شهدت المنطقة العربية خلال العقدين الماضيين تغيرات إقتصادية كبيرة نتيجة تنفيذ العديد من برامج الاصلاح الإقتصادي. جاءت هذه الإصلاحات ردا على أزمات إقتصادية عصفت في العديد من البلدان العربية، وإتبعت هذه البرامج سياسة إصلاح السوق وتخفيف دور الدولة في توجيه وإدارة الاقتصاد. وإشتملت على العديد من الجوانب الاقتصادية من ضمنها السياسة المالية، تحرير التجارة، خصخصة مؤسسات الدولة وإصلاح القطاع العام. وفي هذا الاطار نطرح سؤالا محددا: ما هو مدى تأثير سياسة الخصخصة وتحرير التجارة على المرأة العربية في سوق العمل وعلى حقوقها الاجتماعية و الاقتصادية؟ إن الحصول على اجابة واضحة لهّذا السؤال تتطلب دراسة وتحليل هذه الأثار في كل بلد بشكل منفرد، إذ يتمتع كل بلد في المنطقة العربية بخصوصية إقتصادية، وإختلاف لطبيعة أسواق العمل والانظمة والتشريعات ومؤسسات الضمان الاجتماعي. إلا أن نظرة سريعة على طبيعة الإصلاحات التي تم تنفيذا ووضع المرأة الحالي في المنطقة تظهر الأثار التالية على المرأة وحقوقها الاجتماعية والاقتصادية. أولا، أدت خصخة العديد من مؤسسات القطاع العام الى إزدياد إنخراط المرأة في القطاعات الإقتصادية غير الرسمية. على سبيل المثال تظهر المعلومات المتوفرة عن دول كمصر ولبنان واليمن وتونس الى إزدياد أعداد الوظائف غير الرسمية في القطاعين العام والخاص بالتزامن مع فترة تنفيذ سياسة الاصلاح الإقتصادي. وغالبية المتأثرين بهذه الترتيبات هم من جيل الشباب والمرأة. ففي مصر إرتفعت نسبة النساء العاملات بأجر في الاقتصاد غير الرسمي $8.2 ما بين العام 1998-2006 مقارنة مع 5.5$ ما بين الرجال في نفس الفترة. أدى هذا التحول من الاقتصاد الرسمي الى غير الرسمي الى فقدان المرأة بشكل كبير الأمان الوظيفي وتحول عمل المرأة في العديد من الأحيان إلى عمل مؤقت، أو قليل الأجر وبدون عقود رسمية تضمن حقوقها الاجتماعية والاقتصادية، كتقليص الإجازة المتعلقة بالولادة أو مرض الأطفال أو حتى الإجازات المرضية ومدة الاجازة السنوية. وتعاني المرأة المنخرطة في القطاعات الإقتصادية غير الرسمية أيضا من غياب برامج الضمان الاجتماعي، كبرامج التقاعد والتأمين الصحي. حيث لا تغطي برامج الضمان الاجتماعي كافة العاملين في القطاع الرسمي وغير الرسمي. ففي لبنان على سبيل المثال يوجد فقط 50.8$ من العمال مشمولين بنظام ضمان إجتماع إجتماعي. وهذه النسبة أقل بقليل ما بين النساء 32.8$ مقارنة مع 56.2$ للرجال. ثانيا، أثرت سياسية تحرير التجارة بشكل كبير على القطاعات التي تنخرط المرأة بها كالزراعة والصناعات اليدوية والمشاريع الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة الحجم. حيث لم تعد هذه القطاعات قادرة على منافسة المنتوجات الاجنبية وخصوصا المنتوجات المستوردة من الصين وتركيا. مما أضعف دور المرأة وخصوصا في المناطق الريفية وقلل من شعورها بالأمان الوظيفي والمادي. وينعكس هذا الأثر ليس فقط على دخل المرأة بل أيضا على وضعها الاجتماعي والحالة الاقتصادية للاسرة. جيث تشير العديد من الدراسات في المنطقة العربية والدول النامية الى وجود علاقة قوية ما بين دخل المرأة ودورها الفعال في المجتمع والوضع الصحي والاجتماعي لأسرتها. كما يؤثر وضع المرأة إقتصاديا في مدى الدور السياسي التي تلعبة المرأة في المجتمع. يؤشر وضع المرأة الحالي وطبيعة الإصلاحات في العديد من البلدان العربية على ضرورة إعادة التفكير ببرامج الاصلاح الاقتصادي الحالية، لتكون أكثر تنسيقا مع السياسات الإجتماعية وسياسات سوق العمل. إن الأثار السلبية سواء كانت إجتماعية أم إقتصادية هي من أهم معوقات الدخول في برامج إصلاح جدية قادرة على مواجهة التحديات الإقتصادية والإستراتيجية التي تمر بها المنطقة بما فيها الفقر والبطالة والإعتماد الكبير على الريع الخارجي. ولا بد من التشديد على أن الإصلاح المتزن والأكثر تنسيقا يحتاج إلى شراكة بين كافة اللاعبين الأساسين كالعمال وأصحاب العمل ومؤسسات الأعمال والمجتمع المدني، لا أن يكون الإصلاح حكرا على نخبة من التكنوقراط وصناع القرار. وتعني هذه الشراكة إنخراط ومشاركة جميع اللاعبين بشكل فعال في تخطيط وتنفيذ وتقيم برامج الإصلاح الإقتصادي. ومن شأن تعزيز الشراكة حول الاصلاح الاقتصادي أن تعزز شرعية هذا الإصلاح وتسهم في تمكين شرائح المجتمع من الاستفادة من عوائد الاصلاح وتحمل أعبائه وأثاره السلبية، خاصة في المدى القريب وحتى المتوسط قبل أن تتم عملية التحول الاقتصادي. وبشكل خاص تتطلب معالجة الأثار السلبيية للإصلاح الاقتصادي على المرأة بلورة سياسة سوق عمل تأخذ بعين الإعتبار التغيرات الحاصلة في الاقتصاديات العربية وخصوصا تحول العديد من القطاعات والوظائف الرسمية الى قطاعات ووظائف غير رسمية. ولابد ان يكون هناك قوانين عمل تشمل كافة القطاعات الاقتصادية وتنظم بشكل واضح علاقة العاملين مع اصحاب العمل، وتحمي حقوق العمال الإجتماعية والإقتصادية والقانونية. يجب ان تستند هذه القوانين الى مبدأ العمل اللائق والحقوق المتساوية لجميع العاملين بغض النظر عن جنس العامل والحالة الإجتماعية كما تروج له منظمة العمل الدولية. حيث يقوم المكتب الاقليمي لمنظمة العمل الدولية بتنفيذ العديد من المشاريع ضمن برنامج"المرأة وحق العمل العمل في الإقتصاد الغير رسمي في الدول العربية". ولابد من التشديد على ضرورة أن تشمل شبكات الضمان الإجتماعي العاملين في مختلف القطاعات الإقتصادية الرسمية وغير الرسمية منها. وتبقى إمكانية بلورة سياسة سوق عمل وبرامج إقتصادية وإجتماعية لتعزيز دور المرأة في الاقتصاديات العربية محدودا ما لم تستثمر الدول العربية في تحسين المعلومات المتوفره عن المرأة ومعوقات إنخراطها في سوق العمل، إضافة الى تحسين المعلومات عن أصحاب العمل ومتطلباتهم وبيئة العمل ومدى ملائمتها كبيئة تساعد على الانتاجية وتتماشى مع حقوق المرأة. ولا بد من الإشارة الى أن العديد من الدول العربية بحاجة الى إعادة النظر في النظام التعليمي ومخرجاته لتتماشى بشكل أفضل مع متطليات السوق والتحولات الاقتصادية التي تمر بها هذه البلدان من إقتصاديات يلعب القطاع العام فيها الدور الأساسي، خصوصا على مستوى الإستثمار والتوظيف الى إقتصاديات يقودها القطاع الخاص. * باحث إقتصادي في مركز كارنجي للشرق الاوسط، مؤسسة كارنجي للسلام الدولي.