طردت مسؤولة قسم الترجمة في القناة الفرنسية الثانية في خضم حمى الانتخابات الرئاسية الأخيرة بسبب خطأ ارتكبته مباشرة على الهواء. فبينما كان المرشح آنذاك نيكولا ساركوزي يحض الناخبين الفرنسيين على التصويت له، نقلت الترجمة الفورية إلى الانكليزية"نكتة"تبادلها الموظفون في الكواليس وتقول:"أرجوكم انتخبوني وساهموا في تضخيم ذاتيتي". بثت"النكتة"على الشاشات الأميركية وبدا ساركوزي بمظهر سخيف لا يريده لنفسه، ولم يجد التصحيح نفعاً. فالمزحة الثقيلة كانت قد سرت. في الوقت ذاته، اختلف الاسرائيليون والفلسطينيون على ترجمة عبارة ل"فرفور"، وهو شخصية مقتبسة عن الفأر الشهير ميكي ماوس في برنامج"سنابل"للأطفال الذي تبثه قناة الأقصى التابعة لحركة"حماس". ويتوجه الفأر"فرفور"إلى صغار الفلسطينيين فيحضهم على مقاومة الاحتلال ومحاربة الاسرائيليين وحفظ القرآن والصلاة خمس مرات في اليوم. أما العبارة التي أثارت زوبعة الاحتجاجات ونسبت الى"فرفور"فهي قوله إنه يجب"محو اليهود عن وجه الأرض"، ما قوبل بالنفي وبزعم أن الترجمة لم تكن دقيقة، ولا يزال السجال دائراً. حادثتان لا يربط بينهما سوى الترجمة التلفزيونية التي شاعت اخيراً مع الفضاءات المفتوحة والضيوف المعولمين والإعلام المثقل بالأفكار المؤدلجة. ذاك أن القنوات التلفزيونية باتت تعتمد تقنية البث المباشر الذي يقوم على استضافة خبرات غير محلية وغير ناطقة بالضرورة بلغة القناة. هنا تدخل الترجمة في صلب العمل الإعلامي لأنها في هذه الحال تكون الوسيلة الوحيدة القادرة على نقل المعلومة والرأي والفكرة. ويواجه المترجم الفوري معضلة مزدوجة لأنه يؤدي دور الإعلامي، ودور الضيف ودور المترجم في آن، فيكون حلقة ربط بين البرنامج والمشاهدين، إضافة إلى أنه يخضع لعنصر المفاجأة. فإذا كان متاحاً أمام المترجمين الفوريين في المؤتمرات الاطلاع المسبق على المحاضرات وتحضير لائحة مصطلحات والتسلح بها قبل الانطلاق، يجردهم التلفزيون من أي مخزون معرفي سابق ويضعهم تحت الاختبار المباشر، أمام ملايين المشاهدين. وتأتي العثرات أحياناً من الإعلامي نفسه والضيف حيث لا ينتبه أحد إلى وجود مترجم فيغوص في الحديث ويدخل في تفاصيل ومتاهات بوتيرة سريعة تمنع التقاطها في شكل صحيح. تلك الضغوط التي يواجهها المترجمون التلفزيونيون يشعر بها المشاهد عندما تبدأ"التأتأة"وتقطيع الكلمات وفترات الانتظار الطويل التي تتخللها"آآآآآ"لا تنتهي، عدا عن اختزال اقوال الضيف بجملة مقتضبة لا توحي بالثقة وإن استوفت المعنى. ويبدو التعب أحياناً على صوت المترجم الذي يصبح رفيعاً وحاداً حيناً وسريعاً خطابياً حيناً آخر فيضيع المعنى ويذهب الجهد سدى. ولعل أكثر من يعاني في هذه الحال المشاهدون الناطقون باللغتين لغة الضيف ولغة الترجمة إذ تختلط الأصوات في رأسهم، وتتداخل الكلمات وتصبح المشاهدة فعل إكراه!