على رغم الظروف غير المواتية لصناعة السينما في أرمينيا وإنتاجها المحدود من الأفلام الروائية الطويلة، أقامت مؤسسة"المشمشة الذهبية"لتطوير الفن السينمائي قبل سنوات الدورة الأولى لمهرجان يحمل اسم العاصمة يريفان بالتعاون مع جمعية النقاد والصحافيين السينمائيين في يرمينيا ودعم من وزارتي الخارجية والثقافة. "التحاور ما بين الثقافات والحضارات المختلفة"هي التيمة التي تبناها المهرجان منذ دورته الأولى. واليوم تجلت نتائجها بصفة خاصة في دورته الرابعة المنتهية قبل أيام التي شهدت تقارباً، حتى وإن كان ثقافياً فقط، بين تركياوأرمينيا. هو تقارب من شأنه أن يكون مجرد خطوة أولى لا أكثر في طريق إذابة الجليد وتخفيف حدة العداء التاريخي بينهما. ما يدفعنا الى هذا الأمل هو أن المؤسسة الأناضولية الثقافية طلبت من مهرجان يريفان اخيتار بضعة أفلام أرمينية لعرضها في اسطنبول ومدن تركية مختلفة وحدث ذلك بالفعل قبل بداية الدورة الرابعة وحيث توجه بعض المخرجين بصحبة أفلامهم وبعض النقاد، للحديث عن تاريخ السينما في أرمينيا واتجاهاتها المعاصرة في لقاءات مباشرة مع المثقفين والجماهير التركية وطلاب الجامعات التي عرضت بها الأفلام. ولعل النتيجة الأهم في تلك الزيارة هي اتفاق مخرجين من ارمينياوتركيا على"أهمية التعاون والدخول في مشاريع سينمائية مشتركة في المستقبل القريب ما يساهم في تنشيط الحوار الثقافي بين الجارتين". وهكذا، ربما تنجح الأفلام والمهرجانات فعلاً في إصلاح ما أفسدته السياسة والحروب والتاريخ الاستعماري. ويصبح ذلك التقارب ذا معنى أكثر أهمية عندما يكون رئيس المهرجان هو المخرج الكندي الأرمني أتوم أيغويان الذي تولى رئاسته منذ دورته الثانية في 2005، والذي عُرف عنه إدانته الدائمة لتركيا نتيجة حرب الإبادة التي انزلتها بمواطني أرمينيا أثناء الحرب العالمية الأولى سواء من خلال أفلامه أو لقاءاته وأحاديثه الصحافية. تكريم تافياني في ليلة افتتاح المهرجان تم منح الأخوين الإيطاليين باولو وفيتوريو تافياني جائزة"إنجاز العمر"وهي جائزة المهرجان الشرفية عن رحلتهما السينمائية الحافلة والمثمرة. وافتتح المهرجان بفيلمهما"الموزعة"الذي شهد عرضه العالمي الأول في مهرجان برلين في شباط فبراير الفائت، ويدور حول الإبادة التركية للشعب الأرميني تحديداً. وعلى مدار الأسبوع تم عرض ما يقرب من 150 فيلماً منها عشرة في المسابقة الرسمية الطويلة بعضها لم يكن حديثاً مثل"عالم جديد"الذي شارك في مسابقة البندقية العام 2006، والتركي"مناخات"والفرنسي"فلاندزر"اللذان شاركا في مسابقة"كان"في العام نفسه. وتكونت مسابقة الأفلام التسجيلية من 14 فيلماً فيما تكون قسم"بانوراما أرمينية"من 23 فيلماً من أنواع مختلفة من بينها الكثير من الانتاج الروسي وفيلم ألماني وآخر بريطاني. من أقسام المهرجان الأخرى"مهرجان داخل المهرجان"الذي سلط الأضواء على السينما الفرنسية وعرض لها ستة أفلام منها"لست هنا من أجل الحب"الذي عرضه مهرجان القاهرة السينمائي في العام الماضي 2006، وهو بصورة ما النسخة الفرنسية من الفيلمين الياباني والأميركي اللذين يحملان العنوان ذاته"هيا نرقص". أما قسم أوروبا، العام 2006 فتكون من خمسة من أبرز الأفلام الأوروبية في العام الماضي مثل"الملكة"البريطاني، والألمانيين"أربع دقائق"وپ"قداس"، والفيلم الفرنسي البولندي - الأميركي المشترك"إمبراطورية الداخل"للمخضرم ديفيد لينش. الجوائز للحروب لجنة التحكيم الدولية المكونة من إيراني وأرميني وكورية جنوبية منحت جائزة"المشمشة الذهبية"لأفضل فيلم للنمسوي"تصدير واستيراد"للمخرج أولريتش سيدل الذي يحكي عن ممرضة أوكرانية شابة الى أسرتها ووطنها من أجل البحث عن حياة أفضل في الغرب الأوروبي لينتهي بها الأمر عاملة نظافة في دار لرعاية المسنين في النمسا، في الوقت ذاته يقرر شاب من فيينا كان يعمل حارساً أمنياً الانتقال إلى الشرق وتحط به رحلته في أوكرانيا، كل منهما يبحث عن حياة جديدة وعن ظروف اقتصادية أفضل وعن السعادة لكنهما لم يواجها سوى واقعاً قاسياً. جائزة أفضل فيلم تسجيلي كانت من نصيب الفيلم الأرميني"حكاية ناس في زمن الحرب والسلم"للمخرج فاردان هوفانيسيان وتعود وقائعه إلى بدايات عقد التسعينات من القرن الماضي إثر تفكك الاتحاد السوفياتي ليسرد أحداث حرب أخرى خاضتها أرمينيا بموارد وأسلحة ضعيفة ضد أذربيجان في منطقة كارابه. ويركز الفيلم على بضع شخصيات وجنود خاضوا هذه الحرب كان المخرج أجرى معها حوارات عندما كان صحافياً في ذلك الوقت. وفي السنة الماضية، بعد 15 سنة، يعود المخرج إلى هؤلاء الجنود مجدداً ليطلع المشاهد على الحال التي آلوا إليها نتيجة هذه الحرب. فكان من بينهم من لم يستطع تجاوز التجربة نفسياً وأنتهى به الأمر داخل إحدى المصحات العقلية، وآخر يدعي أنه نسى هذه الفترة لكن الحقيقة أنه يحاول أن يتناساها، والممرضة الشابة الشجاعة التي خاضت الحرب وقررت الانضمام إلى الجيش بعد انتهائها، كما كان من بينهم جنديان لقيا حتفهما في الأيام الأخيرة منها. حاز الفيلم أيضاً جائزتي لجنتي تحكيم"التسامح الديني"وپ"الاتحاد الدولي لنقاد السينما". أما لجنة تحكيم"بانوراما السينما الأرمينية"فمنحت جائزتها لأفضل فيلم للبريطاني"الصارخون"للمخرجة الاميركية وبريطانية الإقامة حالياً"كارلا غارابيديان"وهي مخرجة جريئة صنعت من قبل بضعة أفلام تسجيلية كانت مثيرة للجدل ومحرجة لبعض الحكومات، منها"رفع الحجاب"عن المعاملة الوحشية التي تواجهها النساء في أفغانستان. وفي فيلم"الموت من أجل الرئيس"تسللت كارلا داخل الأراضي الشيشانية واستطاعت أن تصور إحدى جرائم الجيش الروسي في حق الشيشانيين عندما فجر قافلة تحمل لاجئين كانت ترفع العلم الأبيض رمز السلام. أما في"الصارخون"التسجيلي الروائي فتناقش المخرجة مجدداً عملية إبادة الشعب الأرميني ونكران الحكومة التركية لها، وتستعرض عمليات إبادة أخرى في أماكن متفرقة مثل رواندا، والبوسنة وأكراد العراق ودارفور لتخرج بإدانة قوية موجهة للحكومة الأميركية وسياستها الخارجية التي تغض النظر عن هذه العمليات في أثناء وقوعها ولا تتحرك إلا بعد فوات الأوان.