دعا الرئيس بوش الى مؤتمر دولي بعد الصيف لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط. وأجد فرص نجاح مثل هذا المؤتمر أقل مما لو كنت والقارئ دعونا اليه واستضفناه. في 24/6/2002 أعلن الرئيس الأميركي رؤيا دولتين، فلسطين واسرائيل، جنباً الى جنب، والتزم تحقيق الهدف خلال ثلاث سنوات، ولم يحقق جورج بوش شيئاً مع انه كان في أوج قوته السياسية، فالعالم كله تعاطف مع الأميركيين بعد ارهاب السنة السابقة، وأيد اسقاط نظام طالبان في افغانستان. اليوم هبط تأييد الرئيس بوش من أعلى مستوى قياسي لرئيس أميركي الى أدنى مستوى قياسي، فالشعب الأميركي ضد الحرب على العراق، والكونغرس الديموقراطي ضدها، والعالم الخارجي كله يعارض السياسات الأميركية، حتى ان الاوروبيين اعتبروا أميركا واسرائيل خطراً أكبر على السلام العالمي من ايران وكوريا الشمالية. جورج بوش لن يحقق في 18 شهراً بقيت له في البيت الأبيض، ما لم يحقق في ثلاث سنوات، أو خمس، منذ وعده الأصلي، وواضح أن ما يسعى اليه هو الإبقاء على شيء من سمعته، وإنقاذ تركته السياسية، فهو لو استطاع انهاء الصراع العربي - الاسرائيلي لغطى على فشله في الحرب المجرمة على العراق. واذا كان اهتزاز وضع الرئيس الأميركي لا يكفي، فهناك رئيس وزراء في اسرائيل مثله في الضعف السياسي، ورئيس فلسطيني، أضعف منهما معاً، فهو قد يملك كل النيات الحسنة في العالم، الا انه لا يسيطر على أجنحة فتح، ناهيك عن ان يسيطر على الفصائل الفلسطينية المتناحرة ويجمعها تحت قيادة السلطة الوطنية. ولن يغير خوف اسرائيل والولايات المتحدة من حماس شيئاً من هذا الوضع، فهما تؤذيان الرئيس ونفوذه بين الفلسطينيين اذا وقفتا جانباً، وهما تؤذيانه أكثر اذا ساعدتاه. ايهود أولمرت وأبو مازن اتفقا على خطوات أمنية واقتصادية. واسرائيل ستوقف ملاحقة 178 مطلوباً، مع اطلاق 250 سجيناً، وهي قد تفرج أيضاً عن مئة مليون دولار أخرى من دخل الضرائب المستحقة للفلسطينيين. وإدارة بوش تعهدت تقديم 190 مليون دولار للفلسطينيين، منها 80 مليون دولار لتعزيز القدرات الأمنية للسلطة. هذا كله سيفيد الرئيس محمود عباس على المدى القصير، برفع بعض المعاناة عن الفلسطينيين تحت الاحتلال. إلا ان الأهم هو المفاوضات والحل النهائي، وهذا هدف أكبر من قدرات الداعي الى المؤتمر والمشاركين والمشجعين. ثم ان خطة مساعدة السلطة الوطنية الفلسطينية ضد حماس، وحصر هذه في غزة حيث ترك الناس تحت رحمة المساعدات الانسانية الدولية، ستجعل غالبية فلسطينية تبتعد عن الرئيس، على أساس انه"متعاون"أو"عميل"وتميل الى حماس. قيادة حماس تدرك أن الحل الذي يطلبه الرئيس بوش سيكون على حسابها، وهي قادرة اليوم على تعطيل العملية السلمية. لا أدري ما هي مصادر معلومات الادارة الأميركية، غير أنني أخشى أن تكون هي نفسها التي قدمت المعلومات عن أسلحة الدمار الشامل في العراق والعلاقة مع القاعدة. معلوماتي الشخصية هي أن حماس أقوى في الضفة الغربية من فتح، وقد فازت في أكبر مدن الضفة في الانتخابات البلدية. ومعلوماتي أن فتح وحدها غير قادرة اليوم على مواجهة حماس في الضفة، ونفوذها يعتمد في شكل كبير على الدعم الأميركي والاسرائيلي لاحباط خطط حماس. ربما كان الرئيس الأميركي لا يدرك أن حماس تستطيع غداً السيطرة على أكبر مدن الضفة مثل نابلس والخليل، لو اختارت المواجهة. واذا اعتبرنا ان انقلابها في غزة سببه معلومات عن تسليح مقاتلي فتح وتدريبهم لمواجهة حماس التي قررت استباق الطرف الآخر، فإننا قد نجد الوضع نفسه مكرراً في الضفة الغربية، وحماس ترى أن المؤتمر الدولي المقبل يستهدفها، فتقرر أن تقوم بضربة اجهاضية لحماية مصلحتها، وهي ستجد مساعدة من أطراف اقليمية، وربما خارجية، يهمها تخريب المؤتمر الدولي. في مثل هذا الوضع لا يكفي أن يرحب أبو مازن وأولمرت بالمؤتمر الدولي، وأن تشارك الدول العربية والأوروبية وغيرها بالترحيب، فالمطلوب جهد دولي وعربي وفلسطيني متكامل لاعطاء المؤتمر الدولي فرصة للنجاح. غير ان مثل هذا الجهد المشترك المتكامل يصعب تحقيقه، فالفرقاء الاساسيون ضعفاء جداً، وهناك خلافات بين اطراف المشكلة، وضمن كل طرف. هل يمكن أن يكون الرئيس بوش دعا الى مؤتمر دولي، وهو لا يعرف هذه التفاصيل؟ هذا ممكن، فجهله لا حدود له، غير أن الذين اقترحوا عليه أن يقترح المؤتمر لا بد من أن يكونوا أفضل اطلاعاً على حقائق الوضع على الأرض وصعوبة تحقيق النجاح، ان لم يكن استحالة ذلك. أشعر بأن الذين يخططون السياسة التي ينفذها جورج بوش يريدون له أن يهدي الرئيس الأميركي القادم تركة ثقيلة أخرى تشغله محاولة حلها عن الاهتمام بقضايا حياتية للأميركيين. الرئيس القادم سيجد أمامه حرباً غير شعبية في العراق دخلت نفقاً مسدوداً، فإذا بقي في العراق هبطت شعبيته الى مستوى شعبية الحرب. واذا انسحب اطلق حرباً أهلية شاملة ستزيد القتل والدمار. واذا كان هذا لا يكفي، فسيكون هناك مؤتمر دولي فاشل عن الصراع العربي - الاسرائيلي، وسيجد الرئيس انه بحاجة الى تلافي الوضع قبل أن ينفجر في شكل أو في آخر. هذا هو الوضع، وأنا كنت أفضّل أن أكون مخطئاً، ولن يستطيع الرئيس المؤمن جورج بوش اجتراح معجزة من حجم توراتي.