انخفضت أسعار النفط الخام إلى اقل من 70 دولاراً الأسبوع الماضي، وسجلت أدنى معدل لها في شهرين، رغم بدء موسم الأعاصير في غرب المحيط الأطلسي وخليج المكسيك. لكن ذلك حصل بعد ان أشارت الإحصاءات الأميركية إلى ارتفاع مستوى المخزون التجاري للنفط في الولاياتالمتحدة، وازدادت هجرة أموال المضاربين والمستثمرين من أسواق النفط إلى البورصات العالمية لتعويض الخسائر التي لحقت بهم هناك. لقد أدى الإعصار"دين"إلى انقطاع موقت في صادرات المكسيك، بعد ان ضربت الرياح شبه جزيرة يوكوتان الأسبوع الماضي وتوقف إنتاج 2.65 مليون برميل يومياً من النفط المكسيكي، أو 80 في المئة من إنتاج البلاد البالغ 3.2 مليون برميل يومياً. وأجلت السلطات المكسيكية اكثر من ثمانية عشر ألف عامل وموظف من منشآت الإنتاج البحرية التي كانت على طريق الإعصار، وتوقف الإنتاج من بعض الحقول، مثل حقل كانتريل العملاق. ويتم تصدير معظم إنتاج المكسيك النفطي إلى السوق الأميركية القريبة منه، كما هو معروف. لكن رغم الانقطاع الاضطراري في الإمدادات إلى الولاياتالمتحدة، استمرت الأسعار في مسيرة الانخفاض التدريجي التي بدأت قبل ثلاثة أسابيع مع أزمة سوق الرهن العقاري في الولاياتالمتحدة، وخصوصاً مع الخوف من تأثيرها في النمو الاقتصادي الأميركي المستقبلي ومن ثم الطلب على النفط وبقية المواد الخام والأولية في الأشهر المقبلة. وبالفعل انخفضت أسعار النفط الخام حتى نهاية الأسبوع الماضي 12 في المئة ووصلت إلى 68 دولاراً. وتتوقع الأسواق ان يتم تعويض النقص للنفط المكسيكي باستخدام المخزون الاستراتيجي الأميركي. ويُلاحظ ان حجم الانقطاع في إنتاج النفط المكسيكي يساوي تقريباً حجم الصادرات النفطية الإيرانية التي تبلغ 2.50 مليون برميل يومياً. من هذا المنطلق، نستطيع ان نتصور مدى الارتفاع الذي كان سيحدث لأسعار النفط العالمية لو نشبت أزمة سياسية أو عسكرية مع إيران، وتوقفت الصادرات النفطية الإيرانية أياماً. علماً ان لصادرات النفط المكسيكية آثاراً مباشرة أكثر على الأسعار العالمية من الإيرانية بسبب أهميتها للسوق الأميركية، وقربها منه، على عكس النفط الإيراني الذي تمنع الحكومة الأميركية استيراده إلى الولاياتالمتحدة. ودخل الإعصار"دين"، من حيث لا يدري، في السجال الدائر منذ ثلاث سنوات بين وزراء منظمة"أوبك"من جهة والمسؤولين في وكالة الطاقة الدولية من جهة أخرى، مع بدء الارتفاع الحالي في أسعار النفط، حول الأسباب الحقيقية وراء الزيادة في الأسعار. فقد أكد وزراء"أوبك"مراراً ان دولهم تزود الأسواق بما تحتاجه من إمدادات ولا يوجد أي نقص في النفط الخام، ويضيفون ان المشكلة تكمن في عدم وجود عددٍ كافٍ من المصافي في الدول الصناعية لتكرير النفط الخام، وان هذا النقص في البنية التحتية هو السبب الرئيس وراء زيادة الأسعار في السنوات الثلاث الماضية، كما ان ثمة ارتفاعاً غير طبيعي في الأسعار بسبب عمليات المضاربة والخوف من الأزمات السياسية الشرق أوسطية. ويرد السياسيون والناطقون باسم الدول الصناعية المستهلكة ان السبب الرئيس وراء ارتفاع الأسعار هو عدم زيادة الإنتاج من جانب دول"أوبك". لذلك، فإن استمرار انخفاض الأسعار رغم الإعصار وتوقف الإنتاج المكسيكي يشكل دليلاً مادياً على صدقية وجهة نظر المنظمة. واللافت في آثار الإعصار"دين"في صناعة النفط المكسيكية ومقارنتها بآثار الإعصار كاترينا في الصناعة النفطية الأميركية عام 2005 هو محدودية الأضرار التي أصابت الصناعة النفطية المكسيكية، مقارنة بالخسائر الأميركية في حينه، رغم ضخامة الإعصارين وخطورتهما. إلا ان الفرق بين التجربتين هو ان المصافي المكسيكية تقوم في الداخل، وليس على الساحل كما هي الحال في جنوبالولاياتالمتحدة، لذلك لم تتضرر هذه المنشآت بسبب الإعصار. وبقيت الأضرار في حالة المكسيك مقتصرة على الخسائر الناجمة عن التوقف الموقت للإنتاج. كما ان مسار الإعصار تفادى الغالبية من المنشآت النفطية الإنتاجية المكسيكية التي تقع جنوب خليج المكسيك، ومن ثم فإن آثار الدمار كانت اقل مما حدث مع الإعصار كاترينا في حينه. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة