بعد مرور عامين على إقامة الدورة الأولى لمهرجان بغداد السينمائي نجحت منظمة سينمائيون عراقيون بلا حدود وهي منظمة غير حكومية أسسها عدد من السينمائيين العراقيين تؤمن بسينما وطنية عراقية خالصة، في إقامة الدورة الثانية للمهرجان في الأيام الأربعة الأخيرة من العام المنصرم. وتحمل هذه الخطوة الكثير من الجرأة في بلد ما زالت تهيمن عليه وقائع مهرجان الموت اليومي. وقد ألقت الأوضاع الاستثنائية وغير المستقرة، خصوصاً في العاصمة بغداد الكثير من ظلالها على الجوانب التنظيمية للمهرجان أو على حجم ونوعية الأفلام المشاركة فيه، وهو أمر لا ينفيه القائمون على تنظيم هذا المهرجان الذين يرون في إقامته نوعاً من التحدي والرغبة في حياة طبيعية كما يشير عنوان المهرجان الحق في حياة آمنة مستقرة. وعلى رغم الإمكانات المحدودة وضعف التمويل كما جاء في كلمة رئيس المهرجان عمار العراوي في حفل الافتتاح فإن الجميع"يرنو الى قادمات الأيام في أن يكون المهرجان محفلاً يليق ببغداد واسمها العريق وليكون مدعاة فخر حقيقي للسينمائيين العراقيين وإبداعهم". اقتصرت المنافسة في المهرجان على الأفلام الروائية القصيرة والأفلام التسجيلية حيث تعذرت مشاركة الأفلام الروائية الطويلة باستثناء الفيلم العراقي"أحلام"لمخرجه محمد الدراجي الذي عرض خارج المسابقة الرسمية. ومن بين اكثر من ستين فيلماً روائياً قصيراً وتسجيلياً شارك في المسابقة الرسمية اكثر من عشرين فيلماً عراقياً، وهو عدد يفصح عن الاهتمام المتنامي في السنوات الأربع الأخيرة بفن السينما الذي تعرضه خلال العقود الثلاثة للتهميش والإقصاء. فضلاً عن عدم توفير بنية تحتية مناسبة لإقامة صناعة سينمائية لأسباب ليس أقلها الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية التي يمر بها العراق. السمة البارزة للأفلام العراقية المشاركة القصيرة والتسجيلية انها تمحورت على موضوع واحد وان كان بتنويعات مختلفة... وهو الواقع العراقي الحالي بكل تداعياته وإشكالاته... فبينما يتناول فيلم"طريق الموت"للمخرج سنان ماجد، الطرق المستحدثة في تفخيخ السيارات لتفجيرها في المناطق المزدحمة بالسكان، فإن فيلم"تقويم شخصي"للمخرج بشير الماجد يستل، وفي شكل رمزي، جزءاً من فوضى التعقيدات السياسية التي تعصف بأمور الحكم في العراق من خلال اختلاف عدد من ركاب باص عن تحديد تاريخ اليوم الذي يدور فيه الحدث. أما بالنسبة إلى الأفلام التسجيلية العراقية، فقد توقف جمهور المهرجان كثيراً أمام فيلم"الكيلو 160 أبو غريب"لمخرجه جميل النفس الذي تتبع قضية اختطاف فريق التاكواندو وقتلهم على يد عصابات إرهابية في الطريق البري بين العراق والأردن والمسمى"الكيلو 160". لقد تتبع المخرج في فيلمه هذا تفاصيل هذه القضية منذ بدايتها وحتى جريمة قتل الرهائن. إما فيلم"واقع الصحافة في العراق"فقد تناول المتاعب التي تصل الى حد التهديدات بالموت والخطف التي يواجهها الإعلاميون في العراق. المشاركة الخارجية للمهرجان تمثلت بعدد من الأفلام القصيرة والتسجيلية من فرنسا والصين والدنمارك وبلجيكا ومصر والكويت والسعودية وسورية وغيرها. والملاحظ عن الأفلام العراقية التي شاركت في مسابقة المهرجان أن اغلب صناعها من الشباب من خريجي كليات ومعاهد السينما. وقد أفصح البعض منهم عن موهبة واعدة في التعاطي مع الكاميرا. كما اتسمت هذه الأفلام بالفقر الواضح في الإمكانات الإنتاجية وهو أمر طبيعي لأفلام لا تقف وراءها شركات واستوديوات متخصصة تاركة ذلك للإمكانات الذاتية لصناعها. وهو السبب الذي جعلها لا ترتقي لمنافسة الأفلام الأخرى في الحصول على جوائز المهرجان. فقد اختارت لجنة تحكيم المهرجان، التي تألفت من عدد من نقاد السينما وأساتذة هذا الفن في الكليات والمعاهد، أفلاماً غير عراقية. في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة فاز الفيلم الفرنسي"السيد فكتور"لمخرجته جوليان جاندرو بذهبية المهرجان. بينما ذهبت الجائزة الفضية للفيلم السوري"حدوتة المطر"للمخرج ماهر صلبي وكانت البرونزية من نصيب الفيلم العراقي"طريق الموت". أما في مسابقة الأفلام التسجيلية فقد كانت الجائزة الذهبية من نصيب الفيلم الفرنسي"الرقص فن التواصل"للمخرجين دومينيك هرفو وجوزي مونيلفو. واستطاع الفيلم العراقي"الكيلو 160 أبو غريب"الاستحواذ على الجائزة الفضية. بينما ذهبت الجائزة البرونزية لفيلم"ماريا"وهو إنتاج عراقي - دنماركي مشترك.