"محمد راسم الجزائري" هو عنوان شريط وثائقي جديد للمخرج رابح لعراجي قدم في عرض أولي يدخل في اطار تظاهرة"الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007". في هذا الشريط الذي أعاد الى عالم السينما أحد عشاقها، رابح لعراجي صاحب "سقف وعائلة" والذي غاب طويلاً عن الأضواء الساحرة للفن السابع، تناول المخرج بكثير من الحنان والحنين ذكرى مبدع هو محمد راسم وبصمات مدينة هي البهجة الجزائز في أعمال وابداعات الفنان الذي ولد في أحضان قصبتها وترعرع وسط أهلها وتشبع خياله من أصالتها وفنونها الراقية وسحرها الدائم. لم يكتف المخرج لعراجي المعروف بجديته وحبه للدقة في أعماله بالمقاربة الفنية والإنسانية في تعامله مع هذا الفنان، بل حرص كالمعتاد على جانب الحرفية ليعطي صورة شاملة عن الفنان وفنه بدقة وتفاصيل قد لا يمكن رصدها إلا من خلال الكاميرا، ليس كآلة فحسب بل كأداة في يد مخرج مبدع. على مدى 52 دقيقة حمل المخرج الجمهور الى عوالم الفنان في نسج متناسق من الصور الفوتوغرافية واللوحات الفنية والمشاهد الحية مصوراً كل محطة من المحطات الرئيسة في مسار هذا الفنان المبدع الذي لم يحافظ على فن المنمنمات والتنوير فحسب بل عمل على تطوير هذا الفن وعصرنته وابتكار أعمال جديدة. تاريخ وطن ومدينة من خلال هذه المسيرة الفنية المتميزة عمد المخرج بكل ذكاء وبمعرفة أكيدة بالفن التشكيلي وتطوراته، الى وضع الفنان داخل اطاره الثقافي والسياسي والاجتماعي حيث ربط بين كل ابداع لوحة بخلفيتها الدينية والثقافية والاجتماعية عائداً بالمشاهد الى مظاهر الحياة العاصمية في تلك الحقبة، من خلال التأكيد على الفن والحرف والمعمار المميز للبيوت الجزائرية والتي كان لها تأثير بارز في انجازات الفنان الذي جسد في لوحاته أصالة الفن الجزائري. والمعروف أن راسم عايش من خلال أعماله كل الأحداث التي عرفتها بلاده تحت نير الاستعمار، فرسم الأسطول الذي دافع عن الجزائر ضد الغزاة، كما جسد الكثير من الشخصيات التاريخية مثل الأمير عبدالقادر والإخوان عروج. تركيبة الشريط لم تكتف بالسرد على رغم جمال وثراء التعليق، بل حاولت خلق جو من المرونة في التنقل من فترة الى فترة مع دعم ذلك بصورة حية أحياناً وأرشيفية أحياناً أخرى. وقد نجح المخرج في رصد ما كان له تأثير في العمل الإبداعي المتألق الذي تركه راسم سواء تأثيرات بيئته أو أسفاره أو تنقلاته واحتكاكه برواد الحركة التشكيلية المعاصرة في أوروبا من خلال اقامته بباريس واسبانيا. وركز الشريط أيضاً على حب الفنان للبحث والاكتشاف واطلاعه الواسع على فن المنمنمات في بلدان أخرى مثل ايران والهند وعند المغول. وهذه المعرفة الدقيقة بخصوصيات هذا الفن عند تلك الشعوب جعلت راسم يتوخى الدقة من البداية الى النهاية. ونجح المخرج كذلك في انتقاء الموسيقى والأغاني التي رافقت تدفق الصور على الشاشة حيث تجاوبت مع كل مرحلة بدءاً من صوت المرحوم حاج مريزق، المطرب الشعبي المعروف، الذي صاحب المشاهد الخاصة بالعاصمة مروراً بالموسيقى الكلاسيكية وعزف منفرد على العود. وفي نهاية العرض ذكر المخرج ان تظاهرة الجزائر مكنت عدداً من المخرجين من انجاز بعض الأعمال، لكن قطاع السينما وصل حالة"الاحتضار"نتيجة سنوات من الأزمة مما يستدعي كما قال"عقد"جلسات خاصة بدراسة واقع السينما في الجزائر. وأشار لعراجي أيضاً، بالمناسبة، الى وجود واستمرار أزمة السيناريو في الفيلم الجزائري بينما هناك ابداع في الاخراج وكفاءات كبيرة في التقنيات الأخرى. يذكر ان هذا الشريط من انتاج شركة"ا في 2 ام"وكتب نص التعليق حاج اسماعيل علي.