دائرة الحرب ضد المحتل في كل مكان. لكن على رغم أن اسلوب البداية الذي يسمى"العودة الى الماضي"يبدو تقليديا، إلا أنه في رواية"الصندوق الاسود"كان مختلفاً، بل كان مثيراً، فطريقة غياب وديع حداد كانت ابرز عناوين موته. ولهذا تعامل شربل مع القضية بحس الصحافي، فكتب على طريقة الهرم المقلوب. غداً نعاود فتح الصندوق الاسود.