اظهرت حركة "فتح" اخيرا ليونة لافتة تجاح الحوار الوطني مع حركة "حماس"، لكن الاشارات المقبلة من غزة ما زالت غير مشجعة. وكانت"فتح"أبدت تشددا صارما ازاء الحوار مع"حماس"في الأشهر الاولى التي اعقبت"الانقلاب"كما تسميه الاولى، او"الحسم العسكري"كما تسميه الثانية، لكن جملة من التطورات الأخيرة احدثت تغييرا في الموقف"الفتحاوي". اولى هذه التطورات كان في العملية السلمية التي بينت ان الانقسام بين الضفة وغزة يضعف موقف الرئيس محمود عباس. فالجانب الاسرائيلي استخدم ورقة غزة وعدم سيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع، في اكثر من محطة تفاوضية وسياسية آخرها اثناء زيارة الرئيس جورج بوش عندما اعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت في المؤتمر الصحافي المشترك مع بوش ان من الصعب عليه التوصل الى اتفاق مع عباس طالما بقي اطلاق الصواريخ وطالما لم يحكم سيطرته على قطاع غزة. ثاني هذه التطورات هو تنامي ضغوط محلية شعبية من غزة تطالب بتحرك لانهاء الحصار المدمر على القطاع، واخرى عربية من مصر والمملكة العربية السعودية تطالب الرئيس عباس بانهاء ملف الانقسام الداخلي وما نتج عنه من آثار. اما التطور الثالث، فهو نشوء سلسلة حوارات غير رسمية بين شخصيات من"حماس"واخرى من"فتح"ادت الى تطور في مواقف قيادات ومراكز قوى في الحركتين. ووصل الحوار في حركة"فتح"الى التيار المركزي والأكبر في الحركة، وهو تيار امين سر الحركة في الضفة الغربية النائب الاسير مروان البرغوثي. وتشير مصادر مطلعة على مواقف البرغوثي الى انه لا يرى مخرجا للازمة الوطنية سوى الحوار، وهو يطرح افكارا تبدو مريحة لحركته لانهاء هذا الملف، اولها تراجع"حماس"عن كل الخطوات التي اتخذتها في غزة، وثانيها اجراء حوار يقود الى انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة. وترى هذه المصادر ان على الجانبين فتح وحماس قبول مواصلة حكومة سلام فياض تولي ادارة مسؤوليات الحكم الى حين اجراء انتخابات عام 2010. ويرى اصحاب هذا التوجه ان حل مشكلة السلطة عبر الانتخابات المبكرة يجب ان يترافق مع حل ازمة منظمة التحرير. ويقترحون لهذا الغرض تطبيق نتائج الانتخابات المحلية التي ستجرى في الضفة والقطاع على المنظمة، بحيث تعطى الفصائل تمثيلا في مؤسسات المنظمة المجلس الوطني وتالياً اللجنة التنفيذية يتساوى مع نتائج التمثيل الذي تحصل عليه في الانتخابات العامة. ويقدم اصحاب هذا التوجه حلا لمشكلة اجهزة الامن يقوم على بناء اجهزة امن مهنية في غزة. ومن الآليات المقترحة لذلك، تشكيل لجنة مستقلة من حقوقيين تتولى اعادة بناء هذا الاجهزة. وفي الشأن السياسي، يرون ان برنامج منظمة التحرير يجب ان يظل ثابتا لا يتغير، مشيرين الى ان اي تغيير قد يقود الى عزلة دولية على المنظمة. وظهر في"حماس"اكثر من اتجاه ورؤيا لكيفية التعاطي مع هذه الافكار، فمن جهة تبدي بعض شخصيات الحركة مثل نائب رئيس المكتب السياسي للحركة موسى ابو مرزوق قبولا لها، وترى فيها مخرجا واقعيا من الازمة. كما حظيت بقبول قادة"حماس"في السجون، وفرع الحركة في الضفة. لكن المشكلة في قيادة"حماس"في غزة التي تبدي تمسكا شديدا بنتائج"الحسم العسكري". وتقول مصادر في"حماس"في غزة ان قادة الحركة المتنفذين في القطاع يرفضون التنازل عن حكم القطاع الذي تحقق لهم بعد حزيران يونيو عام 2007، وانهم يضعون اشتراطات من شأنها اجهاض الحوار، مثل بقاء سيطرتهم على الاجهزة التي شكلت عقب الانقلاب على القطاع. وحتى الآن لم يعلن رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل موقفه. وحسب مصادر في"حماس"، فإن مشعل يفضل في هذه المرحلة الوقوف في الوسط خشية ان يخسر اياً من الفريقين المعتدل والمتشدد. اما رئيس الوزراء الفلسطيني المقال اسماعيل هنية فأكد امس ان الحوار الوطني والتعاون الامني مع السلطات الاسرائيلية لا يلتقيان. وقال في كلمة امام الاف الفلسطينيين في ملعب اليرموك في حفلة تكريم الحجاج الفلسطينيين برعاية ديوان رئيس الوزراء الفلسطيني تحت شعار"فوج قهر الحصار"، ان بدء"الحوار الذي يطالب به، ونحن نتمسك به حتى ينطلق وحتى تتهيأ له المناخات الصحية"يستدعي ان"يتوقف ذاك الفريق في اشارة الى السلطة عن التعاون الامني مع الاحتلال لأن الحوار الوطني والتعاون الامني لا يلتقيان".