الحيوانات المنوية عند الذكور في خطر، فعديدها آخذ في الانحدار سنة بعد سنة، الى درجة أن بعض المعنيين بهذا الأمر بدأوا يطلقون صيحات الإنذار محذرين من عواقب التدهور الذي طرأ على الحيوانات المنوية كمّاً ونوعاً في العقدين الأخيرين، وما قد يترتب على ذلك من آثار سلبية. المعروف أن القدرة الإنجابية للرجل تعتمد في شكل كبير على كمية الحيوانات المنوية وحركتها الجيدة. غير ان الباحثين، لاحظوا من خلال استطلاعاتهم، تدهوراً طرأ على عدد الحيوانات المنوية وعلى حركتها أيضاً. اللافت ان هذا التدهور هو أشد وأدهى عند الرجال الذين يعيشون في المدن الصناعية مقارنة مع أقرانهم الذين يقطنون الأرياف. لا شك في أن عدد الحيوانات المنوية يتراجع مع التقدم في السن، الأمر الذي يقلل من فرص الإنجاب، ولكن هذا الانحدار أخذ يظهر بوضوح في أعمار مبكرة. ففي عام 1989 كان متوسط عدد الحيوانات المنوية 87 مليوناً في الميليليتر الواحد من السائل المنوي، وهبط هذا المتوسط الى 62 مليوناً عام 2004، وهذا ما يفسر كثرة أعداد الرجال الذين يطرقون أبواب عيادات الخصوبة والعقم. ففي الولاياتالمتحدة مثلاً، تقدر الجمعية الأميركية لطب الإنجاب وجود أكثر من ستة ملايين رجل يعانون من العقم. والسؤال الذي يلقي بظله هو: لماذا هذا التدهور في نوعية الحيوانات المنوية وعددها؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من أن نعلم أن انتاج الحيوانات المنوية يحتاج لأن تكون الخصية في درجة حرارة أقل من درجة حرارة الجسم الطبيعي بنحو درجتين الى 3 درجات تقريباً. فأي ارتفاع في درجة حرارة الخصية سيؤدي الى هلاك النطف الحيوانات المنوية. ان ارتفاع درجة حرارة الخصية درجة مئوية واحدة عن المعدل الطبيعي يمكن أن يؤثر في حيوية الحيوانات المنوية بنسبة 40 في المئة. ان الإنسان اليوم يقوم بسلوكيات كثيرة سيئة تساهم في رفع حرارة الخصية، وبالتالي تؤثر في نوعية السائل المنوي وكميته، ومن هذه السلوكيات الخاطئة نذكر: الاستحمام المتكرر في ماء حار لمدة طويلة، وارتداء البناطيل الضيقة، والمبالغة في أخذ حمامات الساونا، والجلوس مطولاً على مقاعد من الجلد. أيضاً الكومبيوتر المحمول يمكن أن يؤثر في خصوبة الرجل، فالملاحظ في السنوات الأخيرة أن المراهقين والشبان يقومون في وضع الجهاز على الفخذين، وقد حذر باحثون وأطباء من هذه العادة السيئة لأنها تسبب في ارتفاع حرارة الخصيتين، وبالتالي تلحق الضرر بالحيوانات المنوية. وفي هذا الإطار، أجريت دراسة على عدد من المتطوعين الذين تراوحت أعمارهم بين 21 و35 سنة، وقد وُزع هؤلاء على مجموعتين: استعمل أفراد المجموعة الأولى الكومبيوتر المحمول موضوعاً لمدة ساعة على الفخذين. أما أعضاء المجموعة الثانية فاتخذوا وضعية الجلوس ذاتها، ولكن من دون استخدام الكومبيوتر المحمول، وبعد قياس درجة حرارة الخصيتين في المجموعتين قبل بدء التجربة وبعدها، سجل البحاثة ارتفاعاً ملحوظاً في حرارة الخصيتين عند الذين استعملوا الكومبيوتر نسبة الى الذين لم يستخدموه. ومن بين السلوكيات السيئة التي أدت الى تدني الحيوانات المنوية عند الذكور، استعمال الحفاضات البلاستيكية، فالعلماء الألمان من جامعة"كايل"كانوا السباقين الى سَوْق هذا الاتهام، وبحسب رأيهم، فإن هذه الحفاضات مسؤولة عن إشعال فتيل العقم عند الرجل خلال ربع القرن الأخير، أما حجتهم في ذلك، فهي النتائج التي تمخضت عنها دراسة قاموا بها على 48 طفلاً ذكراً لم تتجاوز أعمارهم خمس سنوات. وأسفرت عن محصلة مفادها أن الحفاضات البلاستيكية ساهمت في ارتفاع حرارة الخصية درجة واحدة مقارنة مع الآخرين الذين استعملوا الحفاضات القطنية. أما عن تأثير المواد الكيماوية والبلاستيكية والمبيدات الحشرية في خصوبة الرجل، فحدّث ولا حرج، إذ وضعها علماء كثر في خانة المشبوهات، وانها المسؤولة عن"انفجار"مشكلة العقم عند أبناء آدم. وفي هذا النطاق سبق لباحثين من الأرجنتين أن بيّنوا أن أولئك الذين تعرضوا للمبيدات الحشرية والعشبية كانوا الأقل قدرة على إنجاب الأطفال مقارنة بآخرين لم يتعرّضوا للتلوث بتلك المواد. والمواد الكيماوية المسببة لضعف الخصوبة، لا توجد فقط في المركبات التي صنعها الإنسان، بل في الطعام أيضاً، إذ يمكن أن يحمل معه كيماويات تشبه استروجينات المرأة، قد تلحق ضرراً بالغاً بالحيوانات المنوية. وفي هذا السياق سبق لمجلة"علم الذكورة"أن نشرت تحذيراً لعلماء بارزين، أشاروا الى خطورة المواد الكيماوية الموجودة في الأطعمة مثل الصويا، العدس، البيرة... على خصوبة الرجل، وقد عزا علماء الأحياء في المستشفى التابع للكلية الملكية البريطانية، هذا الخطر، الى اجبار تلك المواد، الحيوانات المنوية على بلوغ قمة النضج في زمن قياسي، فتصبح مفرطة في النشاط، معتقدة أنها في حال تخصيب للبويضة، ما يؤدي الى حصول تفاعلات كيماوية غير عكوسة فتحولها الى حيوانات لا فائدة منها. ومن بين الأسباب التي تؤثر في خصوبة الرجل زيادة الوزن، ويعتقد باحثون أن استشراء العقم عند الذكور يعود في جانب منه الى البدانة، فكل زيادة في الوزن بمقدار 10 كيلوغرامات تقلل من نسبة الخصوبة عند الرجل 10 في المئة، ووفقاً للباحث ماركو سالمن من المعهد الفنلندي للصحة المهنية في العاصمة هلسنكي، فإن زيادة الوزن قد تقود الى جملة من العوامل السلبية المؤثرة في الخصوبة، مثل إحداث تبدلات هورمونية، وارتفاع حرارة الخصية، ونقص تركيز الحيوانات في السائل المنوي، وهذه كلها تؤدي الى قلة الخصوبة. رب سائل: هل إنقاص الوزن الزائد يعيد الخصوبة؟ الجواب غير معروف بعد، ولكن ما هو معروف أن تخسيس الوزن يعيد للطاقة الجنسية اعتبارها.