لم يسمع أهالي منطقتي الزاهرية والمئتين في مدينة طرابلس أصوات الآذان ظهر أمس. كان أزير الرصاص ودوي انفجارات القذائف المتوسطة أعلى من أصوات المآذن الداعية الى الصلاة. وبدت شوارع المنطقتين مقفرة طيلة نهار امس... الا من عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي وفرق الإسعاف والدفاع المدني. واستعاد الطرابلسيون في ساعات قليلة كابوساً قديماً كان يؤرق لياليهم قبل نحو ربع قرن، عندما كانت مدينتهم"إمارة إسلامية"خاضعة لسيطرة"حركة التوحيد الإسلامي"التي انضوت تحت لوائها مئات البنادق والأسلحة... والشعارات. الصدامات الدامية التي بدأت في عاصمة الشمال اللبناني فجر أمس، إثر دهم شقة في منطقة المئتين، تبيّن لاحقاً انها لمجموعة مسلحة تابعة لپ"فتح الاسلام"، لتنتقل في سرعة قياسية الى تخوم مخيم نهر البارد شمال طرابلس، مروراً بمنطقة الزاهرية في قلب المدينة، وصولاً الى بلدة القلمون جنوبها، والتي أوقعت خسائر في عناصر الجيش وقوى الأمن فضلاً عن عناصر الحركة الفلسطينية المتمردة وبعض المدنيين... أعادت الى الأذهان نظرية"الحروب الصغيرة"الجاهزة المتنقلة، محوّلة الأنظار عن المحكمة ذات الطابع الدولي التي تشغل الناس والبلاد منذ نحو سنتين."وكأن قدر المدينة ان تستيقظ دائماً على رعب التطرّف الديني المحلي... أو المستورد"، بحسب تعبير أحد سكان الزاهرية التي كانت مطلع الثمانينات من القرن الماضي معقلاً لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات بعد لجوئه الى المدينة عام 1983، والذي كان يمدّ"حركة التوحيد"بالمال والسلاح في مواجهة القوات السورية والأحزاب اللبنانية المتحالفة معها. لكن ملاجئ الأبنية التي كانت تؤوي سكان المدينة قبل ربع قرن، لم تعد صالحة اليوم للاستخدام. فراح سكان الزاهرية والمئتين يختبئون في زوايا بيوتهم الداخلية، بعدما منع الجيش اللبناني منذ الفجر إنارة الأضواء أو الوقوف على شرفات المنازل وكذلك الظهور من النوافذ. وشهدت المنطقتان معارك شرسة، خصوصاً في محيط بناية عبدو في المئتين حيث كان عناصر"فتح الإسلام"يتحصّنون. واحترقت أكثر من 8 سيارات مدنية في المنطقة"كأننا في حرب شوارع"، بحسب تعبير سهى أم لولدين القاطنة عند مستديرة الملعب البلدي وسط المئتين، والتي لم تشهد حرب الثمانينات في طرابلس، بسبب متابعتها دراستها العليا في باريس آنذاك. وعلق سكان الزاهرية والمئتين بين نارين: نار"فتح الإسلام"التي اتهمت القوى الأمنية اللبنانية ببدء المعركة، ونار الجيش وقوى الأمن الداخلي اللذين أخذا على عاتقهما القضاء على آخر عنصر وتحت النيران الكثيفة من الأسلحة المتوسطة والثقيلة، تابع الطرابلسيون أخبار الكرّ والفرّ في شوارع مدينتهم على شاشات التلفزة المحلية والعربية، وبواسطة الهواتف الثابتة والمحمولة. فيما أكد الباحث أحمد الأيوبي، وهو من سكان الزاهرية، ان سيارة"هوندا"بيضاء كانت تجوب شوارع منطقته وهي تبث بصوت مرتفع أناشيد حماسية وخطباً للأمين العام لپ"حزب الله"السيد حسن نصر الله. ولعبت الإشاعات المتواترة عن ظهور اسلحة فردية في بعض الأحياء الشعبية في المدينة، دوراً في تأجيج مشاعر الخوف والقلق لدى سكان الفيحاء. لكن نفي القوى الأمنية اللبنانية الأمر لاحقاً، أعاد الى الطرابلسيين بعض الطمأنينة من ان كابوس الثمانينات لن يخيّم على المدينة مرة أخرى.