عقب رحيل نجيب محفوظ في 30 آب أغسطس 2006 قرر وزير الثقافة المصري فاروق حسني تشكيل لجنة لتخليد ذكرى صاحب"أولاد حارتنا"من خلال متحف يضم مقتنياته الشخصية يكون نواة لمركز ثقافي متنوع الأنشطة. ثم سرعان ما تشكلت لجنة ثانية في اشراف محافظ القاهرة لتحويل"أماكن نجيب محفوظ"إلى"مزارات"سياحية. والمقصود هنا الأماكن التي كُتب عنها، وكذلك تلك التي كان تردد عليها بانتظام، علماً بأن صاحب فكرة هذا المشروع هو الروائي جمال الغيطاني الذي ربطته بمحفوظ صداقة امتدت أعواماً طويلة. وإلى الآن لم يبصر أي من المشروعين النور، ربما لارتباطهما ببيروقراطية الأداء الحكومي، سواء في وزارة الثقافة أو محافظة القاهرة، على رغم قطع خطوات ملموسة بالنسبة الى المشروع الأول، وفقاً لمحمد سلماوي رئيس اتحادي الكتاب المصريين والعرب. في تلك الأثناء كان قسم النشر في الجامعة الأميركية في القاهرة يواصل العمل على"مسارات"عدة، ربطها باسم الروائي العربي الأشهر. وبدأها في منتصف ثمانينات القرن الماضي بعقد يعطيه حق الإشراف على ترجمة أعمال نجيب محفوظ إلى مختلف اللغات الحية. ووفقاً لمارك لينز رئيس قسم النشر في الجامعة الأميركية في القاهرة فإن حصيلة هذا المسار بلغت 500 طبعة بأربعين لغة، أكثرها انتشاراً طبعات رواية"زقاق المدق"التي ترجمت إلى 22 لغة. وكان نجيب محفوظ نفسه صرح في أكثر من مناسبة بأن تلك الترجمات لعبت دوراً أساسياً في فوزه بجائزة نوبل للآداب عام 1988. ومنذ العام 1996 يمنح قسم النشر في الجامعة الاميركية في القاهرة سنوياً جائزة باسم نجيب محفوظ لروائيين وروائيات من مصر والبلدان العربية الأخرى، ويتولى ترجمة العمل الفائز إلى اللغة الانكليزية. وينفّذ القسم نفسه"مشروع نجيب محفوظ لترجمة الأدب العربي"، وحصيلته تتراوح بين ثمانية وعشرة أعمال سنوياً بينها"عصافير النيل"لابراهيم أصلان وپ"الرجع البعيد"لفؤاد التكرلي وپ"حب في المنفى"لبهاء طاهر. وإضافة إلى جائزة الجامعة الأميركية اقترن اسم نجيب محفوظ أخيراً بجائزتين، الاولى يمنحها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، والثانية يمنحها مهرجان الإعلام العربي الذي ينظمه اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري سنوياً، كما اقترن بسلسلة تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يشرف عليها الروائي يوسف القعيد. أما أعمال نجيب محفوظ الكاملة فأعادت طبعها مرتين منذ رحيله دار"الشروق"، وتعد رواية"أولاد حارتنا"أكثر تلك الأعمال توزيعاً، علماً بأن نشرها في مصر ظل محظوراً قرابة نصف قرن لاعتراض"مراجع إسلامية"على مضمونها بدعوى أنها"تسيء إلى الأنبياء وإلى الذات الإلهية"، وهي الدعوى نفسها التي كانت وراء محاولة اغتيال نجيب محفوظ في العام 1994. وبناء على وصية نجيب محفوظ فإن"أولاد حارتنا"لم تنشر في كتاب في مصر إلا في عقب وفاته، وبعد أن كتب مفكران إسلاميان، هما أحمد كمال أبو المجد ومحمد سليم العوا، تقديماً لها يفند دعوى إساءتها إلى المقدسات. ووفقاً لنائب رئيس مجلس إدارة دار"الشروق"أحمد الزيادي فإن المقدمة التي كتبها أحمد كمال أبو المجد تمت بناء على وصية نجيب محفوظ نفسه، وأن أسرة الأديب الراحل، ممثلة في زوجته السيدة عطية الله وابنتيه فاطمة وأم كلثوم، كانت محرجة من نشر"أولاد حارتنا"لكون الأمر لم يعرض على الأزهر الذي يقال إن بعض أبرز المنتسبين إليه رفع تقريراً إلى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر طلب فيه منع نشر الرواية التي كانت صحيفة"الاهرام"بدأت نشرها مسلسلة العام 1959. وأضاف الزيادي أن أسرة نجيب محفوظ حسمت احراجها بعد أن اقتنعت برأي محمد سليم العوا الذي تصدر غلاف الرواية، وجاء على النحو الآتي:"فلتمض المعركة الأدبية في طريقها إلى منتهاها، أو لتستمر إلى غير نهاية. فليقرأ القارئ كيف يشاء، وليفهم كيف يشاء!"ومما جاء في مقدمة أبو المجد:"فهمتُ شخصية"عرفة"بأنها رمز للعلم المجرد، وليست رمزاً لعالم بعينه، كما فهمت شخصية"الجبلاوي"على أنها تعبير رمزي عن الدين، وليست بحال من الأحوال تشخيصاً رمزياً للخالق سبحانه، وهو أمر يتنزه عنه الاستاذ نجيب محفوظ، ولا يعطيه أي اعتبار، فضلاً عن أن يستسيغه أو يقبله. يبقى مصير مشروعي المتحف وپ"المزارات"غامضاً، على الأقل من وجهة نظر الغيطاني والقعيد. إلا أن رئيس اتحاد الكتاب المصريين محمد سلماوي يتوقع أن يشهد شهر شباط فبراير المقبل خطوة ملموسة في اتجاه تنفيذ مشروع المتحف. وأكد سلماوي لپ"الحياة"أن الوزير فاروق حسني وافق على إقامة المتحف في قصر"بشتاك"الأثري الذي يقع على بعد خطوات من المكان الذي ولد فيه نجيب محفوظ ويتوسط منطقة"الجمالية"التي كانت حاراتها مسرحاً لعدد كبير من أعماله القصصية والروائية، ومنها"خان الخليلي"وثلاثية"بين القصرين"وپالسكرية"وپ"قصر الشوق". وكانت وزارة الثقافة اختارت أولاً مبنى"وكالة محمد بك أبو الدهب"الأثري ليقام فيه متحف نجيب محفوظ. إلا أن مثقفين كثراً وفي مقدمهم جمال الغيطاني اعترضوا على هذا الاختيار على اعتبار أن"المكان الطبيعي ينبغي أن يكون في الجمالية حيث وُلد نجيب محفوظ، وليس خلف ميدان الأزهر حيث تقع وكالة محمد بك أبو الدهب". ويؤكد الغيطاني والقعيد أن اللجنة التي ضمتهما مع آخرين للإعداد لمشروع"أماكن نجيب محفوظ"اجتمعت ثلاث مرات وأتمت مهمتها المتمثلة في وضع تصور شامل للمشروع، إلا أن محافظة القاهرة لم تتخذ أي خطوة عملية نحو تنفيذه، على رغم أنه سيحقق للدولة عائداً مادياً مضموناً عبر جذبه السياح. ويؤكد محمد سلماوي أن المتحف الذي سيقام في قصر"بشتاك"سيكون بمثابة مركز لأنشطة متصلة بالأدب عموماً، فضلاً عن أنه سيضم مقتينات تخص نجيب محفوظ، سواء كانت في حوزة أسرته أو معارفه وأصدقائه. ومنها"قلادة النيل"التي حصل عليها عقب فوزه بجائزة نوبل وتعد هذه القلادة أرفع وسام تمنحه الدولة المصرية. ويمتلك سلماوي نصوصاً بخط نجيب محفوظ، فضلاً عن تسجيلات بصوته عندما كان يملي عليه نصوص"أحلام فترة النقاهة"التي توالى نشرها في أعقاب محاولة اغتياله التي نفذها شاب متطرف العام 1994، وكذلك العصا التي كان يتكئ عليها بعد تعافيه من آثار ذلك الحادث. ويتوقع سلماوي أن تبدأ لجنة متحفية العمل خلال شهر شباط المقبل لإعداد قصر"بشتاك"تمهيداً لتحويله إلى متحف ومركز ثقافي يحمل اسم نجيب محفوظ. ويأمل يوسف القعيد أن يتمكن من جمع كل الكتب التي صدرت عن حياة نجيب محفوظ وأدبه ومشروعه من خلال السلسلة التي يترأس تحريرها، علماً بأنه لم يصدر عنها حتى الآن سوى كتاب واحد لحمدي السكوت، الاستاذ في الجامعة الأميركية في القاهرة بعنوان"ببلوغرافيا نجيب محفوظ". وفي سياق متصل تعد مكتبة الاسكندرية مشروعاً لتوثيق تراث نجيب محفوظ ليكون حجر الزاوية، كما يقول مدير الإعلام في المكتبة خالد عزب، في الاحتفال العام 2011 بمرور مئة سنة على ميلاد صاحب"الحرافيش". ويؤكد عزب أن هناك جهوداً تبذل في هذا الصدد لجمع"أفيشات"الافلام التي كتب نجيب محفوظ سيناريواتها أو تلك المأخوذة عن رواياته، وكذلك مسودات تلك السيناريوات وأيضاً الروايات التي كان يسلمها إلى دار"نهضة مصر"مكتوبة بخط يده.