يُعد لبنان من الدول القليلة في المنطقة التي تسمح لمواطنيها بحمل جنسية ثانية مع الاحتفاظ بجنسيتهم اللبنانية ومن دون أن يؤثر ذلك في أي من حقوقهم كمواطنيين. آلاف اللبنانيين هاجروا هرباً من اتون الحرب الأهلية، وآخرون بحثاً عن فرصة عمل أو عن مستوى علمي أفضل. وانضم إليهم جماعات وأفراد من خلال زيجات أو"لمّ شمل"مع كل مرّة، كانت تفتح سفارات دول الاغتراب هذا الباب. مئات الآلاف من اللبنانيين، ينتشرون اليوم على مساحة الكرة الأرضية، يكملون حياتهم بعيداً من حدود ال 10452 كلم مربع التي تشكل مساحة أرضهم الأم. لبنانيون تبقى صلتهم في بلدهم عبر علاقات مع أقارب قبعوا في البلد. يترددون عليهم كسائحين وزوّار، فيفتحون الباب أمام علاقات يسودها بعض من التحفظ، وإن كان يحكمها اتفاق ضمني على المحافظة على العادات والتقاليد الاجتماعية. فيبدي"المغتربون"قدرة على التأقلم مع بعض الظروف، ويظهرون أكثر انفتاحاً وهم في لبنان ممّا يمارسونه في يومياتهم في وطنهم"الآخر". فصام الهجرة والتردد الى الوطن والحفاظ على انماط وسلوكيات المجتمع الأم تشكل ابرز حلقات العيش في المغتربات. وهنا تحقيق من مغتربات لبنانية ومن لبنان يعالج حكايات مغتربين لبنانيين: خرجتْ من باب جانبي تجرّ ح قائبها، لتجدهم يترصّدون جميع المخارج، في انتظار ظهورها. أصبحوا خمس عائلات، مع الجيل الثالث. خرجوا من لبنان في سبعينات القرن الفائت شباناً وشابات، ويوم وصولها إلى"وطنهم"الثاني، كندا، كانوا أصبحوا أرباب عائلات وأجداد. هي المرة الأولى، التي يستقبلونها فيها، بعدما كانت هي من يستقبلهم، منذ أواخر التسعينات، كلما عادوا لزيارات قصيرة ومتباعدة إلى لبنان. إنها المرة الأولى التي ترى فيها هذا العدد من أفراد العائلة مجتمعاً، فهي الوحيدة مع أخيها ووالدتها ممن بقوا في لبنان، فيما هاجر أفراد عائلتيها لجهة والدتها ووالدها، تباعاً. ينتشر أفراد عائلتها في كندا، وأميركا، وألمانيا، والسويد، والدنمارك، والموزامبيق وزامبيا. ولكنها اختارت كندا، حيث تتمركز أكبر"جالية"لعائلتها، لتتعرف على أكبر عدد منهم. بعضهم، بكى حين وصلت، فقد كان مقرراً لوالدها أن يكون بينهم، إلاّ أن الحرب الأهلية قضت عليه قبل أن يتمكن من ركوب موجة الهجرة واللحاق بإخوته. وصولها الى كندا، يقع في دائرة"المناورات"التي تنفّذها العائلة، من حين الى آخر، في إطار"كسر جدار الهجرة". مناورات، تأتي بعد لقاءات متباعدة للأهل وأبنائهم، ومراسلات وهدايا واتصالات هاتفية تحمل أخباراً، ولكنها لا تسمح بتكوين فكرة"ملموسة"عن حياتهم. كانت في التاسعة عشرة، عندما استقبلت إحدى بنات عمّاتها، بعد عشر سنوات على افتراقهما. يومها، تغيّرت الفتاتان وتغيّر المشهد، تعانقتا في مطار بيروت، وبكتا في ساحة الضيعة. بكتا يوم تهجروا كلّهم... وأما هي فاستمرت بالركض خلف السيارة التي نقلت صديقة طفولتها حتى اختفت. وتوالت الاستقبالات، منذ سنوات قليلة، وعادوا كلّهم حاملين جنسيات أجنبية، بعد غياب طويل، نسبياً. بحثاً عن رابط استقبالها في مطار كندا، لم يختلف كثيراً عن الاستقبالات في مطار بيروت... دموع تنهمر وعناق. رؤية العائلة بأجيالها الثلاثة دليل واضح على انقضاء زمن طويل. ورؤية أقاربها في مكان إقامتهم وعملهم، تعطي صورة مغايرة لحياتهم، عن الصورة التي تكوّنت لديها، من زياراتهم القصيرة الى لبنان. يعمل اللبنانيون على شدّ الأواصر ببلدهم الأم، من خلال شراء المنازل والعقارات في قراهم أو في محيط سكن عائلاتهم. ويُعتبر"العقار"بمثابة رابط بينهم وبين أهلهم. وأحياناً، يستعينون به دليلاً لأولادهم على أن هناك ما ينتظرهم في لبنان، وهو ليس أقل مستوى مما يعيشونه في بلاد الاغتراب. محاولات"ربط"الأولاد بوطنهم، من خلال رابط مادي وحسي تتأرجح بين النجاح والفشل، لكن قدسية الحفاظ على العادات والتقاليد تظهر جلية، في المهاجر. نظرة ضيّقة إلى الجيل الشاب في الاغتراب، تكشف ما يشبه حال الفصام بين ما ينشأ عليه الشبان هناك وما يعايشونه في يومياتهم. تبقى علاقاتهم الاجتماعية أو حتى العاطفية، تحت رقابة الأهل المشدّدة، الذين يسعون، بشتى الوسائل، إلى"الحفاظ"على أولادهم بعيداً من التأثر بالمجتمع"الغربي". شباب ملتزم وللشاب طبعاً هامش حرية أوسع من ذلك الذي تتمتع به الفتاة، وأن بقي في كل الأحوال، خاضعاً لمزاجية المجتمع العربي الأضيق الذي ينتمي إليه في قلب المجتمع الأوسع. ويظل الرابط الاجتماعي والخوف من نظرة الأصدقاء والأقارب، من أشد عناصر الرقابة على تحركاتهم. بدا غريباً بالنسبة ل"اللبنانية"الواصلة لتوها، والتي تسهر يومياً في ملاهي لبنان، وحدها أحياناً، أن ترى مَن يصطحب زوجته الى ملهى ليلي للسهر، في مدينة تبعد ساعات عن مكان إقامته، فقط للابتعاد عن أنظار المعارف الذين سينتقدون حتماً دخوله تلك الأماكن برفقة زوجته. ولمّا أبدت"زائرة كندا"استغرابها من إحجام بعض شبّان عائلتها عن مصافحتها باليد، أشارت فتيات من العائلة إلى أن هذه أمور نسبية، بحسب"الموضة"التي يتبعونها في كل فترة، علماً أن من بين الشبّان من يلتزم تماماً بالتعاليم الدينية، ومنهم أيضاً من يحافظ عليها مراعاة ومسايرة لمشاعر الأهل والأقارب والمعارف. ويلاحظ أن الالتزام بالمعتقدات الدينية هو أشد بين الشبان منه بين الفتيات، فيعملون على تكريسه عبر التمسك ببعض الشعارات التي تشير إلى الديانة أو الطائفة، ولو بوشمها على الأذرع. وهذا أمر يعتبره الأهل في الاغتراب ضرورياً لتحصين أبنائهم من الوقوع في"الحرام"أو"العيب". ويصبح تردد هؤلاء على المساجد والتزامهم من الاشارات الجيدة إلى حسن سلوكهم. ومع أن بعض الممارسات تغيّر، منذ أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001، لا سيما مع تشديد الرقابة على بعض المسلمين، يطلب الاهل من أبنائهم الانتباه أكثر، ويحاولون إبعادهم عن أي دليل على التشدد، كإرخاء اللحية، والتسبيح... وساهمت حملات اعتقال أو تدقيق في هويات بعض الشيوخ الذين يعطون دروساً دينية في المساجد، في عدول شبان عن التردد إلى تلك الحلقات، على رغم الفائدة، التي يؤكّدونها، من التعرّف الى ديانتهم وشعائرها. وفي حين تفرح سيدات برؤية أولادهن الشباب على علاقة بفتيات جميلات، لا يتركن فرصة إلاّ ويذكرونهم بأهمية الصلاة، مع الإشارة إلى أن هؤلاء الأمهات، بعيدات عن ممارسات الشعائر، وشكلهن الخارجي يعتبر أكثر تحرراً من الأجنبيات أنفسهن. الفصل بين ممارسة الأهل بعض الأمور، والإصرار على طلبها من الأبناء يضع هؤلاء أمام تناقض آخر، فيميل الشاب في شكل خاص إلى التشدد مع أخواته، من دون أن يقوى على فرض سلطته على والدته. فتصل الأمور إلى إثارة مشكلات كبيرة، يهدف من ورائها الشاب إلى"المحافظة"على أخته. قد تعتبر الفتيات من أكثر المراقبات لما يحصل من حولهن، وأكثرهن تعبيراً عن ما يعشنه في كنف عائلاتهن في ظلّ بلاد لا تشبه تلك التي تحدّرن منها. فيحسدن قريبتهن الآتية من لبنان على الحرية التي تعيشها بالتنزه والسفر وإقامة العلاقات من دون أي رقابة أو خوف. ويجدن أمامها فرصة للإعراب عن دهشتهن من التغيير الذي تدخله الزيارة الأولى لإخوتهم الشباب إلى لبنان على حياتهم. فالذي كان يخرج برفقة أخته ويشاركها نشاطاتها، يعود بعد زيارته العائلة"الأم"، خائفاً مضطرباً، يسعى إلى أن يُثبت أنه"رجل"، بعد أن يكونوا أشبعوه"هناك"كلاماً عن واجباته كرجل في الاعتناء بأخواته البنات والحفاظ عليهن. وتستدرك الفتيات أن إخوتهن يذهبون إلى لبنان ويقيمون في مجتمعات أكثر تشدداً، ثم يعودون مقتنعين بما رأوه وبضرورة تطبيقه على الحياة في المغترَب. الحذر أو التحفظ المتبادل يسيطر على علاقة القريبات المغتربات والمقيمات في ما بينهن، وهو أشدّ من ذلك الذي يحكم العلاقة بين الشبان. ويبقى بناء الثقة في ما بينهن مسألة وقت، لا تجده الفتيات أثناء الزيارات القصيرة والمتباعدة إلى لبنان. وفي حين يتباهى الشبان بما يستطيعون إنجازه ولو صُنّف بعضه"انحرافاً"عن الخط"المستقيم"للعائلة، تتحفّظ الفتيات خشية أن"تفضح"إحداهن الأخرى أمام أفراد العائلة لتظهر نفسها أنها أقرب إلى"الممارسة الصحيحة"للعادات والتقاليد. الحل بالزواج وتزداد المشكلة تشعباً مع تقدّم عمر"الأطفال"الذين هاجروا بلادهم في عمر مبكر. فيتضاعف تشدد العائلات مع المراهقين، ويتحول هدفهم الأساس إلى تزويج الأولاد في سنّ تعتبر مبكرة جداً حتى بالنسبة إلى أهلهم في موطنهم الأصلي. ويُصبح هدف الأم والأب الأساسي إيجاد عريس مناسب للفتاة التي خرجت طفلة من لبنان لتعود إليه شابة مفعمة بالأنوثة، حفاظاً عليها من الوقوع في شرك"حب أجنبي". ويُعتبر هذا"الأمل"، مشتركاً بين مختلف اللبنانيين، أو المهاجرين القدامى والجدد. ويعتبر الأهل تزويج أولادهم من فتيات أو شبان من لبنان، ضمانة لتجذّر هؤلاء في مجتمعاتهم والعودة إلى أرضهم ووطنهم مهما طال الزمن. وأسرّت الفتيات لقريبتهن اللبنانية أن هذا سبباً يربك رغبتهم في زيارة لبنان خوفاً من أن يتعرضن لما يحصل مع صديقاتهن، فيتعلّقن بشاب في لبنان تحت وطأة الضغوط في كندا. واقتراب اللبنانية من تفاصيل حياتهن، سمح لها الكشف عن الأسباب وراء تصرفاتهن خلال زيارتهن لبنان، كالخروج طوال الوقت والتعرف على أكبر عدد من الناس، وأبرز تلك الأسباب الضاغطة تكلّف الأهل في الصرامة والمبالغة في التشدّد. وبين التنبيه الى عدم التقرب من"أجنبي"، وعريس لبناني"يتربص بالجنسية الأجنبية"، غالباً ما تذهب الفتاة ضحية عادات وتقاليد تختلف كل الاختلاف عن تلك المعتمدة في البلاد التي ولدت فيها أو على الأقل تربت فيها. وتكبر الهوّة أكثر مع أجيال عاشت"فصاما"ً في التربية، لتعيش مع أزواج يختلفون كلياً في التفكير. وفي وقت تنجح زيجات الشباب اللبنانيين ? الأجانب من لبنانيات، يُعتبر زواج اللبنانيات- الأجنبيات من لبناني أكثر خطورة وأقل حظاً، فالفتاة التي تقترن بمغترب، تسعى للخروج من مجتمعها، إلى بلاد جديدة، وهي غالباً ما تكون تربّت على أهمية الحفاظ على هذه المؤسسة العائلية وقدسيتها، فتذهب إلى"الغربة"وهي على قناعة تامة بأن زوجها هو مستقبلها وليس أهلها. فتسافر وتنجب و"تعيش"راضية، في كثير من الأحيان، بما"كتبته لها الحياة"، على رغم الخيبات الكبرى التي قد تصيبها... ومّا الشاب اللبناني الذي يتزوج بلبنانية - أجنبية، ولو كانت من أقاربه، فهو يسعى للخروج نحو مستقبل أفضل يمكّنه من أن يعيش أياماً لم يعشها من قبل في لبنان. وغالباً ما تبقى هذه الزيجات محكومة بعقدة أن زوجته"أجنبية من أصل لبناني"، وقد يُعتبر طريقة التعامل معها بمثابة مرحلة انتقالية في انتظار حياة أفضل. وتفتح هذه الزيجات المجال أمام اختلاط بين الذين يصلون بلاد الاغتراب وهم في العشرينات، ومَن تربوا وولدوا فيها، وتختلف أوضاع المهاجرين الجدد عن أوضاع الموجودين بهدف الدراسة أو العمل. ويصبح تشبث الجدد بعاداتهم وتقاليدهم وممارساتهم الدينية والشعائرية أقوى بكثير من أيام وجودهم في لبنان. علاقتهم بأولاد البلد وفي حين يغرق أبناء المجتمعات الغربية"الأصليين"في تدبير سبل عيشهم والتأقلم مع"الوافدين"الذين يطرأون عليهم، يغرق اللبنانيون في محاسبة أبناء البلد على مواقف حكوماتهم من أي أمر يحصل في لبنان. ولا يترك الشباب اللبنانيون فرصة إلاّ ويؤكدون أن الكنديين وغيرهم عنصريون. وهو أمر لا تعبّر عنه الفتيات وتصفنه لقريبتهن بأنه"غيرة من الأجانب". ومن اللافت أن هذه التحفظات لا يظهرها اللبنانيون إلى العلن وإنما يبقونها في داخلهم، ويأخذون مواقف من دون علم هؤلاء. فاللبناني يأبى أن يكون موظفاً عند أي أجنبي، ويسعى وراء العمل الحر، فيتخلى عن شهاداته ويعمل سائق سيارة أجرة أو عامل بناء أو أي من الأعمال التي تدرّ عليه أموالاً تبقى بعيدة من دائرة الضرائب والرسوم. وكل هذا يندرج تحت بند أن اللبناني"شاطر"، وأنه يستطيع أن يكوّن، نفسه حتى في أدق الظروف وأصعبها. التزام حتى التعصب الأفكار والاصطفافات السياسية التي يأتي بها المغتربون إلى لبنان، هي نفسها التي تحكمهم خارجه. وما كانت تعتقده الشابة تمثيلاً من قبل أقاربها، عند زيارتهم لبنان، من خلال تأييدهم بعض السياسيين، ومزايدات في التدين من خلال التشديد على انتماءاتهم الطائفية، لاحظت أنه واقع يعيشونه كل يوم. فاللبنانيون في الخارج ينقلون أفكارهم السياسية والدينية معهم، ويتعاملون مع الآخرين من هذا المنطلق، وتتحول مناصرتهم لتيار سياسي ما، في لبنان، إلى عنصرية وحقد تجاه الآخرين. فيتربصون ببعضهم بعضاً، ناقلين التشنج السياسي أو الديني إلى مجتمعهم الجديد. وإن كانت مواقفهم بين بعضهم تنحصر بمشاداة كلامية، فإن مواقفهم تجاه الحكومة المستضيفة تعظم لا سيما في الأوقات الدقيقة والمصيرية كالعدوان الاسرائيلي على لبنان أو المواقف الدولية من بعض الأمور العالقة. انخراط اللبنانيين في المجتمعات الأجنبية، لا يبعدهم كثيراً عن متابعة ما يدور على أرض وطنهم. ولا يتوانى بعضهم عن إعلان استعداده التام للعودة من أجل مؤازرة طائفته بوجه أي موقف قد يُتّخذ للتقليل من دورها، كما يؤكد آخرون استعدادهم للقتال في وجه أي عدوان قد يُشن على أراضي وطنهم. مواقف بدت للشّابة مبالغة في ظلّ الذكريات القريبة التي تحملها عن صورتهم مصطفين أمام أبواب السفارات، منتظرين إجلاءهم في أيام العدوان الاسرائيلي الأخير على لبنان. من جهة أخرى، يبقى طموح الشباب لا سيما الذكور منهم في العودة إلى لبنان، وفي شكل خاص من انجب فتاة منهم، لأنهم يسعون إلى تربية بناتهم على"أسس نظيفة". نصفها دنماركي والآخر لبناني: ما الأفضل لابنتي ؟! هاجر أهلي من لبنان عام 1984، ولم أكن بلغت سنّتي الأولى. عشت في الدنمارك كسائر الدنماركيين. ولم أشعر يوماً بأنهم ينظرون إلينا في شكل مختلف، على رغم أننا، حتى اليوم،"لاجئون". المرة الأخيرة التي أتيت فيها إلى لبنان، وهي الثانية، كنت في السادسة عشرة، تقاطر ورائي العرسان: ابن عمي في الجنوب، ابن ابنة عمي في بيروت، ابن عمي الآخر، وابن خالي... صُدمت. رأيت نفسي أمام سبعة عروض زواج. ولكني، بعد عودتي إلى الدنمارك، خفتُ أن يكون وراء هذا"الإقبال"زواجُ"مصلحة"، وقد سمعت تعليقات في عائلة والدي، من قبيل"ألم يكن الأجدى بك أن تزوجها ابن أخيك، وتنتشله من العيشة المذلّة التي يعيشها في لبنان". وقرر هؤلاء، لا سيما منهم المقيمون في السويد - وهم"الأكثر تعصباً"- مقاطعة والدي، بسبب زواج أختي الكبرى 28 سنة من شاب دنماركي. زواج أختي ب"أجنبي"، كما يصفونه في عائلة والدي، شكّل منعطفاً أساسياً في حياتي، بعد فرض والدي قواعد صارمة عليّ منها عدم التكلّم مع دنماركيين خوفاً من أن أحذو حذو أختي. أعتبر أن نصفي لبناني ونصفي الآخر دنماركي. ونصفي العربي نابع من تعلقي بالتقاليد والعادات اللبنانية، التي اكتسبتها من أهلي. تربيت في منزل متحرر، لا يشبه كثيراً منازل اللبنانيين في الدنمارك، فأمي متحررة جداً، وكانت تخاف أن تحرمنا حريتنا ونحرم منها أيضاً في منازل أزواجنا. وعلى خطى أختي، تزوجتُ وأنا في الثامنة عشرة، ولكنْ من رجل كردي الأصل وأنجبت طفلين: عايشة وعلي. ومن السخرية، أني لم أشعر بأي مشكلة في اسميهما، إلاّ في لبنان. وقْع زواجي بكردي، كان أخفّ وطأة على أهلي من زواج أختي بدنماركي، لأن زوجي مسلم في حين أن زوج أختي كان مسيحياً قبل أن يُشهر إسلامه ويصبح اسمه إبراهيم. وهذا زواجي الثاني، فقد كنت في السابعة عشر عندما عُقد قراني على شاب فلسطيني، بعدما رأتني والدته في الصورة وأُعجبت بي. ولكن ما لبثنا أن فسخنا العقد بعد أشهر قليلة، فقد أخذ يُعيّرني، هو الآخر، بزواج أختي بدنماركي، وقال إنه سيمنعني من أن أرى أختي وأتكلّم معها، بعدما نتزوج. اليوم أنا راضية جداً، وأعيش الحياة التي أحبها مع زوجي وطفليّ. أتحفظ قليلاً أمام عائلة زوجي، تماشياً مع عاداتهم فلا أجلس أمام والدته واضعة رجلاً على أخرى، كما اتحفظ في ملابسي. زوجي يحب العودة إلى تركيا، حيث اشترى له والده منزلاً. ولكن الأمر سيكون صعباً عليّ لأني لا أعرف اللغة التركية، فضلاً عن ابتعادي عن أهلي، وهذا أصعب. في النهاية، علي الاختيار ما هو أفضل لطفليّ لأنهما الآن يعيشان بين ثلاثة عقليات مختلفة: الدنماركية، اللبنانية والكردية... كما اني لا اريد لابنتي أن تتزوج بدنماركي، على رغم أن أختي مرتاحة جداً في زواجها... ولكنها في النهاية ابنتي و"كل أم تتمنى الأفضل لابنتها". من رسالة "لبنانية - أجنبية" إلى صديقتها في لبنان الزواج أمر مخيف يُزرع في أذهاننا بعمر مبكر. كإناث نتربى على أهمية هذا العقد وعلى أنه واحد من أهم الأمور التي تحصل في حياتنا، لدرجة نعتقد أن حياتنا ستبدأ يوم زواجنا. الأمهات"يبعن"بناتهن بفكرة الزواج، ويربينهن على أن يصبحن زوجات مثاليات. المرأة في المجتمع العربي تتربى على أن تصبح ربة منزل، كيف تنظف وتطبخ وتقدم أفضل خدمة لزوجها وأولادها. ولا يحذرن بناتهن ولا مرة واحدة، بأنهن سيفقدن قيمتهن كانسان، وأنهن سينتقلن إلى ملكية أزواجهن. الزوجة لطالما يجب أن تكون صديقة روح ومكملة لزوجها، ليشكلا ثنائياً يستيقظ كل صباح مليئاً بالبهجة والفرح، حيث يهب المرء نفسه لشريك واحد في السراء والضراء. لكن مفهوم الزواج تغير مع الأيام، أكتب هذه الرسالة بوحي من قصة شابين تربيا في بلدين مختلفين، أحبا بعضهما واعتقدا أن لا شيء يمكن أن يقف في وجه حبهما. وقررا تحدي أي إنسان يقف في وجه علاقتهما وبالتالي زواجهما. حاول البعض أن يفهم الشابة بأنه يختلف عنها بكل المعايير، إلا أن تشجيع والدتها لها للزواج من لبناني دفعها للتمسك به في وجه الأصوات الشابة الخافتة من حولها. هي تربت على احترام الجميع والثقة بهم واستباق الامور بنوايا طيبة، أما هو فقد تربى على أن الرجل أفضل من المرأة في كل شيء، هذه النظرية سقطت مع مرور الزمن. لم تعرف أن زواجها به سيعني محاولات حثيثة لطمس شخصيتها، لأنها تؤمن بأن من يحب شخصاً يحبه كما هو، ولا يسعى إلى تغييره بشتى السبل. كانت تعتقد أن الحب هو تقبل أخطاء الشخص قبل حسناته، وإلا تكون قد حكمت على العلاقة بالاعدام. يربوننا على أن الزواج أمر مقدس بعيد من أي منافع أو أنانية، ولكنهن لا يقلن لنا أن هذا الزواج وهذه العلاقة موجودة فقط في الأفلام الرومانسية. ولم يحذرنا أحد من أن هذا الحب قد يكون بهدف ورقة... ورقة عقد قران على"الجنسية". مترجمة عن الانكليزية