انطبعت مدينة هيروشيما اليابانية، ومعها ناغازاكي، في ذاكرة العالم كله بمأساة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً: قصف بقنبلة نووية اميركية، في الحرب العالمية الثانية، أدى الى مقتل أكثر من 140 ألفاً واصابة عشرات الآلاف، ووفاة عشرات الآلاف لاحقاً لإصابتهم بأمراض قاتلة نتيجة الاشعاعات التي لا يزال بعض السكان يعانيها حتى الآن. "متحف السلام"في هيروشيما أقيم في المركز الذي انفجرت فوقه القنبلة صبيحة السادس من آب اغسطس 1945، ليحكي قصة المدينة التي تحولت في لحظات الى جحيم، ويؤرخ لتلك الأحداث بالأرقام. لكن الأهم من ذلك تحوّل المتحف الى مركز للدعوة الى السلام ونزع السلاح النووي والدعوة الى طي صفحة الحرب والعداوة. السلام اسم أطلق على الكثير من الأماكن والنصب، كالجسور والشوارع. المنطقة التي اصابها القصف دلتا نهر اوتا أعيدت تسميتها ب"حديقة السلام"حيث"متحف السلام"ونصب كثيرة للسلام تكريما للضحايا. والشارع الرئيسي في المدينة بات يحمل ايضاً اسم بولفار السلام المواجه للمتحف وتسمية أحد الجسور الرئيسية على البولفار ب"جسر السلام"بعد إعادة بنائه. ولعل أكثر المناظر اثارة في المتحف قبة المبنى الذي سقطت فوقه القنبلة، وأقيم المتحف مكانه لتبقى شاهداً على المأساة. يضم المتحف أقساماً كثيرة، بينها معرض للمدينة قبل القصف وبعده، وبعض بقايا ملابس وأدوات منزلية ومذكرات كتبها أطفال وكبار، ورسومات خصوصا للأطفال، وتسجيلات بالفيديو. ويضم المتحف معرضاً لصور التقطها المصور الياباني شايغو هاياشي 1918-2002، ومنها أولى الصور بعد القصف. وخارج المتحف، في حديقة السلام، نصب كثيرة، تحفظ في أحدها اسماء ضحايا القنبلة التي وصل عددها في 24 حزيران يونيو الماضي الى 242 ألفاً، اضافة الى نصب"أعطني ماء"، وهي العبارة التي رددها الأطفال كثيراً بعد سقوط القنبلة. ويخصص المتحف مساحة واسعة لشرح مخاطر السلاح النووي، والدعوات الى نزعه. ويذكر ان هيروشيما استضافت في 1992 أول مؤتمر عالمي رعته الأممالمتحدة يدعو الى نزع أسلحة الدمار الشامل، بما فيها السلاح النووي. القنبلة سقطت فوق جسر أيووي، رأس دلتا نهر اوتا، حيث مراكز بلدية ومدرسة للأطفال ومنازل. وقتل 140 ألفاً، أي أكثر من ثلث عدد السكان حينها 350 ألفاً، وبقيت سبعة أبنية شاهدة على المأساة. قصة هيروشيما نموذج للحال التي آلت اليها اليابان بعد الحرب العالمية الثانية في علاقاتها مع عدوتها اللدودة سابقاً، الولاياتالمتحدة. فمنذ نحو 60 عاماً جرت تحولات كبيرة في اليابان وصلت الى حد اعتبار الولاياتالمتحدة الحليف الأول لها في العالم، تقيم معها معاهدة أمنية تعتبرها طوكيو ضامنة لأمن البلاد. لكن التحولات الداخلية ما زالت ناشطة حتى الآن، خصوصاً انه لا توجد الى الآن قراءة واحدة لما جرى خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها. وتبرز بين الحين والآخر دعوات لإعادة كتابة تاريخ تلك المرحلة. ولعل تصريحات وزير الدفاع الياباني السابق فوميو كيوما، الذي برر الهجوم النووي الأميركي على بلاده العام 1945، مثل صارخ على ذلك. إذ اضطر الى الاعتذار ثم الاستقالة بعدما أغضبت تلك التصريحات الناجين من هذا الهجوم وعائلات الضحايا. وكان كيوما صرح في 30 حزيران الماضي بأن القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناغازاكي"لم يكن من الممكن تجنبهما، لأنهما أدتا إلى إنهاء الحرب العالمية الثانية ومنعتا الاتحاد السوفياتي من الدخول في الحرب لمواجهة اليابان". وعلى رغم ان المسؤولين اليابانيين يبدون تعاطفاً تجاه ضحايا القنبلتين النوويتين، لكنهم يتجنبون انتقاد الهجومين الأميركيين ليس بسبب العلاقات المميزة لطوكيو مع واشنطن فحسب، بل لأن هناك العديد من المؤرخين اليابانيين يؤيدون هذه النظرية التي عبر عنها وزير الدفاع المستقيل. على ان الأكثر إثارة في تصريحات كيوما هو انه يمثل مدينة ناغازاكي في البرلمان، وهذا لم يستطع مواطنوه غفرانه على الاطلاق، فأطاحوه، ليستمر الجدل الداخلي، معلناً حيناً وخافتاً معظم الأحيان.